hit counter script

مقالات مختارة - نوفل ضو

تغييب السيادة مدخل الى فشل لقاء بعبدا

السبت ١٥ حزيران ٢٠١٧ - 06:27

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

لا يمكن للقاء التشاوري الذي دعا إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رؤساء الأحزاب العشرة المشاركة في الحكومة، ولا لأيّ لقاء آخر مهما كانت نيّات المشاركين فيه حسنة، أن يصل الى نتيجة عملية، في مجالات تعزيز الإستقرار السياسي والتنمية وتنشيط الإقتصاد والخدمات والإصلاح المالي والإداري، ما لم يقترن بخطة عملية لاستعادة الدولة سيادتها الكاملة على أراضيها وقراراتها في المجالات كافة.

ولا يمكن للدولة ممارسة سيادتها إلّا بعد أن تستعيد مؤسساتها الدستورية والشرعية دورها كمرجعية وحيدة وحصرية لممارسة كل أنواع السلطة الأمنية والعسكرية والقانونية والإدارية والإقتصادية والمالية والخدماتية والرقابية والتقريرية وغيرها بعيداً من أي شريك، مهما كانت الذرائع والحجج التي تستخدم لتبرير الإزدواجية التي يعيش لبنان واللبنانيون في ظلها بحجة «المقاومة» ومتطلبات حركتها وتحركها وحماية ظهيرها.

وبما أنّ المجتمعين في بعبدا حصروا أبحاثهم بالنسبة الى استكمال تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني في الطائف بقضايا تثبيت المناصفة وصولاً الى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وتعمّدوا تغييب الشق الأساسي في اتفاق الطائف المتعلق بالشق السيادي الخاص بحلّ الميليشيات وبَسط سلطة الدولة بقواها الشرعية على أراضيها كافة، فإن لا شيء يوحي بأنّ المستقبل سيكون مختلفاً عن الماضي.

فقد سبق للبنانيين أن اختبروا نتائج سياسات التهرب من تنفيذ الشق السيادي من اتفاق الطائف أيام الإحتلال السوري تحت شعار الوجود العسكري السوري «شرعي وضروري وموقّت».

يومها سعى رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري الى الفَصل بين الشق السيادي، وبين السياسات الإقتصادية والمالية والإعمارية والتنموية والنقدية بين العامين 1992 و2005، لكنّ النجاح النسبي والمرحلي سرعان ما تبيّنت هشاشته مع اغتيال الرئيس الحريري واستبدال الوصاية السورية على القرار اللبناني بوصاية «حزب الله».

وها انّ فريقاً من اللبنانيين ممثلاً برؤساء الأحزاب العشرة الذين اجتمعوا قبل يومين في القصر الجمهوري برئاسة رئيس الجمهورية يعاودون الكرّة ذاتها، فيَعدون اللبنانيين بورشة اقتصادية شاملة تتضمّن البنى التحتية والخدمات من كهرباء ومياه واتصالات ومواصلات وغيرها، والمحافظة على الثروة البترولية البحرية وبإصلاح الإدارة والقضاء والإعلام والتربية، من دون أي إشارة الى ضرورة تخلّي «حزب الله» عن سلاحه وعن أدواره الأمنية والعسكرية في لبنان والخارج، مستعيدين بذلك مرحلة تخلّي الطبقة السياسية في لبنان عن تنفيذ الشق السيادي من اتفاق الطائف لمصلحة الهيمنة السورية على لبنان.

إنّ اللبنانيين يعودون مع قبولهم، أو تجاهلهم، أو تخطّيهم، أو إشاحة نظرهم، أو تحويل انتباههم، أو تأجيل البحث بكيفية تخلّي «حزب الله» عن سلاحه وعن سياساته الأمنية والعسكرية المستقلة عن سياسات الدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية والشرعية، الى مرحلة مماثلة تصرّفوا فيها بالطريقة نفسها في أواخر ستينيات القرن الماضي وبداية سبعينياته عندما قبلوا - عن سابق تصوّر وتصميم أو على مضض لا فرق - بالسلاح الفلسطيني في مقابل ما اعتقدوا أنه «مكسب» الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني... فإذا بهذين القبول والسكوت يؤديان الى انفجار حرب لم تنته إلّا مع خروج السلاح الفلسطيني من لبنان.

ووقع اللبنانيون من جديد في خطأ مقايَضة السيادة بالإستقرار السياسي والأمني والإقتصادي مع تسليمهم - مقتنعين أو مرغمين- بالسلاح السوري ووصاية استخباراته على القرارات السياسية والاستراتيجية في مقابل «إدارة محلية» لبعض الصفقات والتلزيمات والمشاريع والمواقع الوظيفية... فإذا بهذه المقايضة تنتهي باغتيال الرئيس الحريري ورفاقه مع أنّ هذه الإغتيالات فجّرت «ثورة الأرز» وأخرجت الجيش السوري من لبنان وأسقطت النظام الأمني اللبناني - السوري الذي كان يُمسك بالقرارات الإستراتيجية للدولة اللبنانية.

ومنذ العام 2006، يعيش لبنان واللبنانيون في ظل ثلاثية الأمر الواقع «الشعب والجيش والمقاومة» التي يفرضها «حزب الله» على الحياة السياسية والعسكرية في لبنان، وقد تطورت مفاعيلها لتشمل الدورة الإقتصادية والمالية والإدارية ومتفرعاتها.

وبحجّة الحفاظ على الإستقرار السياسي، توالت التسويات مع سلاح «حزب الله» تحت مسمّيات وحجج مختلفة وصولاً الى الظروف التي سبق ورافقت انتخابات رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة وقانون الإنتخاب الأخير، وصولاً الى ما صدر عن اللقاء التشاوري في قصر بعبدا.

إنّ لبنان اليوم يعيش في ظل سَعي «حزب الله» للنجاح حيث فشل الفلسطينيون والسوريون من قبله في استبدال منطق الدستور والمؤسسات برهبة السلاح وهيمنته على القرارات السيادية للدولة اللبنانية... وفي ظل سَعي بعض اللبنانيين الى استعادة تجربة اتفاق القاهرة مع الفلسطينيين وتجيير تنفيذ اتفاق الطائف للوصاية السورية، في ما يبرّرونه بأنه شراء للوقت وهروب من المواجهة مع «حزب الله» بحجّة الحفاظ على الاستقرار وتحقيق بعض المكاسب السلطوية.

يقول كارل ماركس: «التاريخ يعيد نفسه مرتين: مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة»... وما نراه الآن هو المهزلة!

  • شارك الخبر