hit counter script

مجتمع مدني وثقافة

أبرشية بيروت المارونية ودعت الخورأسقف لويس الحلو في مأتم مهيب في كاتدرائية مار جرجس

الجمعة ١٥ حزيران ٢٠١٧ - 11:50

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ودّعت الكنيسة المارونيّة وأبرشيّة بيروت وجامعة الحكمة ومدارسها، المتقدّم في الكهنة وعميدهم في الرسامة الكهنوتيّة (71 كاهنًا) الخورأسقف لويس الحلو الرئيس الأسبق لمعهد الحكمة العالي لتدريس الحقوق ومدرسة الحكمة في بيروت والرئيس المؤسّس لمدرسة الحكمة في برازيليا – بعبدا، في مأتم مهيب، أقيم في كاتدرايّة مار جرجس في بيروت، شارك فيه، السفير البابوي في لبنان المونسيور كبريللي كاتشا والنائب بيار الحلو ورئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن والأم دانيللا حروق الرئيسة العامة لراهبات القلبين الأقدسين ورئيس الرابطة المارونيّة النقيب أنطوان قليموس وقاضي التحقيق في بيروت جورج رزق ورئيس جامعة قدامى الحكمة فريد الخوري والهيئات التعليمية والإداريّة ولجان الأهل والقدامى والكشافة في الحكمة وحشد من أصدقاء الفقيد وتلامذته وأفراد عائلته، وكان حضور لافت لكشافة الحكمة مار يوحنّا في برازيليا في استقبال جثمان الفقيد ووداعه.
ترأس الصلاة لراحة نفسه رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر، يحيط به النائب العام لأبرشيّة بيروت المونسنيور جوزف مرهج ونواب أسقفيون ورؤساء جامعة الحكمة ومدارسها ولفيف من كهنة رعايا أبرشيّة بيروت ورهبان وراهبات.
وبعد الإنجيل المقدّس ألقى المطران مطر كلمة رثى فيها فقيد الكنيسة، استهلها بشكر المونسنيور كاتشا على مشاركته للأبرشيّة والعائلة في وداع الخورأسقف لويس الحلو، "الذي علقت على صدره وسامًا بابويًا منذ أشهر، منحه إياه قداسة البابا فرنسيس في مناسبة مرور سبعين سنة على سيامته الكهنوتيّة". مشاركتكم معنا هي تعزيّة لنا، وقال:
لم يتبجّح الخوري لويس في شيء، إلاّ بنعمة ربّه وقد كان وفيًّا له طوال حياته، بل تبجّح بأنّه خدم الكهنوت إحدى وسبعين سنة، فهو عميدنا في الرسامة الكهنوتية ومثالٌ صالحٌ كان وسيبقى في الأبرشية وفي كنيستنا، مثال الكاهن الصالح الغيور على كنيسته، على أبرشيّته وعلى النفوس التي أُوكل أمرها إليه. وقد دعاه الله إلى جواره في يوم عيد القربان الأقدس، هذا القربان الذي كان بين يديه، قوتًا لجميع الجائعين إلى الحق والخير والمحبّة والسلام. عندما يُرسم الكاهن، كاهنًا على يد الأسقف، يتلو المطران ثلاث صلوات منها صلاتان، يده الشمال على كأس القربان ويد اليمين على رأس المرسوم، أي أن الرسامة الكهنوتية تقوم بوضع يدٍ من القربان على الكاهن ليكون خادم القربان طوال حياته؛ والخوري لويس كان رجل القربان، رجل محبّة القداس حتى الرمق الأخير من حياته، كل الذين شاركوا في قداسه طوال هذه العقود السبعة، كانوا يفرحون لطريقة أدائه، لكلامه الطيب ولشرحه الإنجيل، للنصائح التي كان يغدقها عليهم وكان في كلّ ذلك خادمًا صالحًا ليسوع المسيح.
أمّا في مطرانية بيروت، التي أحبّها وأحبّته، فقد كان فيها رجل التجديد طوال النصف الثاني من القرن العشرين، إذ تولى خدمة رعية بعبدا كاهنًا جديدًا في أواخر الأربعينات. وفي مطلع الخمسينات انتقل إلى مدرسة الحكمة في بيروت رئيسًا لها مدّة ست سنوات، كان فيها نعمَ المجدّد، ونعمَ الغيور على خدمة الطلاب، نعم الإنسان اليقظ الذي يهتم بالشاردة والواردة، بحيث يكون الطلاب مخدومين الخدمة الفضلى ويكونوا سبّاقين إلى كلّ جديد على مستوى التربية والتعليم. وقد أحبّ أن يكون مع الأساتذة على الدوام رجل العمل الجماعي والعمل المشترك وهذا أمرٌ جديدٌ كان في حياتنا المدرسية، إذ كان رائدًا فيه لما كان يؤمن بقوّة للعمل المشترك، للعمل المنظّم بين الناس فأصاب في كل ذلك نجاحًا كبيرًا.
وبعد رئاسته لمدرسة الحكمة، أوكل إليه سلفنا الصالح المطران اغناطيوس زياده المثلث الرحمة إقامة مدرسة الحكمة في برازيليا، التي كانت في البداية مدرسة للبنات وتحوّلت بعد ذلك إلى أولى المدارس المختلطة في لبنان، والمعروف عنها أنهّا مدرسة رائدة منذ تلك الأيام إلى يومنا هذا وعلى الدوام - إن شاء الله –، فأعطاها من قلبه وروحه مدة خمس وعشرين سنة، قادها من نجاح إلى نجاح وكان سرّ نجاحه إيمانه بالناس، ثقته بالمعلمات والمعلّمين ليكونوا حوله صفًّا واحدًا في الخدمة، بالثقة بينهم وبينه وبالمحبة التي تلف جميع الحاضرين هناك وجميع المستفيدين من المدرسة. هكذا حقّق، حقيقة الأب الصالح، رئيس المدرسة هو أبوها والساهر عليها بكل محبة تجاه كلّ إنسان، يطالب ويعطي بكل حقٍّ وبكل محبة. وعندما كانت تمرّ في المطرانية ظروف صعبة ومهمات دقيقة تعوّد سلفنا المطران زيادة على أن يُسلّم الخوري لويس هذه المسؤوليّات الصعبة، فكان له أن أخذ مسؤوليّة إستعادة مدرسة الحقوق التي أوقفت مدّة خمسين عامًا في مطلع القرن العشرين عندما فُتحت مدرسة الآباء اليسوعيين، فقال المطران شبلي مطراننا في تلك الأيام لماذا تكون لنا مدرستان في الحقوق غير أن الظروف تغيّرت وتبدّلت في الستينات فقرّر سيادته أن يعيد ويستعيد مدرسة الحقوق، وطلب من الخوري لويس أن يكون رئيسًا لها، فكان رئيسها ،أيضًا، مدّة خمس وعشرين سنة بتفان وإخلاص وغيرة ومحبة يشهد الجميع عليها، من أساتذة وطلاّب، هم اليوم في طليعة القوم سياسة واقتصادًا واجتماعًا، فأصابت مدرسة الحقوق، نجاحًا كبيرًا كما كانت في السابق إلى أن تحوّلت في زمننا إلى جامعة ذات كلّيات كثيرة وكبيرة. فضل الخوري لويس على المطرانية وعلى الناس كان فضلاً كبيرًا بتواضعه، بثقة ورجاء لا يخيب في صدره، كان يجابه الظروف الصعبة والأيام الدقيقة زمن الحرب، يتعاطى مع الناس بكل حزمٍ كبارًا وصغارًا ويقول لهم المدرسة هي مدرسة، والجامعة هي جامعة، لكل أن يأخذ حقّه في هذه الحياة فلا تختلط الأمور بعضها ببعض، لبنان يجب أن يبقى بلد مؤسّسات لا بلد أشخاص، بلدًا فيه نظام يرعى الجميع وفي ظلّه يحيا الجميع كراماتٍ مساويةً لكرامات، فأعطى بذلك مثلاً صالحًا للوطنية الدقيقة الحقيقية.
كما تسلّم رعايا كثيرة ومنها رعية مار جرجس هنا ورعية سيدة العطايا. عندما عدت إلى المطرانية كان الخوري لويس مدبّرًا لهذه الكنيسة ولم تُرمّم بعد، كان عاشقًا لها لجدرانها الممزّقة لسقفها الغائب للحجارة في أرضها للشجر الطالع داخلها حتى علوّ مترين، كان يريد وسلفنا الصالح المطران خليل ابي نادر المثلث الرحمة، أن تعود هذه الكنيسة إلى سابق عزّها، فمعه قمنا بهذا العمل بروحٍ جماعية ومسؤوليّة كبيرة إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه، فعادت الكاتدرائية أحسن ممّا كانت، رمزًا لقيامة بيروت وقيامة لبنان إلى الحياة الجديدة. وهكذا عندما انتهى عمل الترميم في الكنيسة انكفأ إلى سيدة العطايا ليكون عاملاً هناك على قدر ما كان يستطيع أن يعمل. إلا أنه حتى عندما ترك العمل المسؤول بقي همّه في الأبرشية، همّه في المدارس، همّه في الكنيسة، يقصدنا كلّ شهرين أو ثلاثة ليقول يجب أن تعملوا هذا وهذا حتى تتمّ الأمور كما يجب، يعطي النصح وكنا نستمع إليه بانشراحٍ لأنه كان رجلاً حكيمًا ودقيقًا بتمييزه محبّا للناس وللعمل وللمؤسّسات وللمطرانية حبًّا لا قياس له، فكنا نلتقيه بفرح ونستفيد من خدماته وآرائه السديدة حتى نقوم بما قما به وإلى اليوم.
في أيامه الأخيرة طبعًا بدأت السنون تفعل فعلها وبدأ المرض فأدركنا أنه وصل إلى ما يشابه النهاية، إلاّ أنّه رغم كلّ ذلك أراد أن يعود إلى كنيسته في سيدة العطايا إلى قداسه اليومي، رجع ولكنه وقع أرضًا فصدّق بعد ذلك بأن قواه تضعف، فعاد إلى دير راهبات الصليب في برمانا، حيث أمضى أيامه الأخيرة بالقراءة بالتمتع بالكتب الجديدة حتى آخر أسبوع من حياته، هذا الإنسان المنفتح على المستقبل، لم يرد أبدًا أن ينكفئ، بل أراد على الدوام أن يكون مفكّرًا وأن يكون واعيًا ومدركًا للحقائق كلّها وليساعد إخوته الكهنة ومطرانه على كلّ عمل صالح.
رجاله قلائل الخوري لويس الحلو، ولذلك نفتقده ولكنه ترك فينا بصمات لا تُمحى من محبة وإدراك وبعد نظر وتعلّق بالكهنوت ومحبة للمؤسّسات، أذكر أني عندما كنت طالبًا كاهنا في فرنسا لمدّة ثلاث سنوات، كنّا نتراسل تقريبًا كل أسبوعين، أكتب له ويكتب لي ليخبرني عن أوضاع الأبرشية كلّها، إنسانًا وفيًّا، ومميّزًا كان وسيبقى ذكره حيًّا فينا ما حيينا.
نسأل الله أن يُكافئه المكافأة الصالحة مكافأة الكهنة البررة، هو الذي خدم القربان الأقدس سبعين سنة وسنة فليدخل إلى عرش الرحمان اليوم، ليلقى ربه إلى الأبد ويكون مع الحمل في عرسه الذي لا ينتهي حيث يُكافأ الكهنة الأبرار على أعمالهم الصالحة وحياتهم الكهنوتية كلّها وليبقى بالنسبة إلينا مثالاً صالحًا وليعطنا الرب الإله على غراره كهنة صالحين سواء في الأبرشية أم في الطائفة أم في الوطن اللبناني، إن الذين عرفوه رأوا فيه إنسانًا مميّزًا، فليرقد بسلام وليكن مع المسيح إلى الأبد. نتعزّى بأنه أتمَّ سعيه وحفظ إيمانه والآن يدخل مجد سيده، وما من شكّ بأنه لن ينسانا هناك بل سيصلّي من أجل الأبرشية ويقول يجب أن يتمّ هذا وذاك في أرض هذه الأبرشية ويصلّي من أجل ينجح كل واحد منّا في عمله لنمجد الله إلى الأبد.
باسم كهنة أبرشية بيروت وباسمنا شخصيًّا ونحن نتقبل التعازي معكم نقدمها لعائلته العزيزة، شقيقه والعائلة وبخاصة ابن شقيقه الاستاذ كريستيان الذي له تعب كبير في مدرسة الحكمة، لمارلين التي تعمل أعمال كبيرة في إطار البكالوريا الفرنسية، ولشقيقته الراهبة وأخواتها الراهبات، التعزية لآل الحلو الكرام ولأهل بعبدا التي خدمها خدمة جُلة، التعزية لكم جميعًا أيها الأحباء على فقد هذا الكاهن الصالح الخادم الأمين لربّه، فليكمل صلاته من أجلنا إلى الأبد. رحمة الله عليه ولكم من بعده طول العمر.

  • شارك الخبر