hit counter script

مقالات مختارة - خيرالله خيرالله

الأكراد والمخاضان العراقي والإقليمي...

الأحد ١٥ أيلول ٢٠١٧ - 07:35

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الراي الكويتية

في منطقة كلّ ما فيها يتغيّر، بما في ذلك خرائط الدول ومواقعها على خريطة التوازنات العالمية، مثل العلاقة المستقبلية بين تركيا وحلف شمال الأطلسي، يبدو أكثر من طبيعي أن يبحث الاكراد عن مستقبل مختلف لهم.

في ظلّ هذه المعطيات، التي في مقدّمها الزلزال العراقي المستمرّ، يأتي الاستفتاء المقرر في 25 سبتمبر الجاري، وهو حدث إقليمي اقلّ ما يمكن ان يوصف به انّه ذو أهمّية وطابع تاريخيين.

في النهاية من يستطيع تجاهل ان العراق في العام 2017 لم يعد قادرا على ان يحافظ على وحدة أراضيه؟ من يستطيع تجاهل ان سورية صارت مناطق نفوذ لخمس قوى عالمية وإقليمية هي اميركا وروسيا وايران وتركيا وإسرائيل وانّ مستقبلها في مهبّ الريح؟

لم يعد هناك شيء اسمه وحدة العراق بعد خطيئة تحول الحكم في بغداد الى حكم مذهبي بدعم أميركي وايراني في آن. ففي مؤتمر المعارضة العراقية الذي انعقد في لندن في ديسمبر 2002، برعاية أميركية - إيرانية، صدر بيان تحدّث عن «الأكثرية الشيعية في العراق» وعن ان العراق سيكون دولة «فيديرالية». كانت «الفيديرالية» كلمة السرّ التي اقنعت الاكراد بحضور مؤتمر لندن. كانت عبارة «الأكثرية الشيعية» التي جعلت ايران ترعى مع الولايات المتحدة، أي مع «الشيطان الأكبر» مؤتمر المعارضة. هناك عقد غير معلن يجمع بين الذين شاركوا، كلّ على طريقته واسلوبه، في الحرب التي شنتها الولايات المتحدة من اجل التخلّص من نظام صدّام حسين.

حصلت ايران على ما تريده. قام في بغداد نظام مذهبي. لم يعد سرّا ان عماد النظام صار مع مرور الوقت «الحشد الشعبي» الذي يضمّ مجموعة من الميليشيات المذهبية التابعة لاحزاب تابعة بدورها لإيران. ماذا يمكن ان يفعل الاكراد في مثل هذه الحال، خصوصا في ظل حاجة الحكومة المركزية في بغداد الى كلّ دولار مصدره مبيعات النفط العراقي؟

شيئا فشيئا، فقد الاكراد ايّ نفوذ يذكر في اطار الحكومة المركزية. استطاع جلال طالباني، رئيس الجمهورية، المحافظة في مرحلة معيّنة على حدّ ادنى من الشراكة في السلطة وذلك في ضوء تاريخ الرجل من جهة والعلاقة التاريخية بينه وبين ايران من جهة أخرى. في الوقت ذاته، كان وجود هوشيار زيباري في موقع وزير الخارجية يشكل نوعا من الضمانة للوجود الكردي السياسي الكردي في اطار الحكومة. بعد اضطرار طالباني الى ترك موقعه بسبب المرض وحلول فؤاد معصوم مكانه ودفع هوشيار زيباري خارج الحكومة، لم يعد من وجود لحصة تركية في السلطة المركزية.

لم يعمل الوقت، إضافة الى انهيار أسعار النفط في اتجاه السعي الى الخروج من الازمة العميقة التي تواجه العراق والتي انعكست عجزا عن إقامة نظام مدني يكون نموذجا لما يمكن ان تكون عليه دول المنطقة. غرق العراق في المذهبية، خصوصا مع الانسحاب العسكري الاميركي ومع بقاء نوري المالكي في موقع رئيس الوزراء في العام 2010. سار كلّ شيء في العراق في اتجاه مزيد من الشرذمة، خصوصا بعد تسليم مدينة مثل الموصل الى «داعش» ثم استعادتها منه في 2017 في ظروف اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها غامضة. تبيّن ان الهدف لم يكن استعادة المدينة بمقدار ما انّ المطلوب تدميرها وتكريس شرعية «الحشد الشعبي» بموافقة رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي لم يستطع ان يكون مختلفا على نحو جذري عن المالكي..

دفع العاملان الإقليمي والداخلي الاكراد الى الاستفتاء الذي لا يعني بالضرورة اعلان الاستقلال فورا، كما لا يعني انّ الطريق امامهم سيكون سهلا، خصوصا في ظل مشكلة ضخمة اسمها كركوك.

لن تكون تسوية في شأن الاستقلال ومستقبل الاكراد من دون كركوك التي تعوم على حقول نفطية. إضافة الى ذلك، تمتلك كركوك تميّزا واضحا مع وجود حقيقي للتركمان فيها.

ما يشفع بالاكراد انّهم تعلموا من تجارب الماضي القريب، بما في ذلك تجربة منتصف تسعينات القرن الماضي لدى حصول المواجهة المفتوحة بين الحزبين الكرديين الكبيرين، بين أربيل والسليمانية. كانت تجربة إقليم كردستان جدّ معقولة بعد العام 2003. وفّر الاقليم، شبه المستقل، ملجأ آمنا للعراقيين الهاربين من الأجواء المذهبية التي سادت في بغداد وغير بغداد. لم يجد مسيحيو العراق والازيديون، وحتّى السنّة العرب، مكانا عراقيا يلوذون به غير كردستان. لا مفرّ من الاعتراف بانّ حدا ادنى من الاستقرار تحقّق في كردستان على الرغم من كلّ الشوائب التي يمكن الحديث عنها والتي لا تخفى على احد.

كان هناك تفكير في كردستان في كيفية إقامة مدن تتسع لجميع العراقيين من كل المناطق والمذاهب والطوائف والقوميات. كان هناك تفكير في إقامة علاقات معقولة مع تركيا وفي إقامة جامعات ومعاهد توفّر مستوى تعليميا يليق بالمواطنين العراقيين ومستقبل أبنائهم. هذا يدلّ على وجود من يفكّر في المستقبل بدل البقاء في اسر الماضي والاحقاد...

لدى الاكراد حجة قويّة تدفعهم الى التمسّك بالاستفتاء. تُختزل هذه الحجة في ان أحدا لم يقدّم لهم البديل الذي يحفظ لهم حقوقهم كشعب موجود على الخريطة السياسية للمنطقة. انهّم موجودون في تركيا وايران وسورية أيضا. لكنّ السؤال المهمّ الذي سيطرح نفسه في كلّ وقت هو ما حقيقة الموقف الاميركي؟ الى أي حدّ ستذهب الإدارة الاميركية في دعم حقوق الاكراد الذين اثبتوا انّهم حلفاء يمكن الاتكال عليهم، خصوصا في الحرب على «داعش» في سورية والعراق.

في انتظار البديل الذي يمكن ان يقنع الاكراد بتأجيل الاستفتاء، ليس امامهم سوى المضي الى النهاية في تنظيمه على الرغم من التهديدات التي يطلقها زعيم هذه الميليشيا المذهبية او تلك وعلى الرغم من بقاء قضيّة مدينة كركوك عالقة، بل معلّقة.

في انتظار ما سيؤدي اليه المخاضان العراقي والإقليمي، يبدو ان الاكراد يسعون الى المحافظة على حقوقهم وتثبيتها. الأكيد ان العراق الموحّد لم يعد لديه ما يقدّمه لمواطنيه على الرغم من كل يشهده من تطورات تعبّر عنها المواقف الأخيرة لمقتدى الصدر وعمّار الحكيم. اذا كان من فشل عراقي بعد 2003، فان هذا الفشل يتمثل في عجز الحكومات العراقية عن تقديم نموذج جاذب لا في داخل البلد ولا خارجه في ايّ مجال من المجالات. في المقابل، كان إقليم كردستان تجربة تغلب فيها الايجابيات على السلبيات، الى حدّ ما طبعا. كانت تلك التجربة ولا تزال خطوة على طريق إقامة دول مدنية ليس في وارد ان يطمح اليها ايّ مسؤول او صاحب موقع في بغداد، مع استثناءات قليلة.

يبقى، كيف سيحلّ الاكراد عقدة كركوك؟ ما الذي سيحصل في المدينة يوم الاستفتاء؟ هل صحيح ان الاستفتاء منطلق لحروب جديدة في العراق... ام ان في الإمكان الانطلاق منه للقيام بعملية نقد للذات؟

تكمن المشكلة الحقيقية بكل بساطة ان ليس في بغداد من يمكن ان يدفع في اتجاه عملية نقد للذات. ليس هناك من يمتلك شجاعة تسمح له بالاقدام على مثل هذه الخطوة. عندما يكون هذا الوضع السائد في بغداد، هل في الإمكان توجيه أي لوم للاكراد حتّى من أولئك الذين يتذرعون بالعلاقة القديمة القائمة بينهم وبين إسرائيل؟!

  • شارك الخبر