hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - عباس جعفر الحسيني

علويو باكور تركيا ( علي الهي) الأثر الايزيدي والشيعي التاريخ المعتقد والمستقبل...

الثلاثاء ١٥ حزيران ٢٠١٧ - 06:10

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

 

العلويون تسمية تشمل الكاكائية اي اهل الحق في العراق واليارسانية في ايران والقزلباش في تركيا اضافة الى الدروزية والشبك. في حلقة اليوم سنتحدث عن العلوية الزلباش في تركيا
يعيش العلويون في الحد الخارجي الشمالي الغربي لكردستان في قوس يمتد من غازي عنتاب إلى بينغول والذين يعدّون مقاطعة ديرسم مركزهم الرئيسي والتي تتألف في الوقت الحاضر من محافظة تونجلي وأجزاء من سيواس وأرزنجان والعزيز. واسم علوي حديث نسبيا وهو يُطلق في تركيا على مجموعة من مقدسي علي بن ابي طالب. اما تسمية قزلباش السابقة والتي اطلقت على العلويين الكرد والترك فاستعمالها لم يلغى كلياً ولكنه مرفوض من قبلهم لأنه بات بمثابة الشتيمة.
قزلباش وتعني “أصحاب الرؤوس الحمراء”- كانت تُطلق في الأساس على أتباع الصفوي شاه إسماعيل وهو محارب ومتصوف ذو شخصية كاريزمية أسس في بداية القرن السادس عشر الدولة الصفوية في ايران. انتزع إسماعيل أتباعه بشكل رئيسي من بين الفقراء ورجال القبائل الساخطين والفلاحين في آسيا الصغرى.
رأى مؤسس الدولة الصفوية شاه إسماعيل أنه من العسير عليه أن يوفر للناس حقيقة المعتقد وترسيخ مبادئه في نفوسهم، ووجد أيضا أن الكتب غير متوفرة، فعمد إلى ملء الفراغ من خلال استحضار علماء الشيعة من جبل عامل. غادر هؤلاء إلى إيران بدعوة وبغير دعوة. وأصبحت استمالة علماء جبل عامل للتوجه إلى إيران من السياسات الأساسية للحكومة هناك، وهكذا استمرت هجرة العلماء العامليين منذ ذلك الحين، وحتى سقوط الحكم الصفوي. لم يستطع علماء الشيعة في جبل عامل مقاومة الإغراءات الصفوية للقدوم إلى إيران، فنصرة المذهب ودعمه وترسيخ دعائمه في إيران احتل لديهم مكانة كبيرة، لكن أسباباً أخرى دفعتهم للهجرة إلى إيران إذ "كان المهاجرون عموماً يجدون في إيران ظروفاً مواتية، والذين تجاوبوا مع الحكومة الصفوية وتضامنوا معها، كانوا يحصلون على عطايا وهدايا، على شكل أملاك وأموال نقدية وعينية"
لكن معتقدات العلويين كانت مزيجاً من الشامانية والغلو الشيعي (حيث اعتُبِر علي بن ابي طالب والشاه إسماعيل مجسدين لله) وكذلك من اديان بلاد ما بين النهرين.
العلويون تسمية تشمل ( الكاكائية اي اهل الحق في العراق واليارسانية في ايران والقزلباش في تركيا)
يؤمن العلويون في تركيا أن الله وست أو سبع من ملائكة العرش التي تمثل الأوجه المختلفة لوجود الله قد ظهر في العالم على شكل بشر. بحسب معتقداتهم فإن أحد أولئك البشر الذين تجسّد فيهم الله نفسه هو علي بن أبي طالب. الاعتقاد بالطبيعة القدسية لعلي تتشارك فيه عدد من الطوائف الأخرى في الشرق الأوسط كالنصيرية (العلويين) في سوريا واهل الحق (الكاكائية) في باشور والعراق.
غالبا ما يضعهم الاسلام السني ضمن فئة واحدة تحت اسم “علي إلهي”. ولكن بالنسبة لهم يربطون الإلوهية بكل تجلياتها بالملائكة السبع وتُعرف بـ”حفتان” أو الأشخاص السبعة. وهذا يماثل المعتقد الإيزيدي بالملائكة السبع التي تجسدت في سبعة قديسين ويذّكر بالطبع بـ”الكرماء الخالدين” الملائكة التي تلعب دورا مشابها في العقيدة الزرداشتية. ومثل الإيزيديين أيضا يؤمن العلويون في تناسخ الأرواح. ولكن ليس ثمة نظام طبقات كالذي يوجد لدى الإيزيديين.
انضم الكثير من أتباع الشاه إسماعيل إليه في إيران، ولكن العديد منهم بقوا وراءه في الأناضول. تلا ذلك العديد من العصيانات القزلباشية العلوية وقد خُمِدت كلها بشكل دموي. عانى القزلباش والطوائف المرتبطة بها من قمع شديد خلال القرون التالية على يد كل من الدولة العثمانية التي كانت دائماً تعتبرهم متعاونين مع العدو الدولة الإيرانية، ومن جيرانهم المتعصبين الذين اعترضوا على تراخيهم في واجباتهم الدينية واتهموهم بآثام جنسية ( المثلية) . أدى الاضطهاد إلى انسحاب القزلباش إلى المناطق الجبلية الحصينة. وكانت ديرسم في شمال غربي كردستان إحدى تلك المناطق.
حصل ذلك بعد انهزام الدولة الصفوية وانتصار سليم الأول حيث نهض كرد باشور في شمال العراق -وهم من الشافعية السنة- لمساندة العثمانيين. لم يمض وقت طويل حتى انضمت 25 مدينة كردية للحكم العثماني، على الرغم من الاستحكامات العسكرية التي أقامها الصفويون بها. توسع العثمانيون وضموا إليهم ديار بكر وسائر مدن باشور شمال العراق حتى أصبح الجزء الأكبر من أراضي شمال العراق في يد العثمانيين، وأصبح الإيرانيون وجها لوجه أمام العثمانيين، وبات من الصعب على الصفويين التوسع على حساب العثمانيين. عندها انصرف العثمانيون الى التنكيل بالعلويين حلفاء واتباع الدولة الصفوية...
سمحت إيران الصفوية ذات الحكم الاثني عشري بالغلو الشيعي للعلويين . اليوم لدى علويي تركيا القليل المشترك مع الشيعة ( والكثير مع المعتقد الشيعي الاولي) في الوقت الحاضر. فهم لا يؤدون الصلوات الخمس المفروضة شرعاً ولا يحجون إلى مكة وإذا ما صاموا فإنهم لا يصومون في رمضان وإنما في محرّم ولمدة ثلاثة أيام ولا يستند قانونهم الأخلاقي إلى القرآن ( وهذه واحدة من اهم نتاج الصفوية والمدرسة الاخبارية). كما أن المرأة تشارك في الطقوس الدينية وكانت هذه من الموروثات الزرادشتية اضافة الى عبادة الطبيعة (الشمس والقمر والربيع والصخور والأشجار)، بينما الانصهار التدريجي لكثير من الأرمن المحليين بالكرد قد ترك آثاراً واضحة أيضاً.
يبلغ عدد العلويين حوالي 20 مليون من السكان. وأطلقت عليهم عدة تسميات عدا القزلباش والبكتاشية والتهتاجية فضلاً عن تسميات أخرى لها طابع إثني مثل الزاز إلخ، ويشمل مسمّى العلوية جماعات عدة متباينة مثل: الأتراك والعرب والكرد والتركمان واليورك والتهتاجي وتختلف نسب توزعهم الإحصائي بين الانتماءات المذكورة، غير أن المتفق عليه أن أكثرهم من الكرد والترك. لكن الحقيقة الثابتة ان العلويين في تركيا هم تسمية تنضوي تحتها عدد كبير من الجماعات الشيعية او الايزيدية او الزرادشتية فبعضهم مثلا لا يختلفون في عباداتهم عن الشيعة العرب كما ان العلويين يحتفلون بعاشوراء وعيد الغدير ومولد الامام علي وعيد النوروز ( ولادة علي الحق)
إصلاحات العلمنة في جمهورية أتاتورك التركية كانت موضع ترحيب من قبل العلويين كخطوة لتحريرهم وخطوة أولى لتحررهم الاجتماعي. ليس غريباً بالتالي أن الانتفاضة الكردية ذات المسحة السنية الدينية التي قادها الشيخ سعيد في عام 1925، وقف ضدها الكرد العلويون في المنطقة. هذا لا يعني بأن القومية الكردية لم يكن لها أي تأثير بين العلويين. ولكن الخوف من التعصب السني كان أقوى من أي شعور قومي. بالمقابل انتفاضات الكرد العلويين ذات الطابع القومي (أولها في عام 1920 والتي قامت بها قبيلة كوجكري فقط، وأهمها فيما بعد بين 1937-1938 والتي شملت أجزاء كبيرة من ديرسم) لم تلقَ الدعم من الكرد السنة. لهذا كان الكرد العلويون دوماا أقرب إلى العلويين الأتراك منهم إلى الكرد السنة.
عندما بدأت السياسة التركية بالاستقطاب بدءاً من الستينات من القرن الماضي مال العلويون وخاصة الكرد في الطيف السياسي إلى اليسار الراديكالي. ثم تفاقمت العداوة السنية-العلوية نتيجة التنافس السياسي بين اليسار واليمين الديني التركي. أدى التحريض السياسي خلال السبعينات من القرن الماضي إلى عدد من الصدامات العنيفة بين السنة والعلويين والتي وصلت إلى قمتها خلال أحداث الشغب في (قهرمان) مرعش في 1978 حيث قُتِل أكثر من 100 علوي على يد المتطرفين من السنة.
في أيلول 1980 استولى العسكر على الحكم وحاولوا تخفيف التوتر بين السنة والعلويين من خلال تنظيم مهرجانات المصالحة وقمع الخلافات الطائفية. لقد تم التقليل من شأن الخلافات بين السنة والعلويين واشتكى الكثير من العلويين من محاولات الصهر من خلال بناء مساجد وتعيين أئمة سنة للقرى العلوية.
اضطهاد الهوية العلوية كان الأقسى في منطقة تونجلي. فمنذ انتفاضة ديرسم بين 1937-1938 ظلت الحكومة تنظر إلى ذلك الإقليم باعتباره القسم الأكثر تمرداً وعناداً من الدولة ومرتعاً ليس فقط للعلويين ولكن أيضاً للقومية الكردية وللمتعاطفين مع الجناح اليساري فيما بعد. فالأحزاب والمنظمات اليسارية بشقيها التركي والكردي كانت تستمد دعماً قوياً من هناك. ولطالما كانت تونجلي هدفاً رئيسياً للعمليات العسكرية لاستعادة القانون والنظام بعد انقلاب 1980 وتشهد حضوراً قوياً للبوليس منذ ذلك الحين.
مع ذلك استمرت الاحتجاجات العنيفة هناك والتي قام بها أنصار بارتيزان ( منظمة يسارية راديكالية ذات حضور في كل تركيا وجميع أعضاءها تقريباً ذات خلفية علوية) وحزب العمال الكردستاني PKK . أعلنت الحكومة عن خطط لتفريغ معظم قرى تونجلي وإعادة إسكانهم في أقاليم أخرى مختلفة ظاهرياً من أجل إعادة التحريج ولكن هذا لم يكن الا من أجل كسر روح التمرد لديهم.
وقد مارست الحكومة والقوى الدينية السنية أعمال عنف ضد العلويين بمحاكاتهم بالشيوعيين. ويذكر فيروز أحمد أن الحكومة تواطأت مع اليمين المتطرف والإسلاميين في الصراع الأهلي مع اليسار والذي اتخذ كما ذكرنا شكل صراع مذهبي بغطاء سياسي، وإن المذابح التي قامت بها الذئاب الرمادية هي الذراع العسكري لحزب العمل القومي (NAP) المشارك في الحكومة المذكورة كانت تتم تحت مقولات وشعارات يمينية دينية معادية لليسار ومركزة على العلويين، وهو ما اعتبره المناضل اليساري تسليم توره جزءاً من سياسة النظام السياسي والدولة التركية من أجل تحريك النزعات المذهبية الطائفية واستخدامها بصورة قصدية لإشغال الناس بنزاعات تفتيتية، بمواجهة مطالب الشعب في التحرر من التسلط والدكتاتورية وبناء دولة وطنية تعدّدية.
في 1990 تقريباً شهدنا تغيرا آخر في سياسة الحكومة تجاه العلويين. حيث الإهمال يفسح المجال لاعتراف رسمي بالعلوية كبديل عن الجناح اليميني في الإسلام. والاحتفالات السنوية بالقديس العلوي حجي بكداش والتي كانت في العقود السابقة تتحول إلى مهرجانات ثقافية معارِضة باتت تتلقى فجأة رعاية رسمية. وبدأت الثقافة العلوية تتلقى مديحا لغناه وامتلأت الصحافة بتقارير مطولة عن التاريخ العلوي، والعادات والتقاليد العلوية والروحانية العلوية والخلفية العلوية للأعمال الأدبية التركية...
تم طباعة ونشر كتب عن العلوية في سنة واحدة أكثر من كل ما سبق في نصف القرن السابق. وهذا يعكس ولكنه أيضاً يثير رغبة لدى الشباب العلوي للبحث عن جذورهم واعتزازا جديدا بهويتهم الدينية. لقد جاء الإحياء العلوي في جزء منه على الأقل من أعلى. وكما يراها منتقدو الحكومة فإنها تخدم عدة أهداف مترابطة في آن واحد.
ومع ذلك فان الأحزاب الدينية مثل حزب الرفاه (السابق ووريثه حزب العدالة والتنمية) مواقفهم متشددة تجاه العلويين وحتى المؤسسات الدينية الأخرى كرئاسة الشؤون الدينية (وهي بمثابة وزارة للأوقاف الإسلامية) ومجلس الإفتاء، وهناك تجاهل تام للمطالب العلوية في التمثيل في رئاسة الشؤون الدينية أو بتشكيل هيئة تمثيلية لهم تضمن حقوقهم الثقافية والدينية.
لكن الاهتمام المتجدد في البعد الثقافي والروحي للعلوية قد يؤدي بالشباب العلوي بالبعد عن الراديكالية اليسارية وبالتحديد عن حزب العمال الكردستاني ولكي يُستخدم العلويون كحجر عثرة أمام الإسلام السني الأصولي بينما التوكيد الجديد على الهوية العلوية سيُضعف الحركة الراديكالية التي يتمثل بها العلويون الكرد.
اخيرا في 4 أب 2012 نشرت جريدة نيويورك تايمز الأمريكية، حادثة وقعت في قرية علوية بمحافظة حكاري، حيث طلب سكانها العلويين من المسحراتي ألا يزعجهم لأنهم لا يصومون رمضان، أطلق عليهم سكان القرى المجاورة السنية الرصاص وهددوا بحرق منازلهم لطردهم من المنطقة لكفرهم. غضب العلويون من الموقف الطائفي لإردوغان، ومن تدفق المجاهدين الأجانب على جنوب تركيا باتجاه سوريا.

  • شارك الخبر