hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - جويس كرم - الحياة

السعودية تلاقي شبابها

الأحد ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧ - 06:35

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

عندما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان واشنطن الربيع الفائت والتقى بشخصيات في الكونغرس، استحضر أحد النواب القضية المعادة والمكررة أميركياً وسأله «متى ستحظى المرأة السعودية بحق القيادة؟» إجابة الأمير محمد بن سلمان كانت مباشرة حيث قال للنائب وفق أحد الحاضرين «عندما تأتي لزيارة السعودية المرة المقبلة، قد تصطحبك من المطار سيارة تقودها امرأة».

خمسة أشهر على اللقاء وها هي المرأة السعودية تنال حق القيادة بعد حملة عمرها ٢٧ عاماً، وحتى أنها سبقت زيارة النائب الأميركي للرياض، علماً أن قرار منح هذا الحق لا يرتبط بنقاشات الكونغرس بل بمناخ اقتصادي واجتماعي وسياسي أولاً وأخيراً داخل المملكة. القرار بحد ذاته يرسم برمزيته وصداه منعطفاً للسعودية، فهو جاء بعد خطوات إصلاحية اقتصادية وبعد مسار مهني تصاعدي للمرأة السعودية في مجال العمل والديبلوماسية جعل حدوثه مسألة وقت وليس مسألة خيار.

وبغض النظر عن الصور النمطية المهينة التي تناقلها البعض، والاستهانة من آخرين بأهميته، فالقرار لم يكن موجهاً أصلاً لهذه الشريحة في الشرق أو الغرب وهو يندرج في اطار تحول أعرض وأعمق داخل المملكة في قضايا المرأة والتغييرات الاجتماعية. فاقتصادياً لا يمكن الحديث عن رؤية ٢٠٣٠ وتحرر الاقتصاد السعودي من الاعتماد على النفط من دون فتح الأبواب أمام المرأة السعودية وهي نصف المجتمع على المستوىين الفردي والمهني. وحق القيادة سيزيح أعباء اقتصادية تتعلق بكلفة السائقين وسيفتح الباب أمام مشاركة أفعل للمرأة السعودية في عجلة النمو والدخل الفردي.

أهم من ذلك، فإن القرار اجتماعياً يعكس وفي شكل واضح مخاطبة الحكومة السعودية مباشرة لمطالب شبابها وشعبها، وهنا التغيير والمؤشر الأكبر لمستقبل السعودية. فالقرار الذي باغت الكثيرين جاء بعد يومين من السماح للمرأة بدخول الملاعب الرياضية، ويصاحب حملة استثمارات وانفتاح اقتصادي ضخم في المملكة يواكب التغييرات الاجتماعية. هذا لا يعني أن المجتمع السعودي سيتبدل رأساً على عقب أو لن يعود محافظاً، لا بل يعني أنه سيلاقي رؤية ٢٠٣٠ والخطط التربوية والاقتصادية الحديثة.

ولذلك فإن الدرس الأول لقرار يوم الثلثاء هو عدم النظر إليه بمعزل عن التغييرات الأكبر التي تشهدها المملكة، والملاقاة العريضة بين الحكومة السعودية وتطلعات شبابها الذي يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي وتسهيلات «أوبر» وغيرها في شكل قياسي في المنطقة. هذا القرار هو بالذات لهذه الشريحة ويفتح أفق التغيير في السعودية في شكل قد يكون أسرع بكثير مما توقعه البعض سواء في إنشاء دور المسارح والسينما أو النهوض بمشاريع اقتصادية فردية (ستارت آب) خلاقة للشباب السعودي.

من سمى قرار يوم الثلثاء «الخطوة الصغيرة» في صحف «نيويوركر» وغيرها يجهل مسار التغيير ولم يكترث حتى بالتحدث مع مواطن أو امرأة سعودية لأخذ الرأي. هذا ليس للقول على الإطلاق أن مسار الإصلاحات اكتمل في المملكة بعد القرار، لأن هذا المسار سيكون طويلاً ومضنياً إنما ما كان يمكن أن يبدأ أو ألا يتقاطع مع حق القيادة.

في القرن الرابع عشر يذكرنا ابن خلدون بـ «إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر» والتغيير الاجتماعي مبني على مد جسور التلاقي بين الأخلاق والدين والسياسة والاجتماع. هذه الجسور تكتمل اليوم في السعودية خصوصاً بين الحكومة وتطلعات الشباب السعودي وقيمه، ما يجعل من الصعب جداً العودة إلى الوراء أو حدّ أفق التغييرات في المملكة.
جويس كرم - الحياة

  • شارك الخبر