hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - خيرالله خيرالله - الراي

حماية لبنان

الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٧ - 06:31

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

من المفيد التذكير بأنّ سعد الحريري، رئيس مجلس الوزراء في لبنان، زار واشنطن وباريس وموسكو أخيرا. التقى الرؤساء دونالد ترامب وايمانويل ماكرون وفلاديمير بوتين من اجل الا يكون أي حلّ او تسوية في سورية على حساب لبنان، خصوصا في ما يتعلّق بقضية النازحين.

ثمّة من يقول ان لا ثقل يذكر للبنان وانّ الاحداث التي تشهدها المنطقة تتجاوزه، خصوصا انّه تحت رحمة «حزب الله»، أي ايران. ما يدعم من يقولون ذلك انّ الحزب، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الايراني، لم يأخذ رأي الحكومة اللبنانية عندما قرّر الغاء الحدود بين لبنان وسورية والمشاركة في الحرب على الشعب السوري. جزء من مشكلة النازحين السوريين الى لبنان سببها «حزب الله» المشارك في عمليات تطهير ذات طابع مذهبي على طول الحدود اللبنانية - السورية... وصولا الى الشمال السوري.

الأخطر من ذلك كلّه انّ «حزب الله» بدخوله طرفا في الحرب على الشعب السوري، الغى الحدود بين دولتين مستقلّتين وجعل الرابط المذهبي فوق كلّ ما عداه. كان ما قام به الحزب مقدّمة لما اقدم عليه، لاحقا، تنظيم «داعش» الذي ربط بدوره بين أراض سورية وأخرى عراقية من منطلق مذهبي أيضا. الم يكن الشعار الذي رفعه الحزب لتبرير تورّطه في الحرب السورية، في البداية، حماية القرى الشيعية اللبنانية في داخل الأراضي السورية ثم «حماية» مقام السيّدة زينب؟

ما الذي يستطيع لبنان عمله وما الذي لا يستطيع عمله في الظروف المعقّدة التي يجد نفسه امامها بعدما تبيّن انّ هناك ميليشيا مذهبية تريد الحلول مكان الدولة اللبنانية ومؤسساتها وفرض اجندة ايرانية عليها. لعلّ اوّل ما يُفترض بلبنان عمله رفض الامر الواقع، لا لشيء سوى من اجل حماية شعبه ومصالحه.

الخيار واضح. انّه بين الرضوخ للامر الواقع والسعي الى التغلب عليه. يشمل الامر الواقع، الذي تسعى قوى معيّنة الى فرضه على لبنان، التطبيع مع النظام السوري الذي لا يمتلك ايّ شرعية من أي نوع... هل كان على رئيس الحكومة الذهاب الى ابعد ما ذهب اليه في اعتراضه على زيارة وزراء لبنانيين لدمشق، علما ان مجلس الوزراء كان حاسما لجهة انّ لا علاقة له بتصرفات عشوائية من هذا النوع لا هدف لها سوى تبييض بضاعة غير قابلة للتبييض اسمها النظام السوري؟

يعني رفض الحريري الرضوخ للامر الواقع، قبل ايّ شيء آخر، التحرّك في كلّ الاتجاهات، خصوصا في اتجاه القوى الدولية التي لديها ما تستطيع تقديمه من اجل حماية لبنان والمحافظة على الحدّ الأدنى من الاستقرار في البلد. يأتي ذلك في وقت هناك محاولات كثيرة لجرّ البلد الى معسكر «قوى الممانعة». هذه القوى «الممانعة» قبل أي شيء على ان إسرائيل لا يمكن ان تتخلّى عن النظام السوري بأي شكل من الاشكال وفي ايّ ظرف من الظروف.

بغض النظر عن التعقيدات الإقليمية وما تشهده اجتماعات استانا من محاولات لاضفاء شرعية على احتلالات القوى الخارجية لسورية، ليس امام لبنان من خيار آخر غير رفض دفع فاتورة فرض الاحتلالات الخمسة على سورية والتصدي لذلك. لبنان ليس مستعدا لان يكون جائزة ترضية لابعاد ايران وميليشياتها عن ما كان يسمّى جبهة الجولان ومنطقة الحدود السورية - الأردنية.

لم يعد سرّا انّ الولايات المتحدة تدعم مؤسسة الجيش الذي اظهر قدرة كبيرة على مواجهة الإرهاب وطرد «داعش» من الأراضي اللبنانية، في حين تبيّن انّ هدف «حزب الله» الدخول في صفقات مع «داعش» من جهة واستخدام هذا التنظيم في جعل النظام السوري يظهر في مظهر من يحارب الإرهاب من جهة اخرى. كيف يمكن لمن ينقل مقاتلي «داعش» وعائلاتهم من الحدود اللبنانية الى الداخل السوري بسلام وامان ان يكون بالفعل في مواجهة مثل هذا التنظيم الإرهابي؟

يستطيع لبنان الاستفادة الى حد كبير من الدعم الاميركي للجيش، وهو دعم واضح تؤكّده الأرقام وليس مجردّ الكلام العام عن التصدي للمشروع الاميركي في المنطقة. لا مشروع محددا بعد لادارة ترامب على الصعيد الإقليمي، خصوصا بالنسبة الى سورية. مازالت الادارة تبحث عن طريقها، في حين ان المشروع الوحيد الذي كان لدى إدارة باراك أوباما كان يقوم على استرضاء ايران. جعل باراك أوباما هدفه الاوّل حماية الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني، حتّى لو كان معنى ذلك ترك الشعب السوري يعيش تحت تهديد السلاح الكيميائي والبراميل المتفجرة.

من المفيد ان يكون لبنان على الاجندة الأميركية. من المفيد أيضا ان تبقى فرنسا على علاقة مميزة مع لبنان لمساعدته في تذكير العالم بان هناك عبئا ثقيلا جدا على البلد اسمه ازمة النزوح السوري. فمن يرد بالفعل مساعدة لبنان واللبنانيين لا يساهم بزيادة عدد النازحين السوريين، بل يبحث في كيفية إيجاد مخارج لهذه المشكلة الضخمة من دون السقوط في العنصرية ولغة الكلام الرخيص والمبتذل والتصرفات الشائنة.

في مرحلة تزداد فيها اهمّية الوجود الروسي في سورية والدور الذي تلعبه موسكو على كلّ صعيد، لا مفرّ من الاجتماع ببوتين. اقلّه من اجل السعي الى معرفة هل يمكن الحؤول دون ان يدفع لبنان ثمن التقاء المصالح الروسية - الايرانية؟

لا يمكن الهرب من واقع يتمثّل في ان روسيا تدخلت عسكريا وبشكل مباشر في مثل هذه الايّام من العام 2015 من اجل انقاذ النظام السوري. حالت دون سقوط النظام رسميا، علما انّه نظام صار في مزبلة التاريخ. استطاعت روسيا الحؤول دون دخول المعارضة لدمشق ودون اجتياح للساحل السوري وذلك بناء على طلب إيراني. لكنّ على روسيا في هذه الايّام ان تأخذ في الاعتبار، إضافة الى طبيعة علاقتها بايران التغييرات التي طرأت على علاقتها بتركيا. هناك تقارب روسي - تركي لا يمكن تجاهله، مثلما لا يمكن تجاهل العلاقة العميقة بين ايران وروسيا. فوق ذلك، لا يمكن تجاهل أيضا العلاقة المتينة القائمة على كل الصعد بين روسيا وإسرائيل في وقت يبدو ان إدارة ترامب لا تعترض على توسيع الدور الروسي في سورية.

صحيح ان لبنان بلد صغير مغلوب على امره، لكن الصحيح أيضا انّ لبنان يمتلك نقاط قوّة. من بين هذه النقاط فعالية جيشه وقدرة رئيس مجلس الوزراء على التحرّك دوليا، اقلّه من اجل معرفة ما الذي يخطط لسورية.

ليس في استطاعة ايّ مسؤول حاليا، حتّى لو كان رئيس الولايات المتحدة، التكهن بما ستؤول اليه الاوضاع في سورية، لكن معرفة بعض ما يدور في المحافل الدولية، خصوصا في واشنطن وباريس وموسكو، يظل افضل من البقاء في بيروت في انتظار ما ستقرّره طهران.

على لبنان حماية نفسه، او على الاصحّ بذل كل ما يستطيع من اجل ذلك في انتظار الانتهاء من المخاض الذي تمرّ فيه المنطقة كلّها، وهو مخاض لا يشبه سوى مرحلة ما بعد انهيار الدولة العثمانية في عشرينات القرن الماضي تمهيدا لقيام النظام الإقليمي الجديد الذي نرى اليوم بالعين المجردة فصولاً من نهاياته.
خيرالله خيرالله - الراي

  • شارك الخبر