hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - عيسى يحيى - الجمهورية

محمد راضي "شهيد الغدر" بعد الصلح مع الجيش وعائلته

الخميس ١٥ حزيران ٢٠١٧ - 07:08

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

سقطت الأعرافُ والتقاليد التي تحكم علاقاتِ العشائر والعائلات بعضها ببعض، وسقط معها الأمنُ الذي أصبح متفلّتاً إلى حدِّ الإرتخاء، وعاجزاً عن حماية المواطنين بمَن فيهم أبناء المؤسسة العسكرية، حتى أصبحوا مشروعَ ثأر بعد كل عملية أمنية أو عدم توقّف على حاجز، ما يدفع للقول إنّ الخطط الأمنية لا داعي لها طالما أنّ العسكريين غير محميّين.
لم يكن الشهيد محمد علي راضي إبن الإثنين والعشرين ربيعاً يعلم أنّ وجوده على حاجز الجيش في محلة وادي الكرم في الهرمل بداية العام الجاري للقيام بواجبه ومحاولته توقيف أشخاص لم يمتثلوا للحاجز سيكلّفه حياته.

ذنبُه الوحيد أنه إلتحق وأشقاؤه بالمؤسسة العسكرية التي آمن بها وأحبّها، لم يكن يعلم أنّ الثأر لا يزال من العادات السيّئة التي تتحكّم بالمنطقة وعاداتها، وأنّ نقض الصلح بعد الصفح لم يكن يوماً من مبادئ العشائر والعائلات.

وسط غصّةٍ وحرقةِ قلبٍ وأسى، ودّعت الوالدة إبنها الشهيد قبل أيام من العيد، عيدٌ بأيّ حالٍ سيعود على أمٍ مفجوعة فقدت إبنها بطرفة عين بلا رحمةٍ وشفقة، كالعريس زفّته ورثته، وبنثر الورود ودّعته، والسلام لشقيقه ووالده حمّلته.

على وقع نشيد الموت الذي عزفته ثلةٌ من رفاق السلاح أمام منزل والد الشهيد، إنطلق موكبُ التشييع وجاب وسط بلدته معربون وصولاً إلى المدافن، حيث قدّم الرفاق التحية العسكرية وأكاليل الورد، وقلّده ممثل وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف وقائد الجيش العماد جوزيف عون العقيد الركن ربيع الزمار الأوسمة العسكرية، في حضور مفتي بعلبك الهرمل السابق الشيخ بكر الرفاعي، فاعليات البلدة وحشد من الأهالي.

وفي كلمته قال الزمار: «يمضي شهيدنا الغالي محمد إلى دار المجد والخلود ولسان حاله يقول ها أنا ذا وطني قد لبّيت نداءَ الواجب وإلتزمت ما أقسمتُ عليه حتى آخر نقطة من دمي، وها أنا ذا جيشي كنتُ على عهدِك بي بطلاً من أبطالك الميامين بعدما تكلّل جبيني بتاج الشهادة وغصون الشرف والتضحية والوفاء».

ولفت إلى أنّ «مشاعرَ الحزن والألم تختلج في صدورنا على فقدان واحد من رجالنا الأشداء، يوازيها إعتزازُنا بالتضحية الكبرى التي قدّمها الشهيد بعدما غدر به مسلّحون عابثون إمتهنوا طريق القتل والإجرام والتربّص شراً بأمن المواطن وعيشه الحرّ الكريم، كذلك يوازيها إعتزازُنا بعائلته الأبيّة الوفيّة التي ترعرع الشهيد في كنفها على إرادة الخير للجميع، وعلى محبة لبنان على إعتبار أنّ الإيمان بهذا الوطن جزءٌ لا يتجزّأ من الإيمان بالله».

وشدّد على أنّ «رسالتنا الواضحة من خلال ضريبة الدم التي قدمها رفيقنا الشهيد وتكمن في أنّ الجيش لن يتهاون إطلاقاً مع المعتدين على حياة المواطنين والمخلّين بالأمن والخارجين عن القانون، وأنه مهما طال الزمن لا بد أن تسقط الأقنعة عن وجوه هؤلاء ليقعوا في قبضة العدالة وينالوا جزاءَهم الذي يستحقون، فعيونُ الجيش لن تغفل أبداً عن حماية مسيرة الأمن والإستقرار تماماً كما لن تغفل عن حماية حدود الوطن من خطر العدوّ الإسرائيلي والإرهاب».

بدوره طالب الرفاعي، والذي كان على رأس مَن سعى إلى الصلح، ذوي الشهيد بالتحلّي بالصبر ولا سيما أنّ «الفقيد ينتمي إلى مؤسسة عسكرية نجلّ ونحترم»، معتبراً أنّ «عادة هذه المؤسسة أن تحمي عسكريّيها وتحمي قراراتها وهو فرد من أفراد هذه المؤسسة».

وسأل عشائر وعائلات بعلبك: «هل ما حدث ينسجم ويتفق مع الأعراف والتقاليد، وقال: «ذهب وفدٌ كبير وفدٌ من قيادة الجيش وعزّى آل دندش، ثمّ بعد ذلك زار وفدٌ من عائلة دندش قيادة الجيش وقال إنه سامح وصفح، وبناءً عليه ذهبنا مع وفدٍ كبير من بلدة معربون إلى عائلة دندش وقمنا بالواجب وأعلنوا كذلك أنهم سامحوا وصفحوا وأنهم ضد عمليات الثأر التي تجرى في المنطقة، لكن ما جرى هو نكسة غير طبيعية تكسر كل الأعراف والتقاليد وتجعل هذه المنطقة غابة تسرح فيها الوحوش».

وألقى الشيخ علي حسن كلمة البلدة، فقال: «مرةً جديدة تمتدّ يد الغدر إلى فردٍ من أفرادنا، هذه اليد الآثمة التي إرتضت بالصلح وإرتضت بأخذ الفدية ثم بعد ذلك تخوننا وتطعننا في ظهرنا، لقد إرتكبتم خطيئة لن يغفرها لكم التاريخ، لقد أصبح الغدرُ من شيَمكم وأخلاقكم».

وناشد العقلاء من بيت دندش سائلاً: «هل بهذه الطريقة تُسفك الدماء الزكية، هل الغدر أصبح لبوساً وأصبح رداءً نلبسه، أيعقل بعد الصلح وأخذ الفدية أن يقتل ويسفك هذا الدم، وسأل لماذا في كل لبنان يقبض على القاتل بعد ساعات إلّا في منطقتنا، هل هذه المنطقة خارجة عن القانون والدولة وكتب عليها أن تشيّع كلّ يوم عزيزاً؟». كما ناشد الرؤساء الثلاثة وضعَ حدٍّ لهذا التفلّت وهذه الظاهرة.

أما عمّ الشهيد عبد الكريم راضي، فأكد أنّ لدينا كل الثقة بالجيش وقيادته لأخذ الحقّ، ولكن ما حصل هو غدر لنا وللجيش، وحين تقصّر الدولة في أخذ حقنا نعرف كيف نأخذه ولسنا بقاصرين، معلناً عدم تقبّل التعازي وفتح عزاء للشهيد.

بعدها أَمّ الشيخ حسين يحي الصلاة على جثمان الشهيد ثم ووري الثرى في جبانة البلدة.

عيسى يحيى - الجمهورية

  • شارك الخبر