hit counter script

مجتمع مدني وثقافة

مطر مكرما فرنسا بعيد الانتقال: صداقة بلدينا راسخة في خضم المتغيرات

الأربعاء ١٥ آب ٢٠١٧ - 14:27

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

كرم رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر، السفير الفرنسي برونو فوشيه وأركان السفارة، بمناسبة عيد انتقال السيدة العذراء إلى السماء بالنفس والجسد وصلاة أبرشية بيروت المارونية على نية فرنسا وشعبها، في الكرسي الأسقفي لمطرانية بيروت في عين سعادة، في حضور وزراء ونواب حاليين وسابقين، الى ممثلة الفرنسيين في الخارج في مجلس النواب الفرنسي كريستيان كامرمن ولفيف من الكهنة وشخصيات روحية وسياسية ونقابية ورؤساء هيئات إجتماعية.

وألقى المطران مطر كلمة، تحدث فيها عن "العلاقات التاريخية بين لبنان وفرنسا"، وعن "العلاقات الفرنسية والكنيسة المارونية وابرشية بيروت"، وقال: "بعاطفة صادقة نستقبلك يا سعادة السفير في كرسينا الأبرشي الصيفي بمناسبة زيارتكم التقليدية هذه، وهي الأولى التي تقومون بها في لبنان منذ وصولكم إلى مقركم الجديد في قصر الصنوبر. إن مواطني الحاضرين معنا هنا، وهم أعضاء في الجسم الكهنوتي أو علمانيون من الأبرشية، يشاطرونني الترحيب بكم في ربوعنا، متمنين لكم إقامة سعيدة ومثمرة للبنان، البلد العزيز على قلب فرنسا كما هي فرنسا. لفرنسا التي طبع حبها في قلوب اللبنانيين من خلال صداقة تجمعنا منذ أجيال وبدون انقطاع".

اضاف: "اسمحوا لي في هذه اللحظة أن نستذكر سلفكم السفير إيمانويل بون الذي كانت له هو أيضا، زيارة إلى هذا الكرسي في عين سعاده في الأسبوع الأول لوصوله إلى لبنان. لقد أقمنا بحضوره - كما فعلنا الآن - قداس الخامس عشر من آب، وهو الذي دأب على إقامته كل من تولى رئاسة أساقفة أبرشية بيروت منذ أكثر من قرن ونصف القرن على نية بلدكم العزيز وبحضور قناصل فرنسا سابقا، قبل أن يصبح التمثيل على مستوى السفراء، وذلك وفاء لعلاقة نحرص عليها معا حرصا شديدا".

وتابع: "إننا نتمنى معا للسفير بون النجاح التام في مهمته الجديدة في خدمة فرنسا، ورئيسها إيمانويل ماكرون، الذي نجدد له تهانينا الحارة لالتزامه مسيرة فرنسا وتقدمها نحو آفاق جديدة واعدة. تتسلمون يا سعادة السفير مهامكم في بلد قلق كما جيرانه على مستقبل هذه المنطقة من العالم، لكنه يملك ثقة بنفسه لا يمكن أن يبررها المنطق الطبيعي للأشياء. فالبلدان التي تحيط بنا، كما الكثير سواها من بلدان العالم، تجتاز حاليا أزمة هويات وطنية، مجتمعية ودستورية. ونحن نشهد، بعد قرن من الاستقلال والانفتاح نحو الحداثة، عقب سقوط الأمبراطورية العثمانية، موجة إنعزالية تتوسل المظاهر الدينية في ممارستها العنف والتطرف الذي يدخل إلى عالمنا ويرفض كل حوار مع الآخر ويضطهد ويهجر عن غير حق جماعات مسيحية وغير مسيحية، بصورة تهز أساسات الحضارة ذاتها".

واردف: "أما لبنان فإنه بحمد الله لم يفتح أبوابه لهذا الشر الذي ينشر الإرهاب - بحسب تعبير لافونتين - ويزرع في طريقه الألم والدمار. لقد اجتاز بلدنا منذ ربع قرن أزمة حكم خطيرة، لكنه وبروح التعايش المزروعة في تقاليده، وبفضل أصدقائه الذين دعموه في الحفاظ على وحدته وبالأخص فرنسا استطاع أن يحافظ على النهج الصحيح وأن يحمل بيده من جديد رسالة العيش الحر والمتوازن للشرق كما للغرب. إلا أن هذه الأزمات التي يجتازها لبنان والشرق الأوسط، على اختلافها وتنوعها، قادتنا إلى إبراز ثوابتنا القادرة وحدها على استيعاب مصاعبنا وعلى تجاوزها. هذه الثوابت تختصر بفكرة أن المعركة الحقيقية التي تستحق أن نخوضها ونربحها في الحياة هي معركة الإنسان المتضامن مع الإنسان ومع دعوته إلى عيش مشترك معه يجعله سعيدا في تضامنه. لقد اكتشفنا من جديد واقع أن يكون في لبنان مجتمعا تعدديا وموحدا في الوقت عينه، وهذا ما يدل على معنى لبنان الحقيقي منذ وجوده. وفي ضوء ذلك أيضا فهمنا كيف تعيش فرنسا الانسجام الرائع بين الحرية والانفتاح على الآخر، مما قربنا إليها، منذ كان الملك القديس لويس التاسع يعتبر الموارنة جزءا من شعب مملكته. وإذا كانت فرنسا، الملكية ثم الجمهورية، قد حفظت للبنان الصداقة عينها وذلك لأن العلاقة بين شعبينا لم تؤسس لا على التحالفات السياسية ولا على المصالح الاقتصادية بل على مجموعة القيم المشتركة التي توحدنا. إنها قيم الحرية في كل أبعادها، والمساواة في الحقوق والواجبات بين مواطنين متساوين، إنه قبول الآخر بروح منفتح على العالمية".

ولفت الى انه "في إثارتنا لهذه الثوابت التي تشكل أساسا لصدقاتنا، نستعيد يا سعادة السفير الخطاب الذي ألقيتموه في 14 تموز الماضي في "قصر الصنوبر" وقد أكدتم فيه أن العلاقات بين بلدينا لا تقوم على المصالح الظرفية، وأن لا خلفيات لها على الإطلاق. ولفهم حقيقة علاقاتنا أكثر، يمكننا العودة إلى تاريخ الفكر السياسي الفرنسي حيث نكتشف أن مفهومكم للأمة يتضمن في آن الهوية والانفتاح. إن مفهوم الأمة بالنسبة إلى فرنسا هو مفهوم الجماعة التي يصنعها التاريخ أكثر مما تصنعها الإنتماءات الخاصة بالقومية أو بالدين. إنها فرنسا التي طالما جذبتنا وأثارت إعجاب العالم أجمع كلما تعلق الأمر بحقوق الناس والمواطنين والشعوب، وبالحرية التي هي الركن الأساسي للقيم الأخرى مثل قيمة الحياة والسعادة".

وقال: "لقد رأى لبنان في فرنسا مثالا للمجتمع وللحضارة قائما على العيش معا في حرية هي للجميع. ولهذا السبب عينه أحبت فرنسا لبنان ورأت فيه مثالا لكل المنطقة واعدا بالتسامح وبالتعددية. فبهذا الهدف رافقت فرنسا لبنان على مدى عشرة قرون ودعمته من خلال صداقة بدأت مع الكنيسة المارونية ثم مع الجماعات الدينية الأخرى التي صنعت كلها ومجتمعة الوطن اللبناني. وفي الروحية ذاتها دعمت فرنسا لبنان في الجهود التي قام بها مواطنوه ليوضع في مصاف الدول ذات السيادة. وإننا بعد ثلاث سنوات من اليوم سنحتفل بالمئوية الأولى لإعلان لبنان الكبير الذي جرى في أول أيلول 1920 على منصة مقر سفارتكم في بيروت. في ذلك الحدث العظيم كان حاضرا البطريرك الماروني وإلى جانبه، رؤساء الطوائف الأخرى وعدد من كبار قياديي ذلك العصر. كما ساعدت فرنسا فيما بعد، دولتنا اللبنانية على تكوين هيكليتها خلال فترة الانتداب مع اعتبار تلك الفترة انتقالية وموقتة. وساعدتنا فرنسا أيضا بعد الاستقلال الناجز للبنان في مختلف المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية. وحين اندلعت الحرب على حدودنا الجنوبية، لم تتوان فرنسا عن بذل كل جهد، مباشرة أو بواسطة الأمم المتحدة، للمساعدة في الحفاظ على سيادة هذا البلد والإسهام في أمنه مع ما كلف ذلك جنودها المنضويين تحت راية الأمم المتحدة من ضحايا وتضحيات جسام".

اضاف: "السيد السفير، في هذه المقاربة التي لا بد من وضع حد لها، لئلا يطول الكلام، تطرقنا إلى الثوابت التاريخية وإلى علاقة الصداقة المشتركة بين بلدينا. وهي ثوابت راسخة في خضم متغيرات الحياة وهي تلعب دور الضمير الهادي الذي يركز الهوية ويثبتها في وجه الأحداث المتنامية والتي علينا مواجهتها. وهكذا يمكننا الاعتقاد بأن صداقتنا والتزاماتنا المقبلة ستكون بوحي من هذه الثوابت التي توفر لنا فرصة أن نجد بها ذواتنا. إن رسالة فرنسا في داخل حدودها وعلى مدى العالم هي دائما رسالة الحياة وعيش الحرية والمساواة والأخوة في كل المجالات. أما دعوتنا في لبنان فتكمن في نشر العيش المشترك ومشاركة الجميع في السلطة وفي قبول الآخر. أما الشرق من حولنا فلا خلاص له من مآسيه إلا باعتماد هذه القيم عينها في التعايش والحرية للجميع".

واكد "إن صداقتكم باقية لنا سندا لا يقدر ودعوتكم المهمة في هذا الشرق هي في تشجيع الحوار والمصالحة والسلام وفي رفض كل اتجاه نحو مغامرات خطيرة العواقب. إن السلام هو هدفنا الأسمى وهو أيضا كرامتنا ومجدنا الحقيقيان. أما الانتصارات بالسلاح بين أبناء الدين الواحد أو المحيط الواحد فهي انتصارات في غير مكانها، وهي قاتلة وغير لازمة أساسا. أما إذا راهنا على السلام فإننا بذلك نبين معا وجهنا الحقيقي ونسير مرفوعي الرأس باتجاه التاريخ والحضارة. من أجل هذه المسيرة العالمية نحو الأفضل، أرفع النخب متمنيا من صميم القلب أن تعيش فرنسا ويعيش لبنان".

ورد السفير فوشيه بكلمة، شكر فيها المطران مطر على عاطفته ومحبته لفرنسا، وقال: "إنه لشرف كبير لي أن أكون لاول مرة ضيف لك في عين سعادة بمناسبة عيد انتقال السيدة العذراء. كل عام يقام هذا القداس على نية فرنسا. ونحن ملتزمون هذا التقليد الذي يعكس العلاقات الوثيقة والتاريخية بين لبنان والطائفة المارونية وفرنسا".

واعتبر ان "هذا الاحتفال يأخذ بعدا خاصا بالنسبة لي وانا اتسلم مهامي الجديدة في لبنان. لبنان نموذجا للتعددية والتنوع ويحمل رسالة سلام وتسامح في منطقة تتسم بعدم الاستقرار والعنف. تساهمون من خلال التزامكم في الحوار بين الأديان، والمواطنة والعيش المشترك في هذا العمل اليومي، قد حصلتم وكفلتم تأييد بلادي لأننا نعتقد أنه فقط من خلال الحفاظ على هذا التنوع يمكن للشرق الأوسط العودة إلى طريق السلام والديموقراطية".

واكد ان "فرنسا تسعى أكثر من أي وقت مضى إلى تطوير شراكاته مع لبنان، وتأكدوا من أنني سأسعى جاهدا وأفعل كل ما هو ممكن لتنفيذ هذه المهمة"، لافتا الى ان لبنان "تمكن في خلال هذا العام من تحقيق العديد من الإنجازات. فقد تم انتخاب رئيس للجمهورية وعين رئيس للحكومة وشكلت الحكومة. وقد بدأت المؤسسات بالعمل. وفي الآونة الأخيرة، اعتمدت القوى السياسية قانون انتخابي جديد. ومن المقرر إجراء الانتخابات النيابية المقبلة في ايار 2018. ونحن نرحب بهذه التطورات وهي ثمرة التسوية بين اللبنانيين دون أي تدخل خارجي. وعقد هذه الانتخابات الآن تؤدي إلى الإصلاحات التي يحتاجها. ونحن على ثقة بقدرة لبنان على تنفيذها"، مشددا على ان فرنسا "تواصل دعمها للبنان في هذه المرحلة كما فعلنا دائما".

وتابع: "تحسن الوضع أيضا على الصعيد الامني. ويمكننا أن نفرح لان لبنان بعد عدة أشهر لم يعان هجمات كبيرة. وعلينا أيضا أن نبقى يقظين لأن هذا الاستقرار ليس نتيجة لانخفاض الخطر ولكن كفاءة الجيش والأجهزة الأمنية".

واشار الى ان "لبنان وفرنسا يواجهان الآن عدوا مشتركا وبالتالي نحن ممتنون، فإن فعالية أجهزتهم في حماية لبنان تساهم في أمن بلادنا. وفرنسا ستبقي على مساعداتها للجيش اللبناني. ونقدم له حاليا المعدات التي وعد بها الرئيس هولند في نيسان 2016 والتي ستمكن المؤسسة من مكافحة أفضل للجماعات الجهادية في منطقة عرسال والقاع ورأس بعلبك، ونحن نؤيد أيضا استقرار لبنان من خلال مشاركتنا في اليونيفيل التي نحن موجودون منذ إنشائها في عام 1978. ويجب على لبنان ايضا أن يتعامل مع تداعيات الأزمة السورية على أراضيها. وقد أثبت بلدكم الكرم المثالي من خلال استضافة عدد كبير جدا من اللاجئين السوريين. ولكن قدرات الاستقبال الخاص ليست بلا حدود. وفرنسا تشارك في الاستجابة الدولية. لقد رفعنا مستوى تدخلنا، من خلال زيادة التمويل واستضافة المزيد من اللاجئين. ومن الواضح أن هذا لا يزال غير كاف نظرا لحجم الأزمة ولكن نود أن نطمئن اللبنانيين جميعا إلى أن شركاءهم يفعلون كل شيء لتخفيف هذا العبء. وسوف نستمر في القيام بدورنا الكامل في هذا المجال".

ورأى ان "عودة اللاجئين إلى بلادهم وإعادة بناء الاقتصاد السوري يعني أن السلام المستدام لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال حل سياسي. لقد رأينا في الآونة الأخيرة تنفيذ عمليات العودة محلية ومحدودة. ومع ذلك، يبدو أن الظروف لخطة أشمل ليست كاملة بعد. وأخيرا، لا بد لي من القلب في مهمتي لتعميق تعاوننا في الثقافة واللغة في خدمة مجتمع نابض بالحياة والناطق بالفرنسية في بلدكم. تحتفظ فرنسا بالفعل التزاما قويا لتدريس اللغة".

وختم: "أنا أعرف كنيستك، مجتمعك ونفسك بحماس الدفاع عن الفرانكوفونية وقيمها في المدارس والجامعات، وشكرا لك على هذا الالتزام للدفاع عن الفرنسية كجسر بين الثقافات والقيم الأساسية لشعبينا". 

  • شارك الخبر