hit counter script

مقالات مختارة - علي الحسيني - المستقبل

رفات الشهداء المظلومين أوسمة على صدر الوطن

الخميس ١٥ أيلول ٢٠١٧ - 06:13

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تعددت التسميات وتنوّعت، كثرت الاحتمالات والتكهنات حول مصيرهم، لكن وحده التفاؤل ظل الأمل الذي ينبض في قلوب الأهالي وفي داخل شعب رافق قضيتهم منذ ذاك اليوم المشؤوم حتّى يوم إعلانهم شهداء مظلومين على مذبح الوطن. وطن تحوّل كل شخص فيه إلى فرد من عوائل الشهداء، فتقاسم الجميع الصبر والقهر، وألم الانتظار على أمل اللقاء مجدداً، بعد سنوات من الغربة القسرية ورحلة عذاب تعاقبت عليها فصول السنوات في حرّها وبردها، بربيعها وخريفها، إلى أن حطت رحالها أخيراً، في قلوب دافئة ومُحبّة، ومع تميّز برتبة شهداء.

هم قضيّة وحالة وملف، هم وجع وفرح وألقاب. وهم أيضاً، أبطال وانتصار وشهداء. من العسكريين المخطوفين إلى العسكريين الشهداء، رحلة طويلة لا يُمكن اختصارها بكلمات ولا بواجبات، رحلة تطول فيها حكايات حفرت في الوجدان اسم كل محطة نزلوا فيها في الجرود، قبل أن يلتحقوا بقطار عمر انهى رحلة العذاب في قلب الجبال، ليُخلفوا وراءهم أسراراً سوف تبقى محفورة في الصخور وفي قلب الكهوف. وستكشف الأيام، أن عدداً من الأسرى وقبل أن يلتحقوا بقوافل الشهداء، تركوا العديد من الرسائل، لكنها ظلّت من دون عنوان.

محمد يوسف، ابراهيم مغيط، خالد حسن، حسين عمار، مصطفى وهبي، علي المصري، علي الحاج حسن وسيف ذبيان، أسماء سوف يُخلّدها التاريخ وسيُكتب عنها الكثير وعن مؤسسة عسكرية ما استكانت ولا تقاعست ولا حتى هادنت للكشف عن مصير أبنائها. مؤسسة خاضت مواجهات العز والكرامة وافتتحت معركتها مع الارهاب «فجر الجرود»، «باسم لبنان والعسكريين المختطفين ودماء الشهداء الأبرار وباسم أبطال الجيش اللبناني العظيم». فكان الانتصار على يد جنود حملوا الرايات الخفّاقة وتوزّعوا في ميدان حاصروا فيه اعداءهم وحشروهم في مساحات تُشبه إجرامهم، حتّى علت صرخاتهم واستغاثاتهم، وراحوا يتوسلون الانسحاب ذات ليل مُظلم، قبل أن يُدركهم «فجر الجرود» الذي حمل النصر على جناحيه، وكشف عن مصير ثمانية أجساد لطالما حلمت بالعودة إلى حضن الوطن وإلى لمسة أم أو نظرة طفل اجتاحه الحنين لرؤية والده ولو لمرة واحدة وأخيرة.

يوم كانت وجوهم مُغيبة تماماً، وأخبارهم ممنوعة عن الاعلام، كان أهاليهم يصحون قبل صياح الديك وقد اعياهم السهر وقلّة الحيلة، فيهرعون إلى شاشات التلفزة ليرتشفوا أخبارها بدل القهوة. وجوه كانت تتبدل ملامحها بحسب نكهة الخبر، والخبر السار، كان على الشكل الآتي: «معلومات تؤكد أن العسكريين المخطوفين ما زالوا على قيد الحياة»، لكنها سرعان ما كانت تتبدل بعد ورود أخبار تتنافى مع الخبر الاول. أمّا اليوم، فقد زاد يقين الاهالي بأن لهم في هذا الوطن، بضعة منهم، شهداء يحملون أسماءهم وملامحهم تماماً كما كانت لهم ذات يوم، الاحلام ذاتها. والأهم، أن فحوص الحمض النووي على الرفات، أثبتت أنهم جنود أبطال، يحملون أوسمة من رتبة وطن تكلل الجبال وجباه كل اللبنانيين.

لم يهمل الجيش اللبناني قضية عسكرييه منذ اليوم الاول لاختطافهم، والجيش وبقيادته الحالية والسابقة، أولى اهمية خاصة لهذا الملف الذي كان يتعقد مع مرور الوقت بفعل تطور الاحداث على الساحة السورية. كما أن قيادة الجيش تعاطت مع هذه القضية التي هي بحجم وطن بجدية كبيرة وبعيداً عن الاستعراضات والاعلام، وهي التي كانت آلت على نفسها، استعادة ابنائها سواء أحياء او شهداء وقد سخّرت كل طاقاتها لتحقيق هذا الهدف. وما العمليات النوعية والكثيرة التي كان يقوم بها الجيش، سوى طريق سلكته القيادة من اجل الوصول إلى أدلة يُمكن أن تكشف مكان وجود العسكريين، بالإضافة إلى عمليات المسح اليومية للجرود من خلال الصور والافلام بالإضافة إلى عمليات الرصد الميداني والتحليلات التي كانت تُجرى على الخرائط، في سبيل الوصول ولو إلى معلومة صغيرة يُمكن أن يُستدل من ورائها إلى مكان احتجازهم.

كُثر هم الذين حاولوا زرع الشك في نفوس الاهالي وتقليبهم على الحكومة والمؤسسة العسكرية، لكن هؤلاء ظلّوا على ايمان مُطلق، بأن دولتهم وحدها المعنية بهذا الملف ووحدها قادرة على حله وإن جاءت نهايته على عكس ما كان يتمناه الجميع. كما رفض الأهالي منذ اليوم الاول لاختطاف أبنائهم، الوقوع في فخ بعض الذين حاولوا الاستثمار في دماء وحياة العسكريين وتحويلهم الى متاريس للتصويب ضد المؤسسة التي هم اصحابها قبل غيرهم ومعنيون بحمايتها قبل غيرهم، في وقت كانت قيادة الجيش لا توفر وسيلة في سبيل الوصول الى الحقيقة الكاملة مهما بلغت التحديات وتقبّل النتائج مهما بلغت صعوبتها.

اليوم أُغلق ملف «العسكريين المخطوفين» الشهداء، على النحو المؤسف الذي انتهى اليه. مأساة نزلت باللبنانيين جميعهم وأصابتهم في الصميم، لكن مقابل طي هذا الملف، بدأ عهد جديد من الإنجازات والانتصارات والتضحيات، عصر ستُثبت الأيام بأن الجيش وحده كان وما يزال خشبة الخلاص التي يتطلع إليها كل لبنان على اختلاف انتماء ابنائه الطائفي والمذهبي. فقد استطاع أبناء هذه المؤسسة العريقة بتضحياتها وثباتها وشجاعتها، أن يُثبتوا انهم على الرغم من السهام التي وُجهت اليهم وحاولت النيل من قداسة قضيتهم ووطنيتهم، ظلّوا على النهج الذي أقسموا عليه ولاءهم، ففرضوا ارادتهم على أرض المعركة مسجلين إنجازات جديدة تُضاف إلى سجلّهم الناصع بالانتصارات والتضحيات.
علي الحسيني - المستقبل

  • شارك الخبر