hit counter script
شريط الأحداث

الحدث - دافيد عيسى - سياسي لبناني

عباس ابراهيم ... المخرج لكل الأزمات

الإثنين ١٥ تموز ٢٠١٧ - 06:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

عندما تشتدّ الأزمات وتنذر بهبوب الريح وتلبّد الأجواء، من الطبيعي ان تتجه الأنظار الى الدولة اللبنانية بمسؤوليها وحكامها، لأنها المرجع والملاذ وهي مصدر الإطمئنان والإستقرار. ولكن عندما تسود الخلافات والإنقسامات السياسية والطائفية بين المسؤولين وداخل الحكومة، يصبح من الطبيعي ان يضع اللبنانيون ايديهم على قلوبهم وتساورهم مشاعر القلق والإضطراب وخطر فقدان الإستقرار الذي نعموا به في السنوات الماضية وسط محيط مشتعل بالحروب والأزمات.
هذا ما حصل في الفترة الأخيرة عندما هبّت فجأة ومن دون مقدّمات عاصفة المخيمات والنزوح السوري واختلطت السجالات العقيمة بشأن إعادة النازحين والتنسيق مع الحكومة السورية، مع الحملات المغرضة والمشبوهة التي حاولت النيل من هيبة ومصداقية المؤسسة العسكرية والتشويش على انجازاتها.
لكن كل هذه المشادات والحملات لا تلغي واقع ان مخيمات النازحين السوريين انكشفت على واقع امني خطير مع تحولها الى بؤر امنية وبيئة حاضنة للإرهاب.
وفي الواقع، فإن اللبنانيين الذين اكتوَوا بنار قضية اللاجئين الفلسطينيين ودفعوا الثمن غالياً، يتملكهم الهاجس المبرر من ان يكونوا امام قضية لاجئين جديدة ومن ان يتحول اللجوء السوري كما الفلسطيني من لجوء مِؤقت الى ازمة دائمة ومستعصية على الحل.
لذلك فإنهم يدعمون بقوة فكرة عودة او اعادة النازحين الى مدنهم وقراهم في سوريا او الى مناطق آمنة لمن يتعذّر عليهم العودة الى اماكن سكنهم الأصلية.
ولا يهم هنا ولتحقيق هذا الهدف اذا اقتضى الأمر فتح خطوط تواصل وتفاوض مع السلطات السورية التي هي المسؤولة عن مناطق العودة والمسيطرة عليها ولا يمكن تحقيق هذا الأمر الا بالتنسيق معها.
حصل خلاف وانقسام حول هذا الموضوع الى درجة بدت الحكومة مهددة في استقرارها واستمرارها اذا اصرّ كل فريق على موقفه، فهناك من يطالب بتغليب المصلحة اللبنانية العليا وجعلها فوق كل اعتبار والقيام بكل ما هو لازم ومطلوب لعودة النازحين، حتى لو تطلّب الأمر تنسيق مع الحكومة السورية ومن دون انتظار حلّ سياسي نهائي للأزمة السورية يمكن ان يطول لسنوات، ومن دون انتظار المجتمع الدولي الذي لا يعمل لعودة النازحين بقدر ما يعمل لتثبيتهم ودمجهم في المجتمع اللبناني.
وهناك في المقابل من يرفض الحوار والتنسيق مع النظام السوري بحجة عدم إعطاء شرعية سياسية وتغطية لبنانية للنظام السوري.
في حمأة هذا الخلاف والتجاذب وتعذّر الذهاب الى حوار بين الحكومتين اللبنانية والسورية، وكذلك انتفاء التنسيق مع الأمم المتحدة لأن مسالة عودة النازحين ليست على جدول اعمالها واولوياتها، يبرز "الإقتراح – المخرج" الذي يقضي بتعيين مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم موفداً رئاسياً وتكليفه بملف النازحين السوريين وبما يعني عملياً إعطاؤه التفويض والصلاحية لتولي مهمة التفاوض في هذا الملف واتخاذ ما يلزم من قرارات ومعالجات.
اذا كان الخلاف واقعاً في موضوع النازحين والتنسيق مع الحكومة السورية وطريقة مقاربة هذا الملف حكومياً، فإن الإتفاق حاصل على تولّي اللواء ابراهيم هذا الملف وحيث ان ايّا من فريقي الحكومة ليس لديه موقف رافض او اعتراض ازاء تكليفه مهمة التنسيق مع القيادة السورية بصفته موفدآ رئاسياً خاصاً، مع العلم ان اتصالات ابراهيم مع دمشق وزياراته اليها لم تنقطع حتى في عزّ احتدام الحرب السورية محافظاً على قناة اتصال امنية كان لها الفضل الأساسي في تحرير مخطوفي اعزاز وراهبات معلولا ورجال دين مسيحيين ورهائن عسكريين من الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي.
ونافذة الإتصال والتنسيق الأمني هذه يمكن ان تتحول الى طريق اتصال وتنسيق سياسي مع نجاح اكيد لأن اللواء ابراهيم ما وضع يده في ملف الا وانجزه كما يجب وما حدّد هدفاً الا وحققه وما أطلق وعداً الا ونفذه ووفى به.
لا نبالغ في القول ان تكليف اللواء ابراهيم ملف العلاقة اللبنانية – السورية "ضربة معلم" حيث قوبل هذا التكليف بترحيب عارم ومن دون تحفظ واعتراض من اي جهة، وأحدث ارتياحاً عاماً لسبب بسيط وهو ان مدير عام الأمن العام نجح على مرّ تجارب وانجازات متراكمة في كسب ثقة اللبنانيين على مختلف طوائفهم واتجاهاتهم السياسية، فاللواء ابراهيم اختطّ لنفسه نهجاً واضحاً يجمع بين المبادئ الوطنية والقيم الأخلاقية والممارسة الواقعية الشفافة والمسؤولة.
وبقدر ما هو متواضع ومترفّع عن الحسابات والمصالح الفئوية، لديه القدرة الفائقة على ادارة الملفات والأزمات والإلمام بتفاصيلها وتحديد طرق المعالجة، لذلك دخل الى قلوب الناس وعقولهم وحصل على ثقتهم وعلى "التفويض الشعبي" الذي يبقى الأهم من اي تفويض رسمي، مثلما حاز على ثقة القوى والقيادات السياسية التي نادراً ما التفت حول مسؤول واتفقت عليه.
وما ينتظره اللبنانيون في الملف السوري وما يدفعهم الى التفاؤل اذا تولاه وكُلّف به اللواء ابراهيم، انما يستند الى نجاحات وانجازات تحققت في ملفات سبق له ان تولاها ولا تقل صعوبة وتعقيداً، ولعلّ ابرزها الملف الفلسطيني بشقّيه:
- العلاقة بين المخيمات الفلسطينية والدولة اللبنانية لجهة التعاون والتنسيق في كل المسائل ذات الإهتمام المشترك.
- امن المخيمات الفلسطينية لجهة ضبطها ومنع تحولها الى قواعد وملاجئ ومنصات انطلاق للجماعات والتنظيمات الإرهابية.
وهنا لا بد لنا من القول انه لولا جهود عباس ابراهيم ودوره في الملف الفلسطيني لكان الوضع في مخيّم عين الحلوة على درجة اكبر من السوء والفوضى.
نجح هذا الرجل في بناء ونسج علاقة ثقة وتعاون مع كل القيادات والفصائل الفلسطينية من دون استثناء، ووظّف هذه العلاقة في خدمة الدولة اللبنانية ولمصلحتها ان لجهة حفظ امن المخيمات وضبط الوضع فيها وإبقائها تحت المراقبة والسيطرة، او لجهة تمتين اواصر التعاون والتنسيق بين الدولة اللبنانية والمخيمات الفلسطينية وبما يؤدي الى عدم تحويل اي مخيم ملاذاً للإرهاب والى عدم حماية اي مطلوب للعدالة والتستّر عليه.
هذه العلاقة اثمرت كثيراً وفي عدة محطات كان آخرها تسليم الفصائل الفلسطينية للإرهابي خالد السيّد، وقد لعبت حماس وعصبة الأنصار دوراً بناءً في اتمام هذه العملية من دون الحاجة الى عملية عسكرية ومن دون إراقة دماء، وقد استأهل هذا الأمر ان يعقد اللواء ابراهيم لقاء هو الأول من نوعه بين مسؤول رسمي لبناني رفيع ومسؤولي الفصائل الفلسطينية في مخيم عين الحلوة.
هذا اللقاء اراده اللواء ابراهيم لشكر الفلسطينيين في المخيم على مبادرتهم وتعاونهم مع السلطات اللبنانية والتأكيد لهم ان نموذج تسليم "خالد السيّد" هو النموذج المطلوب في العلاقة التي يجب ان تراعي خصوصية المخيم والأمن اللبناني وتوفّق بينهما.
شكرآ عباس ابراهيم ودمت مخرجاً لكل الأزمات وعاملاً على تفكيك العقد والألغام "وصمام امن وامان وثقة" في هذا الوطن .


 

  • شارك الخبر