hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - عماد جودية - المستشار الرئاسي والحكومي السابق

ليس دفاعا عن المطران عودة

الخميس ١٥ آب ٢٠١٧ - 06:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

معرفتي بالمطران الياس عودة تعود الى العام 1983، عندما التقيته لاول مرة في منزل رجل الدولة الكبير الوزير الراحل الصديق الحبيب فؤاد بطرس، حيث كن نلبي دعوته للعشاء على شرف الصديق الحبيب الغالي ايضا الرئيس سليم الحص، اطال الله في عمره. ومنذ ذلك اللقاء ، خرجنا انا وهو صديقين. جمعتنا معا لاحقا محطات سياسية وكنسية واجتماعية كثيرة.

لاحظت في الآونة الاخيرة حملات تجنّي - قاسية تجاه المطران عودة، بعضها صادر عن شخصيات سياسية والبعض الآخر عن شخصيات اعلامية . انا هنا لست في معرض انتقاد هذه الحملات ، ولست هنا في معرض الدفاع عن المطران عودة، الذي التقي معه في الكثيرمن المواقف السياسية واختلف معه في الكثير منها ايضا. بل جئت في مقالي هذا لاصوب بعض الحقائق الوطنية عنه الذي اتهم بها ظلما وبهتانا، خاصة وانني عرفته عن كثب صديقا عزيزا لي ولعائلتي، وخبرت شخصيته، التي تتمتع باحترام للذات وكبر للنفس، وارادة صلبة في مواجهة الظلم واحقاق الحق، والموقف الوطني السليم البعيد عن الغوغائية والشعبوية. لذلك لا بد من التذكير بمحطات وطنية مشرفة له دحضا لكل الاتهامات التي سيقت ضده عن غير وجه حق.
اولا: عام 1992 عندما دعت الحكومة اللبنانية برئاسة رئيس الحكومة الراحل رشيد الصلح الى اجراء اول انتخابات تشريعية بعد انتهاء الحرب الاهلية، دعا البطريرك الماروني آنذاك مار نصر الله بطرس صفير الى المقاطعة المسيحية لهذه الانتخابات، وجاراه في موقفه هذا كل من التيار العوني واحزاب الكتائب والوطنيين الاحرار والقوات اللبنانية تحت شعار : من اعطى مجد لبنان يحق له قيادة مقاطعة المسيحيين للانتخابات التشريعية. فكان ان وقف المطران عودة واعلن موقفه الشهير: ان مجد لبنان لم يعطَ لاحد بل لكل اللبنانيين. اي ان البطريرك الماروني يحق له الدعوة لمقاطعة الانتخابات النيابية باسم جزء من المسيحيين وليس كل المسيحيين.
علما ان المطران عودة في تلك المرحلة كان اشرس من البطريرك صفير في انتقاده للممارسات السيئة للسلطة السياسية، وكان اعنف منه في مواجهته لما اسماهم ب "حيتان المال والفساد". وموقفه هذا لم يكن موجها ضد موقف البطريرك صفير شخصيا الذي يقدره ويحترمه ولا ضد الاحزاب المسيحية المذكورة، بل اراد من موقفه هذا القول : ان مقاطعتهم للانتخابات النيابية ايا كانت التجاوزات والملاحظات والاعتبارات هو " خطأ فادح". وبرأي المطران عودة يومذاك انه اذا كان لا بد من مواجهة فساد واعوجاج السلطة فليكن ذلك من داخل المؤسسات التشريعية والتنفيذية. وكان على حق في موقفه هذا لان مقاطعة هذه القوى آنذاك للانتخابات النيابية كان خطأ وطنيا كبيرا.
ثانيا: عندما اعلن الكرسي الرسولي عن زيارة رسمية لقداسة البابا الى لبنان في العام 1995 خرجت حملة اعلامية منظمة تظهر وكأن قداسة البابا قادم لزيارة الطوائف الكاثوليكية في لبنان فقط دون غيرهم من سائر اللبنانيين من مسيحيين ومسلمين. عندها تصدى المطران عودة لهذه الحملة وخاطب الكرسي الرسولي باعلى صوته لافتا نظره الى انه في لبنان مسيحيون مشرقيون اورثوذكس متجذرون في هذه المنطقة قبل غيرهم ، ومعهم في هذا الوطن شركاء مسلمون يتقاسمون واياهم العيش المشترك، والمصلحة الوطنية العربية الواحدة . وكان لموقف المطران عودة الوطني الكبير هذا الدور الاساس في اعلان قداسة البابا "الارشاد الرسولي" الذي دعا فيه المسيحيون المشرقيون لينصهروا في بوثقة وطنية واحدة مع شركائهم في الوطن من المسلمين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم.
ثالثا: منذ بدء الازمة السورية وكثيرون يشككون في مواقف المطران عودة الوطنية والقومية خاصة بعد تعارضها مع مواقف البطريرك الروسي الذي دعا الى الجهاد المقدس لمواجهة الارهاب التكفيري. يمكنني القول ان المطران عودة هو من اكثر الشخصيات الروحية تشددا في مواجهة الارهاب التكفيري وعلينا التذكير بان المطران عودة كان القيادي الروحي المسيحي الاول في لبنان والمنطقة والعالم الذي حذر من تفاقم ظاهرة الارهاب التكفيري بعد احداث 11 ايلول 2001 في نيويورك وواشنطن. ودعا الى التنبه لها والعمل على مواجهتها بكل الوسائل السلمية قبل استفحالها.
رابعا: كان للمطران عودة ولا يزال موقفا مشرفا من العدو الاسرائيلي الذي يعتبره مغتصبا للكيان الفلسطيني ومحتلا لمدينة القدس ولارضنا الوطنية في الجولان ومزارع شبعا. وهو لم يهادن يوما في مواقفه الوطنية والقومية ضد الاحتلال الصهيوني الغاصب، ولم يكن الا داعما لنضال الشعب الفلسطيني في استرجاع حقوقه الوطنية المشروعة المغتصبة.
خامسا: وهذا الموقف الوطني المشرف للمطران عودة في دعمه للشعب الفلسطيني في مقاومته ونضاله ضد المغتصب الاسرائيلي لوطنه، قابله موقفا مشرفا له ايضا في دعمه للشعب اللبناني في مقاومته للاحتلال الاسرائيلي في الجنوب قبل التحرير وبعد التحريرعام 2000، وهو لا يزال على موقفه هذا حتى استرجاع لبنان آخر شبر من مزارع شبعا المحتلة.
سادسا: ان من اعترضوا من ابناء الطائفة على انشاء المطران عودة لجامعة علمية في بيروت بتمويل من مطرانية بيروت والمساعدات الخيرة، وعمدوا الى الضغط على الجهات الرسمية لوقف صدور مرسوم انشاء هذه الجامعة من مجلس الوزراء، تحت حجة ان وجود جامعة البلمند التابعة للكرسي البطريركي الانطاكي هو كاف. نقول لهؤلاء انكم على "خطأ كبير"، ونحن مع المطران عودة في توجهه الى انشاء هذا الصرح العلمي الكبير في بيروت، الذي سيكون له مكانة علمية مرموقة يتكامل مع مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي. ونحن مع ان يكون لطائفتنا الارثوذكسية الكريمة بدل الجامعة العلمية الواحدة ، عدة جامعات، لان هذا الامر سيكون غنى للبنان ولاجياله الشابة القادمة.
لذلك ليس مقالي هذا موجها ضد احد، وهو ليس ايضا اطراءً للمطران عودة، بل هو تصويب لاتجاه البوصلة واظهار المحطات الوطنية المضيئة في مسيرة راعي ابرشيتنا في بيروت المطران الياس عودة، الذي قال لي الصديق الراحل فؤاد بطرس عنه يوما بأنه: "مطران قامة"


 

  • شارك الخبر