hit counter script

مقالات مختارة - هيام القصيفي - الاخبار

الانتخابات المقبلة: لا سياسة ولا اقتصاد ولا إصلاح

الجمعة ١٥ تموز ٢٠١٧ - 07:18

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تقلص عدد الأصوات المعارضة لدور حزب الله في معركة جرود عرسال يطرح إشكالية الخطاب السياسي قبل الانتخابات النيابية. فكيف يمكن أن تخوض قوى السلطة الانتخابات ووفق أي خطاب سياسي؟

طرحت التطورات العسكرية في جرود عرسال، والمعركة التي خاضها حزب الله بدرجة أولى والجيش الى جانبه، وردود الفعل حولها، مسألة الاتجاه الذي يفترض أن يسلكه الخطاب السياسي الذي تستعد القوى السياسية لخوض الانتخابات المقبلة على أساسه. فصحيح أن المعركة قوبلت ببعض الردود السياسية المتفرقة التي انتقدت دور الحزب، إلا أن الوجهة الأساسية ظلت خطاب الرئيس سعد الحريري من واشنطن، والذي بقي تحت سقف التهدئة المعمول بها منذ انتخاب رئيس الجمهورية.

فمنذ أن نضجت تسوية الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية والحريري رئيساً للحكومة، ألغي جزء مهم وحيوي من الخطاب السياسي الذي شكلت الحكومات على أساسه في السنوات التي تلت عام 2005، ما خلا حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. إذ أطاحت هذه التسوية التمايز السياسي بين قوى 8 و14 آذار، وسحبت معها كل توتر سياسي قائم على المواجهة الحادة بين مشروعين مختلفين جذرياً في كل تفاصيل رؤيتهما الداخلية والإقليمية، الأمر الذي قدم نموذجاً حكومياً جديداً مبنياً على تشابك المصالح والتقاطع السياسي الداخلي، مع تحييد كامل لكل الملفات الخلافية. وترجمت الحكومة هذا التقاطع بالحد الأقصى، حين عقدت تسويات ووزعت الحصص في التعيينات والتشكيلات، باعتراف الوزراء المعنيين أنفسهم، من دون الحاجة الى الكباش الذي عرفته الحكومات السابقة. وتحولت طاولة مجلس الوزراء إلى ما يشبه طاولة حوار، تضم القوى السياسية كافة (ما خلا الكتائب) وتدير دفة البلاد وفق برنامج معروفة اتجاهاته سلفاً.

أي خطاب معارض لحزب الله سيبقى صورياً من جانب
شركاء الحكم


مع إقرار قانون انتخاب على أساس النسبية، لم يظهر أن المتغيرات ستكون كبيرة. ما خلا أن المسيحيين اعتبروا أنهم زادوا، من خلاله، حصتهم في التمثيل النيابي. لكن، فعلياً، القوتان الأساسيتان، أي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، تعملان على تقاسم هذه الحصة من خلال التحالفات وشبكة المصالح التي تتثبت بقوة من خلال الحكومة والوزارات المعنية. وما ظهر حتى الآن من نتائج هذا الحضور الثنائي في الحكومة أنه سينعكس أيضاً في الانتخابات النيابية كإطار سياسي مدروس وغير متفلت في اتجاهات متناقضة.
هذه الصورة تطرح مجموعة من الأسئلة، في وقت تستمر فيه القوى السياسية في معايشة أجواء الانتخابات رغم أصوات معركة عرسال، والاستعداد العسكري للمعركة ضد تنظيم «داعش»:
أولاً، أي خطاب سياسي يمكن أن تخوض به هذه القوى السياسية أول انتخابات بعد التمديد الثالث للمجلس النيابي؟ فخطابات مرحلة عامَي 2005 و2009 وشعاراتها سقطت تحت وطأة تسوية رئاسة الجمهورية. والقوى الموجودة اليوم في السلطة، وتستعد لخوض الانتخابات المقبلة، لن تتمكن من رفع شعارات المعارضة والإصلاح والتغيير والتحرير والفساد وما الى ذلك من عناوين ميزت الدورتين السابقتين، لأنها عملياً لا يمكن أن تحمل شعارات ضد نفسها كطرف سلطوي، سيكون موجوداً في الحكم عام 2018 لما يقارب العام ونصف العام. في حين لا تزال دوائر المعارضين تحاول فرض إيقاعها على أفرقاء السلطة، لكن أصواتها، رغم قوتها، لا تزال مشتتة.
ثانياً، من المبكر الكلام عن شعارات ضد حزب الله وسلاحه، ونحن على مسافة أشهر قد تحمل مفاجآت ومتغيرات في سوريا ولبنان. لكن المقاربة التي تعمل بوحيها القوى المنضوية في الحكومة الحالية التي تشرف على الانتخابات لن تكون بمعزل عن إدارة المعركة الانتخابية، ما دام الاتفاق الرضائي الذي على أساسه اجتمعت الحكومة وأعدّت قانون الانتخاب سيبقى قائماً حتى ما بعد صدور نتائج انتخابات عام 2018. إذ لا يمكن لأي عاقل أن يتصور أن من الممكن تشكيل حكومة بقواعد مختلفة عن المعمول بها حالياً، إذا لم يحصل أي تطور استراتيجي دراماتيكي يقلب المعادلات جذرياً كما حصل مع حكومة ميقاتي، وهو أمر مستبعد حتى الآن. وتبعاً لذلك، فإن أي خطاب معارض لسلاح حزب الله، سيبقى «صورياً» من جانب القوى المنضوية حالياً في السلطة جنباً الى جنب، ليبقى هذا الخطاب حكراً على مجموعة من الشخصيات السياسية، خارج السلطة الحالية، والمعارضة للحزب وللتسوية السياسية القائمة حالياً.
ثالثاً، تسعى القوى السياسية اليوم الى تجميع صفوفها وخوض الانتخابات، بعيداً عن أي فكرة سياسية وحتى اقتصادية وإصلاحية، لينحصر همها في تحقيق مكاسب انتخابية ومضاعفة عدد نوابها فقط. حتى اختيار أسماء المرشحين الحزبيين بات مسلّماً به، ليتحول مجلس النواب بذلك إلى أجنحة حزبية منضوية تحت إطار سياسي عام معروف شكله سلفاً، ومحكوم بالهدنة المعمول بها حالياً. ما يعني أن الهدف لن يتعدى انتخاب مجلس جديد يكون نسخة مكبرة عن الحكومة الحالية، تنعدم فيه المساءلة والمحاسبة وينحصر دوره في إمرار ما تتفق عليه القيادات الرئيسية في الحكومة وخارجها. لكن إذا حيد الخطاب السياسي لهذه القوى السعودية وإيران وسلاح حزب الله، وكل الملفات الخلافية السياسية والاقتصادية، وامتنعت القوى السياسية عن محاسبة بعضها البعض، سياسياً واقتصادياً ومالياً، حتى لا تنفجر التسوية والحكومة، فعلى أي أساس سيخوض أفرقاء السلطة الانتخابات النيابية، وأي شعارات سيرفعونها؟ وما دامت المحاذير باقية على ما هي عليه، بأي خطاب سياسي تريد القوى السياسية الموجودة في السلطة أن تستثير جمهورها العريض وقاعدتها الانتخابية؟ فهل ستفتش من الآن وحتى يحين موعد الانتخابات عن شعارات جديدة وعناوين سياسية فاعلة؟ إلا إذا أرادت استنساخ تجربة حزب الخضر في الدول الغربية ورفع شعاراته، لأنها لن تجد في خضم لعبة السلطة والمكاسب خطاباً جدياً يعيد النقاش الحقيقي الى السياسة الداخلية.

هيام القصيفي - الاخبار

  • شارك الخبر