hit counter script
شريط الأحداث

مجتمع مدني وثقافة

المطران بو جودة: الكنيسة المارونية تاريخ شهادة وإستشهاد

الإثنين ١٥ أيلول ٢٠١٧ - 11:06

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

نظمت رعية مار يوحنا المعمدان في حرف أرده - قضاء زغرتا، مسيرة صلاة وتأمل، لمناسبة "عيد ارتفاع الصليب"، و"سنة الشهداء والشهادة في الكنيسة المارونية"، استهل بقداس احتفالي ترأسه راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، بمشاركة النائب البطريركي العام على رعية زغرتا اهدن وجبة بشري المطران جوزاف نفاع، في كنيسة مار يوحنا المعمدان في البلدة، بمعاونة خادم الرعية الخوري يوسف جنيد، ولفيف من كهنة الابرشية. وحضر القداس فاعليات البلدة وحشد من المؤمنين.

في بداية القداس تحدث الخوري جنيد شاكرا للمطرانين بو جوده ونفاع مشاركتهما القداس والزياح. وبعد ان تلا المطران نفاع الانجيل المقدس القى المطران بو جوده عظة قال فيها:" قال الرب يسوع للتلاميذ عندما أرسلهم ليبشروا: ها أنذا أرسلكم كالخراف بين الذئاب، فكونوا كالحيات حاذقين وكالحمام ساذجين. إحذروا الناس، فسيسلمونكم إلى المجالس ويجلدونكم في مجامعهم. وتساقون إلى الحكام والملوك من أجلي لتشهدوا لديهم ولدى الوثنيين، فلا يهمكم حين يسلمونكم كيف تتكلمون أو ماذا تقولون. فسيلقى إليكم في تلك الساعة ما تتكلمون به، فلستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم يتكلم بلسانكم (متى10/16-19). التنبيه والتحذير من الإضطهادات وعيش هذه الإضطهادات رافق الكنيسة منذ نشوئها، وبدء إنتشارها في فلسطين وحوض البحر المتوسط وحتى عاصمة الإمبراطورية روما. وقد بدأت رسميا مع نيرون الذي أحرق روما وإتهم المسيحيين بذلك وبدأ يضطهدهم ويقطع أوصالهم ويعرضهم للحيوانات المفترسة في ميادين روما. وإقتدى به خلفاؤه والأباطرة الرومان حتى بداية القرن الرابع، حين إهتدى الإمبراطور قسطنطين، بتأثير من أمه الملكة هيلانة، إلى المسيحية، وبعد أن ظهرت له علامة الصليب في السماء ومكتوب حولها: بهذه العلامة تنتصر. فأخذ تدريجيا يحرر المسيحيين من المضايقات والإضطهادات وسمح بناء المعابد والكنائس، إبتداء من سنة 313، حتى أصدر قرار ميلانو سنة325 وإعترف فيه بالمسيحية كديانة رسمية للامبراطورية الرومانية. وقد لقب المؤرخ الفرنسي دانيال روبس هذه الفترة من تاريخ الكنيسة بكنيسة الرسل والشهداء".

اضاف بو جوده:" لكن الإضطهادات كانت تتجدد بإستمرار في تاريخ الكنيسة وتأتي مرات كثيرة من أبناء الكنيسة بذاتهم، عندما كانوا يختلفون على العقائد الإيمانية وينشئون البدع والهرطقات ويشرذمون جسد المسيح، الكنيسة ويقسمونها. وبإمكاننا القول أن تاريخ الكنيسة منذ نشأتها كان تاريخ شهادة وإستشهاد. وينسحب هذا الكلام على الكنيسة المارونية التي نشأت على قبر مار مارون بعد عودته إلى بيت الآب حوالي سنة 410 بعد المسيح وبعد أن تجمع تلاميذه في دير كبير سمي بيت مارون وقد تعدى عدد الرهبان فيه المئات. وبعد أن حصلت الخلافات اللآهوتية حول شخصية يسوع المسيح وبصورة خاصة حول كونه في الوقت عينه إلها وإنسانا، وعلى أثر المجمع المسكوني الخلقيدوني الذي إعترف بالطبيعتين في المسيح، إلتزم تلاميذ مار مارون تعليم الكنيسة الرسمي هذا وتعرضوا للملاحقة والإضطهاد فإستشهد منهم ثلاث مائة وخمسون سنة 517، مما إضطرهم إلى ترك سهول سوريا الخصبة والإنتقال تدريجيا إلى جبال لبنان ووديانه الوعرة ليعيشوا حياة التقشف والإماتة كي يستطيعوا المحافظة على إيمانهم".

وقال:" وتوالت الأحداث والمضايقات والإضطهادات بعد الفتح الإسلامي وبصورة خاصة أيام حكم المماليك حيث إستشهد الكثيرون منهم، وعلى رأسهم البطريرك الحدشيتي سنة1283 والبطريرك جبرائيل الحجولاوي الذي أحرق في طرابلس سنة1367، وقد إعتبر المماليك آنذاك أن إعتقال البطريرك وأسره هو أكبر إنتصار لهم نظرا لما للبطريرك من أهمية في حياة الموارنة إذ أن كان وما زال يعتبر ليس فقط رئيسا دينيا بل قائدا وطنيا ورأسا للأمة المارونية، منذ نشوء البطركية المارونية على يد البطريرك الأول القديس يوحنا مارون. ثم جاء حكم العثمانيين الذي إستمر أربع مائة سنة والذي إضطر فيه البطاركة والأساقفة التنقل من منطقة إلى أخرى حفاظا على حياتهم إلى أن جاؤوا إلى الوادي المقدس، قنوبين من سنة 1516 ولغاية سنة 1918 على أثر الحرب العالمية الأولى التي رأت ثلث الموارنة، في مختلف المناطق اللبنانية يموتون جوعا بعد أن ضيقت السلطة العثمانية الخناق حولهم ومنعت المواد الغذائية من الوصول إليهم، فكان للبطركية المارونية الدور الأساسي في العمل على مساعدة الفقراء منهم إذ إضطر البطريرك أنطون عريضه مثلا إلى رهن صليبه وخاتمه الرعوي ليتمكن من شراء هذه المواد وتوزيعها على الجياع".

تابع:" في فترة حكم العثمانيين، وعلى أيام الأمير بشير الشهابي الثاني حصلت أحداث 1840 وأحداث1860 حيث أحرقت قراهم وضيعهم وإستشهد منهم بتشجيع ودعم من العثمانيين أكثر من ألفين شخص في يوم واحد في دير القمر والمعروف أن القديسة رفقة خبأت يومذاك أحد الأطفال تحت ثوبها الرهباني لتحميه من الجنود والأتراك الذين كانوا يلاحقونه ليذبحوه. أثناء هذه الأحداث إستشهد الإخوة المسابكيون الثلاثة روفائيل وفرنسيس وعبد المعطي في دمشق مع الرهبان الفرنسيسكانيين، وقد أعلنوا طوباويين سنة1923، وتسعى كنيستنا المارونية إلى إعلان قداستهم اليوم. كما أن الأحداث الأخيرة التي حصلت في لبنان منذ بدء الحرب اللبنانية سنة1975 رأت الكثيرين من أبناء الكنيسة المارونية يستشهدون ويهجرون وتهدم كنائسهم وبيوتهم وقراهم فيضطرون للتهجير حيث أن الكثيرين منهم لم يتمكنوا من العودة إليها لغاية اليوم".

وختم قائلا:" تاريخ الكنيسة المارونية هو تاريخ شهادة وإستشهاد منذ نشوئها، لكنه يبقى بالرغم من كل ذلك تاريخ قداسة وتجذر في الإيمان، فلم تستطيع قوى الشر من إلغائها من الوجود بالرغم من كل محاولاتها في سبيل ذلك، ولذلك بإمكاننا التذكير بما قاله أحد آباء الكنيسة في القرون المسيحية الأولى، وهو ترتليانوس، للحكام الرومان المضطهدين، : تستطيعون قتلنا وذبحنا وتقطيع أوصالنا لكنكم لن تستطيعوا إلغاءنا من الوجود، لأن دم الشهداء هو زرع لمسيحيين جدد. إنها حقيقة ثابتة تدعونا إلى الرجاء والثقة بما قاله لنا السيد المسيح :" لا تخافوا الناس الذين يقتلون الجسد ولا يستطيعون قتل النفس، بل خافوا الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد جميعا في جهنم... أما يباع عصفوران بفلس؟ ومع ذلك لا يسقط واحد منهما إلى الأرض بغير علم أبيكم أما أنتم، فشعر رؤوسكم نفسه معدود بأجمعه. لا تخافوا فأنتم أثمن من العصافير جميعا(متى10/28-31). لا تخافوا فأنا معكم إلى منتهى الدهر. بهذه الروح نحتفل اليوم في هذه المسيرة في شوارع وطرقات هذه الرعية المباركة في سبع محطات من محطات تاريخ كنيستنا منذ نشأتها وهي التالية:
1 - شهداء القرون المسيحية الأولى (قبل نشوء الكنيسة المارونية)
2 - شهداء القرنين الخامس والسادس
3 - شهداء زمن الفتح الإسلامي
4 - شهداء زمن المماليك
5 - شهداء القرن التاسع عشر
6 - شهداء القرن العشرين
7 - شهداء اليوم

وختم:" نسير ونحمل بيدنا الصليب متذكرين قول السيد المسيح: من لا يحمل صليبه ويتبعني لا يستحق أن يكون لي تلميذا. وفي يدنا الثانية نحمل الشمعة المضاءة متذكرين قوله في العظة على الجبل: أنتم نور العالم، لا تخفى مدينة على جبل، ولا يوقد سراج ويوضع تحت المكيال، بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. هكذا فليضئ نوركم للناس، ليروا أعمالكم الصالحة، فيمجدوا أباكم الذي في السماوات". 

بعد القداس، انطلقت مسيرة صلاة وشموع، تقدمها صليب ضخم مرفوع على سيارة، من ثم الكهنة الاعلام والفرق الكشفية والطلائع والاخويات، وجموع المؤمنين، حاملين الشموع والصلبان، في مسيرة صلاة جابت ارجاء البلدة، وتوقفت في سبع محطات اساسية، لتنتهي في ساحة البلدة، حيث ترأس المطران بو جوده صلاة الختام، واشعل الشعلة المقدسة، وبارك اغصان الزيتون، من ثم اعطى البركة الالهية الى كل المشاركين في القداس والمسيرة.

وأقيم حفل استقبال في قاعة الكنيسة، تخلله كوكتيل.
 

  • شارك الخبر