hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - خيرالله خيرالله - الراي

الأكراد يعيدون رسم خريطة المنطقة

الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠١٧ - 06:10

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

جرى الاستفتاء الكردي. هذا حدث تاريخي على صعيد الشرق الاوسط كلّه، لكنّه لا يعني ان الدولة الكردية المستقلّة ستبصر النور غدا. لا تزال الطريق امام قيام الدولة الكردية المستقلة شائكة، لكنّ الاكراد يجدون ان من الأفضل لهم التفاوض مع الحكومة المركزية في بغداد من موقع قوّة، أي بعد اجراء الاستفتاء، هذا اذا كان في بغداد من يريد بالفعل التفاوض.

كان صعبا تصوّر مسعود بارزاني يصمد في مواجهة الضغوط التي تعرّض لها من اجل تأجيل الاستفتاء على الاستقلال الكردي. لكنّ بارزاني صمد، رغم تقديم تنازلات تتناول ملف كركوك الشائك. حرص على القول ان الاستفتاء «خطوة أولى لشعب يريد الاستقلال» كما ان الاستفتاء لا يعني رسم حدود الدولة الكردية. اين ستكون كركوك في حال استقلّت كردستان؟

تكمن صعوبة القرار الذي اتخذه رئيس إقليم كردستان والقاضي بالتمسك بموعد الاستفتاء في حجم الضغوط ونوعية الأطراف التي مارستها. ليس سهلا الاستخفاف بالمعارضة التركية لخطوة بارزاني، خصوصا بعد اعتبار انقرة، على اعلى المستويات، ان مثل هذه الخطوة تهدّد «الامن الوطني» لتركيا. ليس سهلا أيضا رفض الرضوخ للضغوط الايرانية التي تحمل في طياتها تهديدا بترك «الحشد الشعبي»، أي الميليشيات المذهبية العراقية التي في امرة طهران، يدخل في مواجهة مع قوات «البيشمركة».

فوق ذلك كلّه، جاء الموقف السلبي للادارة الاميركية من الاستفتاء. يعكس الموقف الاميركي المفاجئ غياباً لاي استراتيجية لواشنطن في الشرق الاوسط والخليج وحالاً من الضياع لم يبددها الخطاب الأخير للرئيس دونالد ترامب في الامم المتحدة. لا شكّ ان الولايات المتحدة لعبت ايضا دورا في دفع مجلس الامن التابع للأمم المتحدة يتخذ موقفا معارضا للاستفتاء.

كان الموقف الطبيعي لرئيس إقليم كردستان في ظلّ هذه الضغوطات والتهديدات التراجع في انتظار أيام افضل يمكن فيها تمرير الاستفتاء في ظلّ نوع من التواطؤ الدولي والإقليمي. لكنّ بارزاني لم يعد يمتلك مثل هذا الخيار لسببين على الاقلّ. الاوّل ان تأجيل الموعد سيعني انتحارا سياسيا بالنسبة اليه، بل بالنسبة الى كلّ ما يمثله مع افراد عائلته وعشيرته على الصعيد الكردي. امّا السبب الثاني، فهو عائد اساسا الى انّه ليس معروفا هل ستتوفر في يوم من الايّام ظروف افضل تسمح باجراء الاستفتاء الذي اعدّ بارزاني المسرح الكردي له اعدادا جيّدا... او هكذا يُفترض.

هناك نقاط عدّة تجعل من موقف بارزاني، الذي خطب في أربيل، قبل ثلاثة أيام من الاستفتاء ليعلن ان لا تراجع عنه، ثم اكد ذلك عشية يوم الاستفتاء، موقفا منطقيا وقويّا ومتماسكا في الوقت ذاته. انّه موقف منطقي وقويّ ومتماسك، على الرغم من ثغرات عدة في طرح مسعود بارزاني، في مقدّمها القنبلة الموقوتة التي اسمها كركوك.

في مقدّم نقاط القوّة لدى بارزاني ان أي طرف من الأطراف المعترضة على الاستفتاء لم يعط مبررا منطقيا واحدا لتأجيله. حسنا، تأجل الاستفتاء، هل على الاكراد انتظار معطيات جديدة تسمح لهم مجددا بطلب الاستقلال؟ ما هي هذه المعطيات الجديدة، التي ليست متوافّرة اليوم والتي ستتوفّر غدا والتي ستسمح للقوى الإقليمية والدولية بالموافقة على اجراء الاستفتاء الكردي والقبول بنتيجته؟ بكلام أوضح، من يستطيع تحديد موعد مناسب للاستفتاء؟

تعود المشكلة لدى المعترضين على الاستفتاء بكل بساطة الى انّ الوضع العراقي لا يسمح لهم بتقديم بديل من الاستفتاء، باستثناء الدعوة الى التأجيل. هل كان يمكن للتأجيل ان يكون هدفا بحدّ ذاته؟

اكثر من ذلك، هناك من لا يزال متمسّكا بوحدة العراق لتبرير الدعوة الى تأجيل الاستفتاء، علما ان هذه الوحدة صارت مجرّد نكتة اكثر من ايّ شيء آخر. انهار العراق عمليا في اليوم الذي قررت فيه الولايات المتحدة تسليمه على صحن من فضّة الى ايران. لعلّ نقطة القوّة الأساسية، التي تعمل لمصلحة الاستفتاء، ان تجربة الشراكة في السلطة كانت تجربة فاشلة.

بعد العام 2003 وسقوط نظام صدّام حسين، قامت في العراق دولة هشّة سيطرت عليها بشكل تدريجي الميليشيات المذهبية التابعة لاحزاب عراقية تابعة عمليا لإيران. ما لبثت هذه الميليشيات ان تحوّلت الى ما يسمّى «الحشد الشعبي» الذي يشكل بديلا من المؤسسة العسكرية العريقة. ما لا يمكن تجاهله ان الجيش العراقي تأسّس في العام 1921. ما استطاعت ايران عمله هو تغيير طبيعة هذا الجيش كي لا تقوم له قيامة في يوم من الايّام من جهة وكي يكون في كلّ وقت تحت سيطرة «الحشد الشعبي»، تماما كما حال الجيش الايراني مع «الحرس الثوري» من جهة اخرى.

لم يجد الاكراد مكانا لهم في الدولة الدينية التي اقامتها ايران في العراق، مثلما لم يجدوا مكانا في الماضي عندما حكم البعث العراق بروح تغلب عليها الشوفينية اكثر من ايّ شيء آخر. فضلا عن ذلك، ليس ما يشير الى انّ في الإمكان خروج العراق من النفق المظلم الذي دخل فيه وذلك على الرغم من وجود بعض المقاومة للسيطرة الايرانية. تعبّر عن هذه المقاومة بحياء وخفر أحيانا، وبجرأة في أحيان أخرى، شخصيات مثل رئيس الوزراء حيدر العبادي او السيّد مقتدى الصدر او السيّد عمّار الحكيم.

في نهاية المطاف، لم يكن امام الاكراد من خيار غير الانتقال الى مرحلة جديدة في الطريق الى تحقيق حلم الاستقلال. ليس أكيدا انّ في استطاعتهم إقامة دولة ناجحة، لكنّ خيارهم الوحيد كان السعي والمحاولة في ضوء الترددات المستمرّة للزلزال العراقي الذي تسببت به إدارة جورج بوش الابن. هناك فرصة لم يكن مسموحا للاكراد تفويتها. لا يتعلّق الامر بان ليس في استطاعتهم العيش في ظل الدولة الدينية التي اقامتها ايران في العراق فحسب، بل هناك أيضا غياب لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حزب جلال طالباني. شكل حزب طالباني، المُقعد حاليا، عامل توازن داخليا مع الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يتزعمّه بارزاني.

لا يفرض الاكراد واقعا جديدا في العراق فحسب، بل انهّم يعيدون رسم خريطة المنطقة كلّها أيضا. ما فعلوه هو البداية الحقيقية لاعادة رسم خريطة المنطقة بالمبضع. لن يكون قيام دولتهم المستقلة امرا سهلا، لكن الأكيد ان الحجج التي ساقها رئيس الوزراء العراقي لتبرير رفضه الانفصال لا قيمة قانونية لها، إضافة الى انّها غير واقعية، خصوصا عندما يتحدّث عن «الفساد» في كردستان. الفساد في كردستان نقطة في بحر الفساد العراقي منذ العام 2003.

تكمن المشكلة أساسا في انّ العبادي، وقبله نوري المالكي، لم يتمكنا من تقديم أي نموذج لدولة «فيديرالية» كان يمكن ان يغري الاكراد، وغير الاكراد، رغم انّه لا يمكن في ايّ شكل الاستخفاف بالمشاكل الداخلية والتعقيدات التي يعاني منها الاقليم الذي يحكمه هؤلاء في شمال العراق...

اذا كان هناك فشل لتجربة إقليم كردستان، فهذا الفشل، يبقى محدودا، ولا يقارن مع الفشل الكبير الذي اسمه عراق ما بعد 2003.
خيرالله خيرالله - الراي

  • شارك الخبر