hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - مازن ح. عبّود

في الأرثوذكس وزيارة الرئيس فارس وسوريا والشرق

الثلاثاء ١٥ أيار ٢٠١٧ - 06:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

استقبل نائب الرئيس الأسبق للحكومة استقبال البطاركة الكبار والرؤساء في البلمند، وشعرنا كأنّ الأرثوذكس قد استعادوا زعيمهم المغيب بعد طول غياب. زعيم طربت له بكركي أيضا، وتسابق على كسب مودته وصداقته ورد الوفاء لعطاءاته الصغار والكبار، وقال فيه البعض شعرا حرّك الوجدان.

زيارته شكلت مادة دسمة للتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي. طبعا ليس الرئيس فارس بطريركا "زمنيا للأرثوذكس" ولن يكون لمن يعرف المزاج الأرثوذكسي، بل انه رجل سياسة له وجوده على الصعيد الوطني وعلاقاته الدولية، وله مناصرين وخصوما، استفاد منه كثيرون وتضرر من أداء فريق عمله كثيرون أيضا.
ومع زيارة الرئيس فارس لموطنه ومنطقته بعد طول غياب، نطرح العديد من التساؤلات:
أولها، هل انّ نائب رئيس الحكومة الاسبق اتى كي يبقى؟ ام انه اتى كي يمتحن الأرض فأستعرض قوته كي يذكر من يجب ان يتذكر بأنه وحده القادر على تحريك المؤسسات؟ وليس آخرها، كيف ستتعاطى معه المؤسسة الكنسية بعد عودته، هل كما استقبلته؟ وكيف سيتعاطى هو معها ومع الأرثوذكس؟ وهل يستطيع ان يحل ازمة الوجود الأرثوذكسي على الساحة الوطنية فيستعيدون التوازن؟
ومن ثم اسأل كمراقب، لما تزامنت زيارته مع طرح فكرة انشاء مجلس شيوخ؟ ام انه اتى بالصدفة؟ ولو إني اعتقد بانّ طرح انشاء مجلس شيوخ تشكل صفقة بيع وشراء سمك في البحر، استفاد منه من باعوا سمك البحر بأغلى الاثمان مع من يتحالفون معهم في لعبة البلد. والسؤال الأخير هو: "هل ما يلزم البلد لحل ازماته هو انشاء مجلس إضافي؟" ولو انّ انشاءه قد يأتي لمصلحة طائفتي.
إني اعتقد بانّ الحفاوة البالغة التي احيط بها الرجل عكست أيضا بعض الملل من القيادات الروحية الارثوذكسية من اداء وزراء الأرثوذكس ممن لم يستطيعوا ان يحافظوا على حقوق طائفتهم حتى في وزاراتهم، لا بل أضحوا يضحون بما توفر لهم منها لإرضاء من اتى بهم الى جنة الحكم. كما ام انّ الحفاوة هي حتما لإعادة الاعتبار لابن غادر بعد ان احسّ بانه غبن، والرئيس فارس بالفعل اشتهر بكرمه وشجاعته في العطاء وهو من كبار المتبرعين لجامعة البلمند وقد اتى كي يفتتح فرعها في بينو.
الأكيد بأنّ الطائفة الارثوذكسية هي بحاجة لدفع جديد وقد بدأت تفتش عن مخارج، ولعلّ عودة الرئيس فارس تؤمن بعض التوازن السياسي للحضور الأرثوذكسي على الصعيد الوطني بعد ان ترنح الحضور بفعل أسباب تتخطى نقص او ضعف الرجال.
قرأت خلال تتبعي الزيارة بكافة محطاتها بتمعن بأنّ ما بين سطور خطابات القيادات الكنسية وما وراء الاحتفالات همس، فكأنّ الرحم السياسي لطائفة الروم الأرثوذكس ما عاد يعمل بشكل جيد وكأنه صار ينقصنا رجال. وكأنّ ثمة حاجة لتظهير صورة الرئيس فارس، وكأنّ ما جرى كان لإلباسه عباءة زعامة الطائفة.
لكن، هل انّ مشكلة الأرثوذكس هي مشكلة تناقص الشخصيات ام انها تتعداها؟
اعتقد انّ المشكلة هي في مكان آخر، وهي ابعد من تكريس زعيم زمني يعيد الاعتبار للطائفة. فالأرثوذكس الذين ما كانوا يوما طائفة بل تلوينات سياسية وثقافية في البلد، بدأوا يتأثرون بما حولهم من تجاذبات طائفية. فعاد الكثير منهم الى حضن "الطائفة" فوجدوا كنيسة تقول وتصدح "مملكتي ليست من هذا العالم". عادوا فوجدوا طائفة طوائف يوجهها قائد روحي في لبنان او قائدين او ثلاثة او أكثر أحيانا يتقدمهم بطريرك، وهم بغالبيتهم لم يتمرسوا على فنون السياسة. وجدوا انّ في طائفة الطوائف المكتشفة حديثا من قبل الكثيرين العائدين ازمة. ازمة في تحديد الهوية الطائفية واولوياتها، وصعوبات في التموضع وفي بلورة الرؤية لتحديد المسار. وجدوا انّ ثمة غربة ما بين المكونات الطائفية تحتاج الى جهود من فوق كي تحل او كي تهدأ على الاقل. علّ صورة تأهيل مطرانية حماة بتمويل من الكرسي البطريركي وافتتاحها شكلت خطوة للحفاظ على ما تبقى من اهلنا في سوريا واعطت الصامدين بعضا من رجاء. صورة غطت على كل المهرجانات والاستقبالات التي تمّ نقلها مباشرة على الشاشات.
نعم، لقد عاد الكثير من الأرثوذكس في لبنان اليوم الى حضن الطائفة بعد ان شعروا بانّ الطوائف الكبرى تلغيهم والغت أفكارهم وبدأت تلتهم مكتسباتهم. وفتش أرثوذكس سوريا عن خيمة يلتجئون اليها بعد ان كشّر الوحش الطائفي عن انيابه في طريقهم الى منفاهم القسري.
شخصيا انا لست من دعاة الطائفية، ولا اريد لكنيستي ان تتقزم الى حدود الطائفة والمؤسسة، لكني اعتقد بانه لا يتوجب اهمال هذا الجانب الأساسي من حياة الناس في هذا الظرف. الناس يسألون اليوم عن أسباب تراجع أدوار طائفتهم التي لن اتطرق اليها في هذا المقال. لذا، فثمة حاجة لتطبيق البعض مما اقر في مؤتمرات ومجامع سالفة. المسألة ببساطة تتخطى موضوع عودة "الزعيم".
وبعد عرس زيارة الرئيس فارس والنشوة، ينعقد المجمع الانطاكي في البلمند في دورته الفصلية، وقد خطّ شهداء مصر وأطفالها المذبوحون لنا سلالما من نور الى فوق، وخطوا للمجمع بنودا من دماء وتحديات.
ومشهد مصر قابله مشهد إعادة افتتاح مطرانية حمص في سوريا، فشكلت الخطوة رسالة رجاء.
إني اعتقد بانّ موضوع عودة متمول او زعيم من الطائفة الى بلاده لمهمة وتعطي دفعا للحياة السياسية ولكياننا الطائفي، لكن الأهم هو عودة الرجاء الى قلوب المعذبين والمنكوبين في الأرض. فنحن من هواء هذا الشرق وشمسه وخضاره ورائحة ترابه، والحجارة تشهد والأرض تحكي. ومن الضروري ان يشعر الناس بأنّ كنيستهم معهم في كل حين، وقد قام البطريرك ببعض الخطوات في هذا الإطار.
أخيرا وليس آخرا، انّ نزف سوريا ودماء شهداء مصر واطفالها وقلق مسيحيي لبنان يسأل الإباء مع انعقاد المجمع: "هل ستكون دورتكم استثنائية بمضامينها ومقرراتها؟ هل ستكون استثنائية بتضامنكم والتفافكم حول شعبكم المنكوب في سوريا والقلق في لبنان، فتطلقون مسيرة الإصلاح؟ ام انّ الدينامية الحالية ستستمر ويتحوّل المجمع الى هيئة ناخبة يلتئم عند الضرورة ولقاء دوري لأقطاب كنسيين يجتمعون ويتعانقون لضرورات اللياقة الاجتماعية ولتأمين حسن استمرار المؤسسة الكنسية؟".
حتما الأيام ستعطي الإجابة، وبانتظار ذلك فلنصلي كي يغيّر من لا يتغيّر الوضع، فنشعر بانّ كنيستنا صارت أقرب الى يسوع الفقير والمشرد الذي اتكل عليه الصيادون الجهلاء والفقراء والضعفاء. فجهلوا بقوته معرفة الحكماء وغنى الأغنياء وسلطة الأقوياء. وعندها نصير ننطق جميعا لغة انطاكية واحدة، ننطق بالمحبة والرحمة والتواضع والغفران والرجاء.
 

  • شارك الخبر