hit counter script

باقلامهم - مازن ح. عبّود

العالم بعد سبعين عاما على خطة مارشيل

الثلاثاء ١٥ حزيران ٢٠١٧ - 06:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

 

"من المنطقي ان تقوم الولايات المتحدة بكل ما هو متوفر لها كي يستعيد الاقتصاد العالمي صحته، وذلك لضمان السلام العالمي والاستقرار السياسي".

جورج مارشيل وزير الخارجية الأميريي، بهذه الكلمات أطلق مارشيل مشروعه "مشروع مارشيل" في خلال خطبته في جامعة هارفرد في الرابع من حزيران من العام 1947 والذي أعاد من خلاله اعمار أوروبا عموما وألمانيا خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية.  12.4 بليون دولار في العام 1947 أي ما يوازي 103 بليون دولار اليوم ضمنت السلام وانقذت الاقتصاد العالمي الذي كانت قد تصدع بفعل الحرب العالمية الثانية واعطت النظام العالمي ما بعد الحرب دفعا جديدا.

وها انّ النظام العالمي يتصدع اليوم بعد سبعين عاما، وعلى كرسي "ترومان" جلس "ترامب" الذي بدأ بتحويل المارد الى شركة مقاولات تتعهد خدمات الحماية العالمية والدفاع عن القضايا مقابل اجر مدفوع لمن يرغب. بمائة وثلاثة بلايين دولار امريكي فقط لا غير اشترى ترومان سلام العالم وكرس زعامة امته، وعزز استدامة تفوق الإمبراطورية الامريكية المالية والاقتصادية، بمائة وثلاث بلايين دولار امريكي فقط لا غير، صنع لدولته صورة بدأت تسقط اليوم مقابل حفنة من الدولارات. سبعون عاما على خطاب مارشيل وما احوج العالم وامريكا اليوم الى ترومان والى مارشيل جديدين يشتريان سلم الكوكب واستقراره ويعيدا الحياة الى الاقتصاد العالمي وينقذان دولتهما ويضمنان استدامة سطوتها وزعامتها على الكوكب.

لا اعلم اي عالم سنتركه لأولادنا؟ واي كوكب سنورثهم؟ خوف وضياع وانعدام رؤية وفردية وازمات وتكنولوجيات متطورة وهواتف ذكية وفوارق اجتماعية كبيرة وتطرف وارهاب. وها انّ الرئيس ترامب ينسحب من اتفاقية باريس للمناخ ويدخل بلاده في جاهلية الصناعة وينزع عن إمبراطورية عباءة المبادئ والريادة ويلبسها رداء شركة امن تتعهد الحماية والدفاع عمن يسدد لها الأموال من الشعوب ويهديها موارده. فالرئيس ترامب أعلن بأنه غير مستعد لتسديد خدمات مجانية لاحد من الحلفاء. 

ببساطة تتخلى امريكا عن دورها الريادي وعن النظام العالمي الذي صممته على مقاس مصالحها وتلبس الفراغ عباءتها. ومن الفراغ تخرج الوحوش التي ستتقاتل، ومن رحم الدمار سيظهر منتصر جديد يعيد تكوين نظام جديد وعالم جديد. لكن هل ما يحصل مطلوب لارساء هيمنة جديدة وحكومة عالمية جديدة بحسب ما نقل عن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "هنري كيسينجر"؟ هل المطلوب اضعاف الحكومات المحلية وجعل قادتها نواطيرا وتحويلها الى "نوادي ينتسب الى عضويتها ممن يتمتع بشروط العضوية"، كما يقول الاب كميل مبارك، وتزول مفاهيم السيادة الى الابد.

وفي خضم كل ما يجري عالميا نسأل قادتنا: اي بلد سنتركه لابنائنا؟

ترانا ننام كل يوم على نوما هميئا على مشروع قانون انتخابي ونستفيق على طرح آخر.

 قلت لابني كان في القديم برج كبير والبرج كان في بابل. فرح اهل بابل ببرجهم الذي وصل الى السماوات.  وصاروا يتفاخرون ويعتدون. هيمنوا على العالم القديم وكان البرج رمز سطوتهم، الى ان سقط البرج الوهم مع قدوم الشتاء والريح. فاختل توازنهم وصاروا يبلبلون ومازالوا يبلبلون. صاروا جماعات ومللا متناحرة تبلبل ولا تتواصل، وما زلنا نبلبل ولا نتواصل او نتفاعل، الا كي نؤمن استدامة ابراجنا المهددة بالسقوط بفعل ابراج الغير، فيتفق كل اثنان على ثالثهما، أخشى.

قصّت عليّ جدتي قصة بابل نقلا عن جدها، وقد درجت على تلاوتها كل ما احترّت الايام وتبدل الطقس في مثل هذه الايام. واوصتني ان ابني لاولادي من بعدي علية وليس برجا، وامرتني ان انتظر قدوم الريح الى عليتي، فأصير اتكلم لغتها التي يفهمها الجميع. واروح انطق وزوجتي واولادي بلغة الريح والبرق والانهار والشمس والنسائم، اللغة التي تفهمها كل القبائل والطوائف والشعوب، فنعطل بذلك مفاعيل بابل التي ما استطاع ان يعطلها الا قلة كانوا ومضات على هذا الكوكب المهدد بسقوط البرج ونهاية الحضارة بصيغتها الحالية.

وعندها يصير اهل الشمال يفهمون على اهل الجنوب ويتحاورون معهم. وينطقون جميعا لغة جديدة، لغة الارض. فتزول الغربة وتحلو الارض.

وكنّا في كل عنصرة نذهب الى خارج البلدة حيث نبني علية ونروح نتأرجح في افياء سنديانة قديمة كانت تجاور كنيسة مهجورة وقديمة من عمر الحضارة، فتهمس في آذاننا الريح كلماتها التي كانت تخرج من قعر الأرض، من التراب.

كم يلزمنا اليوم ان نخرج من ابراجنا الى الحقول! فنحن مشتاقون الى وقف البلبال والحوار. نحن مشتاقون الى فكر مارشيلي جديد يفتدي الأرض ويشتري سلمها بحفنة من الدولارات (لا تتخطى الواحد بالمائة من الناتج القومي للدول المتقدمة بحسب جيفري ساكس) تستثمر في الأماكن الأقل نموا. فيزول الظلم والغبن والجهل والفقر وتوقف ماكينات الولادة التي لا تعرف التوقف. ويتوقف هذا الإدمان المفرط والمدمر على النفط والثروات. ويعاد تأسيس الحضارة على المبادئ الأخلاقية والسلام ومبادئ التنمية المستدامة. اننا بحاجة الى علية لقاء وليس الى أبراج، نحتاج الى من يوقف هذا البلبال الرهيب والقلق والخوف. نحتاج الى ان ينطق زعماء العالم لغة واحدة فتتغيّر الأرض وتصير جديدة، ولأجل كل ذلك في العنصرة نصلي...

  • شارك الخبر