hit counter script

مقالات مختارة - علي نون - المستقبل

إزدواجيّة منتهية الصلاحية!

الجمعة ١٥ تموز ٢٠١٧ - 06:17

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا جديد في الرواية الإيرانية الخاصة بـ«العلاقات» مع الولايات المتحدة.. ولا مع غيرها، وهذه كانت ولا تزال وستبقى حتى إشعار آخر، معنونة بالإزدواجية، وغرائبها.

قائد «الحرس الثوري» الجنرال محمد علي جعفري يهدّد الأميركيين ويتوعّدهم بـ«ثمن باهظ لأي خطأ في الحسابات». ويطالبهم بإبعاد قواعدهم العسكرية مسافة ألف كيلومتر عن بلاده، فيما وزير الخارجية محمد جواد ظريف يحاضِر في نيويورك بلغة تصالحية وينفي أي تدخل عسكري إيراني في شؤون الغير، ويحصر كل الظواهر التدخّلية، بـ«بضعة مستشارين» ذهبوا الى هذه الدولة أو تلك «بناء على دعوة» من قادتها.

وحكاية المستشارين هذه تشبه حكاية التهديدات المألوفة الصادرة من إيران. أي أن الأمرين محكومان بالمبالغة وتعوزهما «الدقّة»! بغض النظر عن كونهما في الأساس يعكسان تناقضاً (شكلياً؟!) بين أقطاب النظام الواحد، وإن كان المرجع واحد بالتأكيد.

يعرف الوزير ظريف أنّ حديثه عن «بضعة مستشارين» لا يصدّقه عاقل أو بنصف عقل، لا في الولايات المتحدة ولا في غيرها، وبالتأكيد ليس في اليمن! ولا في العراق! ولا في سوريا! ولا في لبنان! لكن مع ذلك يطرحه أمام الملأ. وأمام نخبة متخصصة في نيويورك لإبلاغ رسالة مركزية مفادها أن طهران لا تريد المواجهة، ولا تصعيد الموقف مع الغرب. بل تراها غير راغبة حتى في تصديق مواقف أقطاب الإدارة الأميركية ورئيسها دونالد ترامب.. ولم تعتمد (حتى الآن؟) أي خط موازٍ مضاد لسياق الاتهامات الموجهة إليها بأنها «الراعية الأولى للإرهاب في العالم»، مثلما أنّها توحي بتجاهل منطق العقوبات الذي يأخذ منحىً تصاعدياً بدلاً من أن يتراجع مثلما كانت تأمل غداة (ونتيجة) توقيع «الاتفاق النووي».

حتى بالمعنى الميداني العملي تبدو طهران في مكان آخر: لا تعلّق بكلمة واحدة على اتهامها بالمسؤولية عن الكارثة اليمنية من خلال وقوفها وراء الانقلاب الذي دبّره الحوثيون مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. ولا تكشف ورقة واحدة من أوراقها العراقية، بل تستمر في «الشغل» كالمعتاد وتعتبر نفسها «جزءاً من الحرب العالمية على الإرهاب». ولا تردّ بخطوة واحدة كبيرة ومحسوسة على قرار منعها في سوريا من التقدم باتجاه «الجبهة الجنوبية»، أو محاولة السيطرة على المعابر الحدودية الرسمية وخصوصاً في التنف، أو على وضع خط أحمر أمام ميليشياتها إزاء منطقة الجولان المحتل تحديداً.. بل تبدو مكتفية بتوزيع صور الجنرال قاسم سليماني مع بعض عناصر الميليشيات الأفغانية أو الباكستانية أو اللبنانية.. وليس أكثر!

والأكثر من ذلك، هو أنّ طهران وتوابعها في نواحينا، لا يجدون حرجاً في الاستمرار باعتماد سياسة الصمت إزاء قول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّه «متفاهم» مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على استهداف قوافل السلاح الإيراني في الداخل السوري «وفعلنا ذلك عشرات المرات»..

أمّا تهديدات الجنرال جعفري المحكومة بالمبالغة ونقصان الدقّة، فإنّها وإن كانت تعكس بداية، أداء الخط الآخر النقيض لخط ظريف، فهي لا تغيّب حقيقة أنّ إيران لم تصطدم بالأميركيين «عسكرياً» مرة واحدة في تاريخها الحديث، والأكيد أنّها لا تريد الدخول في مثل هذه التجربة!

واجه الإيرانيون الأميركيين بالواسطة، في لبنان (مطالع ثمانينات القرن الماضي) وفي العراق غداة الغزو عام 2003! بل إنّهم تجنّبوا «الاصطدام المباشر» معهم حتى بالمعنى «الأمني» المغفّل والمغلّف في أي مكان في العالم!

ترفض طهران الإقرار بأنّ المناورة وفق ازدواجية «الدولة» و«الثورة»، صارت أصعب في ظل إدارة ترامب. وتستمر في اعتماد تلك الطقوس برغم ثبوت عدم جدواها أو جدّيتها أو صلاحيّتها.

علي نون - المستقبل

  • شارك الخبر