hit counter script

مجتمع مدني وثقافة

مطر ترأس قداسا على نية فرنسا: نصلي من أجل ان تتوقف الحرب وتصمت الأسلحة

الثلاثاء ١٥ آب ٢٠١٧ - 16:49

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

صلت أبرشية بيروت المارونية على نية فرنسا وشعبها في مناسبة عيد انتقال السيدة العذراء إلى السماء بالنفس والجسد. وفي المناسبة احتفل رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر، بالذبيحة الإلهية، قبل ظهر اليوم، في كنيسة السيدة في الكرسي الأسقفي لمطرانية بيروت في عين سعادة، بحضور السفير الفرنسي في لبنان السيد برونو فوشيه وأركان السفارة الفرنسية في لبنان، عاونه فيها النائب العام لأبرشية بيروت المونسينيور جوزف مرهج والنائب الأسقفي المونسنيور أنطوان عساف والخوري شربل مسعد والخوري عمانوئيل قزي.

شارك في القداس الوزراء: غطاس خوري، بيار بو عاصي وسيزار أبي خليل، النواب: فؤاد السعد، نديم الجميل، ناجي غاريوس، غسان مخيبر وآلان عون، نقيب المحامين أنطونيو الهاشم، رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن، رئيس الرابطة المارونية أنطوان قليموس، الأمين العام للجنة الحوار المسيحي - الإسلامي حارث شهاب، لفيف من كهنة الأبرشية وشخصيات إجتماعية.

بعد الإنجيل المقدس، ألقى مطر عظة روحية من وحي المناسبة، جاء فيها: "يسعدنا أن نستقبلكم في هذا اليوم بالذات، عيد انتقال السيدة، وفي كنيسة كرسينا الأسقفي، المقامة على اسم العذراء مريم. وبهذا نكون أوفياء لتقليد يعود إلى 165 سنة، حيث يقيم رئيس أساقفة بيروت قداس عيد الانتقال هذا، على نية فرنسا، في حضور قناصلها ثم سفرائها المعتمدين، وهي البلاد التي كانت وتظل قريبة منا وعزيزة على الدوام".

وقال: "هذه السنة، وحيال جفاف القلوب من الحب والأخوة في هذا الشرق المعذب، أود أن أتحدث، مرة جديدة، عن سنة الرحمة التي أراد البابا فرنسيس تمديدها حتى 2017، ولنتذكر في هذا الصدد عبارة تاريخية للبابا القديس يوحنا الثالث والعشرين عند افتتاحه المجمع الفاتيكاني الثاني سنة 1962 حين قال: "لقد عرفت الكنيسة، على مدى عشرين قرنا، كيف تواجه الهرطقات، بحزم وبقوة أحيانا، ولكنها اليوم تؤثر استعمال الرحمة".

أضاف: "لقد كان خيار البابا فرنسيس معبرا جدا حين أقر يوبيلا استثنائيا بموضوع الرحمة، محتفلا بذلك بالذكرى الخمسين لتجديد الكنيسة الكاثوليكية. وكان هدف هذا التجديد تمكين الكنيسة من التحدث إلى أهل هذا العصر، ونقل البشارة عبر تعابير جديدة تسمح بفهم جديد عقائد الكنيسة.
ثمة ثورة صامتة بدأت في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وطالت القيم والفكر والفلسفة والتصرفات. وهذا ما شكل للكنيسة تحديا جديدا. هكذا وفي خط البابا يوحنا الثالث والعشرين اعتبر البابا فرنسيس أن القلب الرحوم هو القلب الذي يعرف كيف يكون متواضعا وفقيرا، ويعرف كيف يظهر حبه للآخرين. لقد وضعت الرحمة غالبا في مواجهة العدالة. لكن العدالة الحقيقية هي عدالة في المحبة، والحقيقة. أما الرحمة فهي في تخطي العدالة بعطية المحبة".

وتابع: "إن الرحمة مطلوبة أكثر من أي وقت عندما نلاحظ العنف الذي تقود إليه تفسيرات مغلوطة للايمان أو للعقيدة الدينية. وكلنا يعرف ما كان عليه عنف الأنظمة الماركسية الملحدة. ونذكر ما كان عليه العنف الذي عرفته أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، وكذلك العنف الذي ولد من التمييز العنصري في أفريقيا الجنوبية. ومن منا يجهل حالات العنف التي تستبد بمن يحكمون في دول غابت عنها الحريات الشخصية وحرية الضمير. أما الرحمة فهي تدعو قلوبنا خلافا لكل ذلك كي تكون قريبة من قلوب الآخرين".

أضاف: "في كلمة ارتجلها البابا يوحنا الثالث والعشرون بعد أسابيع من انتخابه، أمام المساجين في روما في مناسبة الميلاد قال: "لقد أتيت، ورأيتموني، ووضعت في أعينكم عيني، وإلى جانب قلوبكم وضعت قلبي". هذه هي الرحمة. إنها الروحانية التي قاربها البابا فرنسيس وأراد أن يطبعها في قلوبنا والنفوس. وهو ما لا يتوانى عن ترداده في عظاته اليومية في "سانتا مرتا" حيث يقيم، وكذلك في أسفاره، وعندما يغسل أرجل المساجين ويصغي إلى كل متألم يزوره أو يتصل به هاتفيا".

وتابع: "أما البابا القديس يوحنا بولس الثاني، فكان له، من جهته، إكرام خاص لمواطنته البولونية الأخت فوستينا، رسولة الرحمة، وقد اختار يوم تطويبها لإعلانه عيدا للرحمة الإلهية، وحدده في الأحد الأول بعد الفصح. وقد صار هذا التاريخ عينه موعدا لانتقاله إلى بيت الله.
إن الرحمة الإلهية هي عنوان أساسي من العناوين التي تجمع البابا يوحنا بولس الثاني والبابا فرنسيس الذي يستشهد دائما بالرسالة الحبرية (Dives in Misericordia)، في أعماله وتعليمه. فقد رأى وجه شبه بين هذين السلفين العظيمين، وكان له أن يعلن قداستهما في ذات الوقت".

أضاف: "لقد فهم البابا فرنسيس أن البابا يوحنا بولس الثاني كان يشعر ببنوة روحية تربطه بيوحنا الثالث والعشرين. فالأول افتتح الفاتيكاني الثاني والثاني أعطاه تفسيره الأصيل منذ كان رئيسا لأساقفة كاركوفيا إلى أن أصبح أسقف روما ورأس الكنيسة. وكان هذا المجمع عطية وتجليا للرحمة بالنسبة للكنيسة وللعالم.
لقد كان في تقديسهما معا دعوة لنا لقراءة التاريخ ولبذل الجهد كي نفقه مخطط الله المستمر في قيادة الكنيسة بيد واثقة ورحومة. إن قداستهما تثبت أن الله لا يترك الناس لجنونهم الهدام، وتبدو كأنها إضاءة على مسيرة هذا العصر الراهن بعد عصر مضى: إنها مسيرة نحو الحياة والسلام والعدالة والحرية. عن هذه المسيرة قال مؤخرا البابا فرنسيس أن السير معا يعني الوحدة. المهم هو المسيرة. أنْ يسير إلى روما أكثر من مليون مؤمن للمشاركة في يوم التقديس، فهذا ينم عن المعنى العميق للقداسة: إنها مسيرة شعب الله الطويلة المتجهة نحو إله الرحمة. إن ثمة عبارة في كلام البابا فرنسيس وهي تتردد في كتاباته وكأنها شعار أو تذكير أو نغم ألا وهي عبارة "الضواحي".

وتابع: "أية رؤية جميلة كهذه للمستقبل وأي تعريف للحالة الراهنة للبشرية! في الحقيقة أن ما يطلب من كل إنسان، وبخاصة من كل مسيحي، هو هذه النظرة التي ترافقها مبادرات ملموسة تجاه أخوته الذين يجاورونه، ويعيشون التهميش روحيا ومعنويا، أولئك المتروكين لوحدهم والمحرومين من السعادة والمبعدين عن الحنان. ومنذ نداء قداسته الداعي إلى الالتفات نحو المهمشين والعمل من أجلهم، ثمة مئات من المبادرات تتحقق في مختلف دول العالم، ومنها لبنان حيث نمت وتطورت بسرعة جمعيات شتى في خدمة المحتاجين".

وقال: "في هذا الجزء من العالم، أي بين أوروبا والشرق، تعرفنا في فرنسا على مار منصور دي بول وبنات المحبة وأخوات الفقراء الصغيرات، وسواهن... وفي إيطاليا، على دون بوسكو ودون أوريوني، ومن في العالم لا يعرف القديسة تريزا وعملها المذهل في خدمة أفقر الفقراء؟ وفي لبنان الأب يعقوب رسول الرحمة المتجلية في خدمة ثلاثة آلاف مريض ومعاق في مختلف المستشفيات التي أسسها لأكثر من سبعين سنة. عنه كتب الكادرينال تتامانزيه،Tettamanzé، رئيس أساقفة ميلانو، إثر زيارة إلى دير الصليب في لبنان: "لقد رأيت وجه المسيح ووجه الأب يعقوب عندما نظرت إلى وجوه هؤلاء المرضى"، إن هذا ما يثلج صدر البابا! وكيف لا نذكر أيضا كل الذين يعيشون آلام الآخرين ويضحون بأنفسهم مقتحمين المخاطر والنيران والألغام والصراعات المسلحة والزلازل... كرجال الصليب الأحمر ورجال الإطفاء والأطباء بلا حدود وأطباء العالم.... كل هؤلاء هم في الصفوف الأمامية من أجل أعمال الرحمة التي تعطي لاندفاعهم معناه وتملأ بالزيت مصابيح تفانيهم. إنهم على غرار السامري الصالح حيث لا تمييز في العرق واللون والطائفة أو اللغة، كلما كانت أرض الإنسانية عطشى لمحبة الله".

أضاف: "كما يذكر الأب الأقدس، فإن أيا منا غير معفي من مد أخوتنا المحتاجين بيد العون أو بابتسامة أو بكلمة تطيب جراحهم أو بنظرة تريحهم، ونحن هنا ولو لم نكن أعضاء في جمعيات خيرية تابعة للدولة أو للكنيسة، فالآخر الذي نسعده هو قريب لا نختاره نحن بل يفرض علينا، سواء في المكتب أو في الطريق أو في الاجتماعات. هذا الآخر يمكن أن يشحذ لا خبزا بلْ بعض دقائق من وقتنا، وبعض الإصغاء والاهتمام أو بعض الدعم الأخوي. إن شحاذا كهذا يبلغ سعادته وكل غنى الأرض مع ابتسامة لطيفة أو وردة محبة. هذا يعني أن عالمنا الذي يعيش العنف لا تنقذه إلا الرحمة، وها نحن أمام مريم، نستمد الرحمة منها في عيد انتقالها، هي التي كانت في حياتها رحمة كلية.
إن الطقوس القديمة في الكنيسة - كما يذكر بعضنا - تعيد إلى ذاكرة صبانا النشيد المريمي الذي يرجع إلى القرون الأولى وهو "السلام عليك أيتها الملكة أم الرحمة والرأفة، أم الخالق وأم الرجاء وأم النعم، الممتلئة فرحا مقدسا، يا جمال الجنس البشري، ويا عذراء أكثر نبلا من أي بشر. لقد خلقك الله جميلة ولا شبيه لك. يرغب الصديقون بمدحك أيتها الطوباوية وهم يعظمونك بالمدائح العاجزة عن تكريمك. كوني راحتنا يا أمنا. كوني فرحنا، وبعد هذا المنفى اجمعينا سعداء مع أجواق السماء. يا مريم"".

وختم مطر: "سعادة السفير مع أبرشيتي كلها، الممثلة هنا بكوادر إكليروسها، وشخصيات من مجتمعها السياسي والمدني، أود أن أنقل إليكم أدعيتنا الحارة على نية فرنسا، كي يحميها الله من آفات العنف والحقد. أعرف أن لديكم رجالا يسهرون على سلامها ولكني أؤمن أن الدعم أيضا يأتي من السماء. فنصلي كي يبقى بلدكم الذي يعزه اللبنانيون كوطنهم بلد كل أحلام السعادة للانسانية. كما نصلي أيضا من أجل لبنان كي يثبت ويصان التضامن بين أهله، فيحمل عاليا رسالة العيش المشترك والمواطنة والمشاركة، وكي تقبل هذه الرسالة في كل منطقتنا فتتوقف الحرب، وتصمت الأسلحة ويعم السلام بين كل أبناء الله وكل الطوائف. ولتملأ أم السماء وأم الرحمة قلوبنا بالمحبة والأخوة. آمين".
 

  • شارك الخبر