hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - مازن ح. عبّود

وصيتي لك في زمن البلبال

الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠١٧ - 06:09

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا اعلم ماذا أقول لك وبماذا اوصيك يا ولدي، ونحن في وسط بلبال يجتاح الأمكنة، التي كنا نعتقد انها بسلام وعبق من سماء على الارض؟ انّ فسحات السلام في عالمنا بدأت تصغر وتضمحل رويدا، رويدا. ونحن لا نريد لها ان تزول بالكلية كي لا يزول وجه الرب عن الأرض، وعبق رائحته من تربتها، وومضاته من بشرها.

اوصيك يا ولدي ان تحترس وتنتبه، فلا تخسر وجهتك في الاعصار. فتصير تتخبط، وانت تعتقد بانك تجاهد في سبيل ما تعتقد بانه هدف نبيل. انتبه كي لا يصير هدفك مطية لقوى تحسن التحكم بالاعصار، وتجعل منك مطية تخدم اهدافا ومرامي أخرى، ليس لك فيها.
لا تصنع لك يا ولدي الها من لحم ودم تعبده وتتبعه، ينسيك من صنع الناس واللحم والدم. تذكّر انّ اللحم والدم سيزولان حتما، ولن يبقى الا نور وجه من اقمت محله انسانا او وثنا.
الا فأعلم يا ولدي بانّ الإنسان مهما ازدادت قامته، يبقى عرضة للسقوط. ولا يقوم ان لم يعترف هو بضعفاته، ويسأل من لا يتغيّر ان يغيّره. يسعى القديس ان يكون بخورا يحرق على نية من يحب. يفرح ان يظلم كي لا يتعثر من يحب. تكون القصص عظيمة على قدر عظمة الابطال واتضاعهم، ورغبتهم في التضحية بأنفسهم لحماية احبتهم، وتجنيبهم أي أذى. يمضي القديسون والابطال عادة بصمت وخفر سريعا عن مسرح الحياة عندما يصبح رحيلهم أفضل لأحبتهم. يمضون كندى الجبال او كعطر ياسمين الليل، يمضون كملائكة اتممت سعيها بشكر.
الا فاحذر الغضب يا صغيري. فالشياطين تمتطي اهواء الغضب، فتزرع في الناس شتول الحقد والضغينة. يقود الغضب السفن الى مدائن الخوف والالغاء والتطرف. والشباب الغاضب يا ملاكي، يمسي دكانة ما لا يعرف. ينجرف عن أهدافه النبيلة، ويجعل الغاية تبرر الوسيلة، فيسقط في بحر ما لا يدري...
اتفهم غضب الناس يا عزيزي! اتفهم غضب الناس كثيرا! تغضب الناس، إذا ما وجدت انّ ما قد رسمته في بالها، قد وقع او أوقع، تهمّش او همّش، تكسّر او كسّر، فما عاد ببساطة ما اشتهته ان يكون.
اننا نظلم أحيانا يا ولدي من نعشق ونهوى. نظلمه، لأننا نجعله على قدر احلامنا واوهامنا. نجعله الاها، ونشيطن من يخاصمه. نبني من حوله قصصا، ونضع فيه كل آمالنا واهوائنا وخيباتنا. نظلم من يستوطن قلوبنا. الناس تبحث عن نماذج، وتصنع أحيانا بدل ضائع عنها.
اريدك ان تعلم يا صغيري، انّ القائد الحقيقي يقبل الظلم في سبيل سلامة من أحبوه. وهو لا يرضى ان تضل خاصته الطريق، فتجتاحهم رياح غريبة، وتلتهمهم تيارات متطرفة تكفّر وتهجي وتلغي وتبشر بالطقوس، وتهمل المقصد.
حذار من الجماعات المتطرفة يا صغيري التي تستثمر في غضب الناس، فهي جمود ونشاف يصحر الأمكنة والازمنة والأديان والمذاهب تحت عباءة الدين. حذار منها، فثمارها تكفير وتجريم وهجاء. حذار منها، لأنها تحوّل الدين الى قواعد وممارسات، والانسان الى سلاح لاغتيال الأخ والشقيق والشريك. يتلطى دعاتها وراء عباءات الدين لزرع الشقاق والتطرف، وسواد عباءاتهم من ليل وعيوب وتطرف.
لتكن طاعتك ومحبتك لي يا ولدي ولأي كان، في الحق. ولا تتفق مع اخيك على ابن عمك ولا مع ابن عمك على الغريب، الا للزود عن الحقيقة. فانا وابن عمك واخوك زائلون، والحق باق. ولا يجوز ان تعيش يوما في خصومة مع الحق، كي لا تصير عشبا على طريق مهجور، او مرميا تائها على رصيف العمر.
أخيرا، لا تبن عمارتك واحكامك يا ولدي على الاقاويل وعلى ما لا تعلمه، فتقع عمارتك وتندثر الاحلام. ولا تسع الى معرفة ما لا يلزمك في مسيرتك الى فوق، الى الكمال والترقي. فكل ما لا يلزم يؤذي.
تعال نصلي يا صغيري، على نية بطلك وكل العالم. تعال نصلي يا ولدي كي نبقى في الحقيقة ولا ينالنا شر. تعال نصلي كي لا يجرفنا الاعصار. تعال نصلي من اجل مطارح لقاء الأرض بالسماء. تعال نرنم من اجله، علّه يكون على قدر آمالك وآمالنا، وما رسمته ورسمناه، وسطرته وسطرناه حوله من قصص...
 

  • شارك الخبر