hit counter script

مجتمع مدني وثقافة

ندوة في المركز الكاثوليكي عن المسيحية المشرقية: هي رسالة محبة

الجمعة ١٥ حزيران ٢٠١٧ - 18:00

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

عقدت قبل ظهر اليوم ندوة في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، عن "المسيحية المشرقية"، تناولت "ملحمة الوجود المسيحي في الشرق، جذور المسيحية في لبنان، ورفضها المشرقيون وظلمها التاريخ"،
شارك فيها مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، المؤرخ والكاتب فارس الغول، رئيسة "مجلس الفكر" الدكتورة كلوديا شمعون أبي نادر، الدكتور أنطوان الخوري حرب، الأديب أنطوان جبارة، الدكتور بديع أبو جوده، وحضرتها فاعليات المنطقة ومهتمون وإعلاميون.

وألقى الخوري أبو كسم كلمة قال فيها: "أرحب بكم باسم رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر. ويسرني أن استضيف نخبة من الأدباء والمثقفين والشعراء والمؤرخين على منبر المركز الكاثوليكي للإعلام، وهو منبر لنشر كلمة الله والمحبة والسلام في لبنان والشرق".

واضاف: "اليوم نجتمع لنتكلم على موضوع يهمنا جميعا عن "المسيحية المشرقية"، فالمسيحية في هذا الشرق هي أم الديانات هي البداية، ونحن المسيحييون لم نكن أبدا منعزلين، بنينا حضارة عمرها 1400 عام مع المسلمين فيها صولات وجولات. وكنا رواد حضارة النهضة العربية، وسنبقى رواد السلام ونشر ثقافة السلام في لبنان والعالم، ونحن مدعوون الى بناء ثقافة اللقاء مع الآخر لكي نبني ثقافة الحوار والسلام، وسوف نبقى منارة في هذا الشرق وعنوانا كبيرا للمحبة والسلام وأن نكون رسلا للمحبة والسلام".

ثم كانت مداخلة للدكتورة أبي نادر بعنوان "المسيحية المشرقية: رفضها المشرقيون وظلمها التاريخ"، فقالت: "أبلغ وصف لمأساة مسيحيي الشرق ما جاء في تحليل الكاتب نسيم ضاهر "المسيحية المشرقية، مكسر عصا الغرب الصليبي والشرق الإسلامي"، "إن المسيحيين المشرقيين يؤلمهم أن يتغاضى شركاؤهم المسلمون في هذا الشرق عن حقيقة يفقهونها، وهي أنهم أصيلون في هذه الأرض وسابقون، وليسوا جاليات إفرنجية أو أعجمية ولا من بقايا الصليبيين، وهم أصل المسيحية، قبل المسلمين والصليبيين، وهم ساميون: آراميون، أو سريان، أو عرب".

وتابعت: "طرح، ولأكثر من مرة، عنوان خطير ومعبر: "هل يشهد المشرق إندثار المسيحية؟". إن محاولة القضاء على الوجود المسيحي المشرقي على أيدي تنظيم "الدولة الإسلامية"، بالإضافة الى التهجير والهجرة طلبا للحرية، ستهدم ماضي المشرق وتلغي مستقبله. والأرقام المخيفة تفضح عملية إبادة المسيحيين المشرقيين، وبطريقة ممنهجة: ففي فلسطين، لم يبق من مسيحييها إلا النزر القليل، وفي العراق، غادر أكثر من مليون ونصف مليون مسيحي، وفي مصر يواجه الأقباط موجة إلغائية مرعبة، وفي سوريا هاجر معظم المسيحيين".

أضافت: "هذه المسألة الوجودية والحضارية والثقافية، طُرحت في موسوعة المؤرخ فارس الغول الذي حلل المعطيات بطريقة موضوعية، شاملة، وتوثيقية، بعيدا من التعصب والإنحياز التضليلي والمنساق لمآرب شخصية ونفعية. وبالإضافة إلى الوثائق التاريخية التي تفضح ما يحاول طمسه، لا بد من الإشارة إلى الكيان الروحي للكنيسة المشرقية. فقد رأى المفكر والفيلسوف المونسنيور ميشال الحايك في عظة تحمل عنوان " التمزق المسيحي" أن ثلاثة لا تنتسب إلى مسيحية الشرق: اللامبالاة والإنسحاب والذوبان". وأضاف "إن من يهرق نصف عمره في الشرق، وفي الغرب نصفه الثاني، يعيش ممزق الجسد والفكر والروح. يعيش في غربتين، كأنه يحيا بلا وطن، إلا ذا استطاع أن يستوطن المتناقضات". وقد قال لهم المسيح، "أنتم في العالم، ولستم من العالم"، "والحياة عند المسيحي تطلع من الموت، كما ينبعث من القبر المسيح".

واشارت الى ان "المسيحيين المشرقيين نادوا بالقومية العربية لأنها تحقق الديموقراطية والعلمانية، وحيث تلتقي عناصرها البشرية حول ثلاثة أقانيم: العدالة والحرية والإخاء. هي اللغة العربية محور القومية العربية، وبها أبدع المسيحيون المشرقيون ونشروا الثقافة القادرة على بلورة الوجدان القومي. وهذا المبتغى، لو تحقق، لأَمكَن القضاء على الغيبيات السياسية، ونبذ المذهبية، وتنمية الفكر الإجتماعي وممارسة الحرية والعدالة".

وختمت: "أختم مداخلتي بالقول الرائع للمونسنيور ميشال الحايك: "يكون واحدا هذا اللبنان، من ثالوث موحد، موحد الذات، مثلث الصفات، حول القدس عاصمة الحقيقة والمحبة، فيعلق المسلمون سيوفهم في الشجر، كما ورد في الأحاديث، وتصبح الرماح سكة للحراثة، كما يقول النبي في التوراة، ويتكئ جميع المدعوين إلى وليمة الإخاء، كما يقول الإنجيل".

بدوره، قال الدكتور الخوري حرب عن "جذور المسيحية في لبنان": "ان شعب لبنان أول شعوب الأرض في تقبل بشارة الخلاص بعد انطلاقها من مهدها في فلسطين ويعود ذلك إلى عاملين رئيسيين: واحد جغرافي والأخر حضاري".

أضاف: "في المنطقة الجنوبية وحيث تقع مدينة "الناصرة" نشأ المسيح وترعرع وانطلق مبشرا العالم، وصنع معظم معجزاته وألقى أكثر تعاليمه، ولذلك دعي ب "الجليلي".
فالفكر الديني اللبناني - الفينيقي وفر للمسيحية، في ارض لبنان، اجواء إيجابية ملائمة لإنتشارها خصوصا في مدنه الساحلية التي كانت أبوابها مشرعة لجميع الأفكار والأديان والتشريعات التي تعنى بشؤون الإنسان".

وتابع: "في يومنا هذا أيضا، يستطيع كل من أراد التفقه في شتى فروع المعرفة، أن يجد في صور وصيدا، ما لا يجده في أي مدينة أخرى من المناهل والموارد.
من ناحية أخرى، تلاقت المسيحية مع الفكر الفلسفي الإجتماعي الأخلاقي الذي أطلقه الفيلسوف الفينقي زيتون الرواقي. لقد نادت الرواقية بالإخاء وبالمساواة بين الناس وبشرت بالفضيلة وبسلام لبني البشر يقوم على اساس العدل والمحبة".

وختم: "إن لبنان بالمعطيات الطبيعية لأرضه، موقعا وتكوينا، وبالذهنية الحضارية لشعبه، روحانية وإنفتاحا، وفر الشروط المناسبة والأجواء الملائمة ليكون أول بلدان العالم في تقبل المسيحية بعد إنطلاقها من مهدها في أرض فلسطين".

وألقى جبارة مداخلة قال فيها: "يحدد شارل مالك ويقول ثلاثة عقول عظيمة تحكم العالم اليوم: العقل الإلهي ومرتكزاته التوارة والإنجيل والقرآن، العقل الألماني ومرتكزاته الأنظمة الشيوعية وغيرها، والعقل اليوناني ومرتكزات العلم".

وقال: "نحن نعيش ضمن العقل الإلهي، نؤمن بالله، كلنا لدينا شعور أن الله حاكم الأرض، والايمان لا يجادل فيه.. ففي أوروبا وبنوع خاص فرنسا بدأوا بالتفكير ماذا سنفعل بعد المسيحية؟ الديانات السماوية الثلاث ولدت هنا في الشرق، وأوروبا أخذت هذه ديانتنا التي بدأت تتلاشى شيئا فشيئا في الكناس وغيرها، ومن سيحل مكان المسيح؟".

أضاف: "نحن عشنا في الشرق بتداخل غريب، الحضارات تحبل وتخلف، بآخرها اليهودية والتوراة نشأ الكثير من القضايا ودخلت في المسيحية.
كان لدينا التوراة وأتى المسيح وكانت المسيحية وكان الإنجيل، ثم تطورت الأمور وحصلت خلافات عند المسيحيين مثلا في حكم الناس في القضايا الإجتماعية كالطلاق والزواج فكان لا بد من وضع حد لها".

وتابع: "بعد 622 سنة من مجيء المسيحية أتى الإسلام، وبت بالخلافات الموجودة كالخلاف على دين الدولة والخلاف على من يحكم فالاسلام بت بها بأن يكون الخليفة، والخلاف الثاني كان على الزواج عند المسيحي واحدة والقرآن حلل أربعة "وإن عدلتم فواحدة"، والخلاف على عذرية مريم العذراء الاسلام قال بعذرية مريم العذراء، ولم يكن هناك خلاف بنظرية المسلمين والمسيحيين الى مريم العذراء، خلاف على جنيسة الملائكة رجال أم نساء، المسلمون ألغوا الصور كليا وسميت بحرب الأيقونات، وكانت الجرائد في السعودية تصدر من دون صور ولكن الزمن يتغير. والخلافات قصة طبيعة المسيح إذا هو الله أم لا؟ المسلميون قالوا إنه روح الله".

وختم: "حاولوا كثيرا إلغاء الفكر الديني وعمل أديان جديدة، ولكن المسيحيين تشبثوا في دينهم وفي أرضهم مثل شجر الأرز والسنديان حاضرين بحبهم للمتوسط وبحبهم للعلم وسيبقون هنا".

وقال الدكتور أبو جوده، فقال: "صدقت، يا أخي فارس. لقد رفض المشرقيون المسيحية. وأنا أضيف، وأكاد أقول "إن مسيحيين عديدين، بدورهم رفضوها أيضا. هجروا وهاجروا ومعظمهم لم يتنعموا بالعودة كما صنع ويصنع شركاؤهم في الوطن. ويبنون القصور، حتى في الجنوب." وإنتهرتهم: "أنتم شعب عالمي مقدس على أرض مقدسة وعالمية. ذكر وطننا في الكتب المقدسة أكثر من 70 مرة. داست أرضه أقدام السيد المسيح ووالدته التي لقبناها بـ"أرزة لبنان".

وتابع: "منذ فجر التاريخ، هبت الروح ولم نتعرف إلى مئات القديسين في وطننا والشهداء منهم كوارتس أسقف بيرون من بين السبعين رسولا، أكويلينا من جبيل، بربارة من بعلبك، يوحنا مارون من البترون، مارينا من القلمون جبرائيل حجولا من حجولا".

أضاف: "وكم سعدت ونلت من بركات بطريركية وبراءات رسولية من أربعة بابوات عن كتبي الستة التي سطرب فيها حياة البعض منهم: نعمة الله كساب الحرديني القليعاتي، القديس شربل مخلوف، القديسة رفقا، الأخ اسطفان نعمة، الطوباوي يعقوب الحداد الكبوشي، والبطريرك المكرم اسطفان الدويهي، وبشارة أبو مراد".

وختم: "إزرعوا برشانا وقديسين ينهض لبنان وتهب الروح من جديد! ننقب اليوم عن النفط، فلننقب عن قديسينا ونرفع دعوى كل منهم إلى روما. لبنان محفوف بالمخاطر، بل محفوف بقديسيه وشهدائه، لبنان يفصل بين الدين والدولة ولا يفصل بين الله والإنسان، نعم لبنان بلد الحضارات والرسالات والسلام".

واختتمت الندوة بكلمة المؤرخ الغول عن "ملحمة الوجود المسيحي في الشرق"، قال: "في ذروة امجاد الامبراطورية الرومانية والاضواء مسلطة على روما سيدة العالم، لم يكن واردا ان يهتم أي مؤرخ بوجود إبن نجار - مهما كان - فقط مؤرخ لاتيني يذكر المسيح "Cristus"، في إشارة عرضية عليه أنه "تعرض لعقوبة الموت في عهد طيباريوس بموجب حكم الحاكم بلاطس البنطي".

وتابع: "قدمت المسيحية الى الشعوب مجموعة أفكار وتعاليم أخلاقية وإنسانية ولوتورجية واجتماعية في الحياة الدنيا والخلود. جسدتها في عقيدة متكاملة استطاعت من خلالها تلبية المطالب الروحية والفكرية والإجتماعية التي كان المتنورون والمثقفون والمؤمنون غالبا ما يطلبونها من دياناتهم التقليدية من دون ان يتمكنوا من الحصول عليها، فوجدوها في المسيحية".

وقال: "سادت المسيحية وانتشرت في معظم العالم الروماني من طريق التبشير والايمان، بعيدا من اشكال العنف والإكراه وكانت عن حق ديانة سلام ومحبة ومسامحة. بقدر ما تعرضت للإضطهاد والتنكيل زمن الامبراطورية الرومانية التي ما لبثت ان اعتنقت المسيحية ورسخت ايمانها وسلطانها بإسم الامبراطورية البيزنطية التي ما لبثت ان دخلت في نزاع مع الامبراطورية الفارسية بحيث اقدم الفرس على مهاجمة املاك الامبراطورية البيزنطية وإحتلال القدس عام 614 بمساعدة اليهود, وأخذوا عود الصليب من اورشليم الى بلاد فارس".

وقال: "ما أن انتهى هرقل من دحر الفرس، حتى أصاب سيف المسلمين اقاليم الامبراطورية البيزنطية. فكانت الفتوحات العربية الاسلامية في اتجاه سوريا وفلسطين. وإذ حاول هرقل وقف الزحف الإسلامي تعرض جيشه في 20 آب عام 636 لهزيمة ساحقة في معركة "أجندين"، وصعق هرقل للهزمية واستبد به اليأس, إذ ادرك أنه لا يتوفر لديه المال والرجال للمضي في الدفاع عن الأقاليم".

أضاف: "تحركت الحملة الصليبية الأولى باتجاه الشرق 1098 ومعه دخلت المنطقة في نزاع دامٍ بين المسيحية والاسلام, بين الشرق والغرب, بدأت نهايتها بسقوط القدس بيد صلاح الدين عام 1187. وكانت خاتمتها على يد المماليك بطرد الصليبيين نهائيا من عكا 14 تموز, وبيروت 29 تموز وطرطوس. بعدها شهد الشرق سقوط آخر قلاعه المسيحية "القسطنطينية" على يد السلطان العثماني محمد الثاني 1453 على رغم ما أبداه اليونانيون من شجاعة في الدفاع عن المدينة".

واردف: "ان المسحيين المشرقيين لم يعتدوا على أحد، لم يهجروا احدا، لم يقتلوا، لم يسيئوا الى احد، بل اعتدي عليهم قتلوا، هجروا، أهينوا بسبب الدين، وبإسم الدين وهذا أمر مشين. نحن على ما قال غبطة البطريرك يوحنا العاشر في البلمند حزيران 2015: "نحن لسنا اقلية وان جارت الظروف علينا عبر التاريخ وتراجعت أعدادنا بسبب الهجرة. دورنا اساسي في هذا الشرق ولا أحد من غير المسيحيين يتصور الشرق الأوسط من دون المسيحيين".

وتابع: "ندائي الى المسيحيين، عمقوا ثقتكم بأنفسكم وقدراتكم، فأنتم اصحاب الارض والتاريخ وأبناء الشرق الابرار عليكم عدم الشعور بالضعف واليأس والاحباط.
ثقوا وآمنوا بأن حضوركم السياسي والاجتماعي والروحي في لبنان والمنطقة جوهري ومكمل لدوركم المشرقي العام، المتمثل بالحفاظ على الهوية المسيحية المشرقية وعلى رسالة لبنان الحضارية القائمة على التعايش والتعاون والإخاء مع اخوتكم المسلمين. وبوجودكم وحكمتكم تستمرون نجمة الشرق المضاءة، ونجم الأفق الوهاج في سماء المتوسط. بلغوا الخائفين والمترددين والمحبطين".

وختم: "إن المسيحية باقية في الشرق برغبة من إخوانكم العرب والمسلمين، لانها رسالة محبة نادى بها السيد المسيح المولود في بيت لحم، الثائر على تجار هيكل اورشليم، الخاشع والمصلي في جبل الزيتون، المصلوب على خشبة الجلجلة، المائت والقائم من الموت لأجل خلاص الجنس البشري. ان المسيحية المشرقية هي الصوت الصارخ في ضمير الادهر والاجيال الداعي الى المحبة والأخوة باسم الله والانسان ولبنان".

  • شارك الخبر