hit counter script

الحدث - دافيد عيسى - سياسي لبناني

ارتفاع درجة القلق في لبنان والمنطقة بعد زيارة ترامب

الإثنين ١٥ أيار ٢٠١٧ - 06:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

مرحلة اميركية جديدة مفتوحة على المفاجآت -
تجتاز منطقة الشرق الأوسط واحدة من اصعب وادقّ المراحل في هذه الحقبة المضطربة منذ 11 سبتمبر 2001 تاريخ الهجمات المجرمة على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وفي الواقع تدخل المنطقة مرحلة اميركية جديدة مفتوحة على المفاجآت وتصفية الحسابات.
ان انكفاء الدور القيادي الأميركي عن المنطقة سياسياً وعسكرياً في عهد الرئيس السابق باراك اوباما انتهت مع نهاية عهده، ولم يتأخر الرئيس دونالد ترامب في تدشين مرحلة جديدة نشهد فيها عودة الولايات المتحدة الأميركية بزخم الى الشرق الأوسط من بوابتي السعودية واسرائيل وعودة الحرارة والثقة الى العلاقات الخليجية مع الولايات المتحدة وعودة العلاقات "الأميركية – الإيرانية" الى دائرة التوتر والى "مسار تصادمي" .
من الطبيعي ان تكون الأنظار اتجهت وشُخصت الى المملكة العربية السعودية التي شهدت عملية اطلاق الإستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة، وان تتحول الزيارة الى حدثاً دولياً - اقليمياً فريداً من نوعه لا بدّ وان يترك بصماته على اوضاع المنطقة لسنوات مقبلة، كما على ازماتها المعقدة والمترابطة والمرتبطة بالإرهاب، ومشاريع الإنقلابات الإقليمية او ما سمي يومها ب "الربيع العربي".
- نسف سياسات اوباما وتصفية ارثه السياسي ...
زيارة ترامب الى السعودية اعادت الإنخراط الأميركي الكبير مع الشركاء التقليديين لواشنطن في الخليج وذلك بعد سنوات من تركيز اوباما على الملف الإيراني، ويؤكد ترامب اكثر فأكثر ان واحداً من اهدافه الرئيسية يتمثل في العمل المنهجي على نسف سياسات اوباما وتصفية ارثه السياسي وبأسرع ممّا كان متوقعاً. وبالتالي فإن ترامب يحاول إقصاء نفسه عن سياسة التقارب تجاه ايران التي انتهجها اوباما، ويقف بقوة الى جانب الحلفاء التقليديين لأميركا معتبراً ايران مصدر عدم الإستقرار في المنطقة وانها استغلّت الإتفاق النووي غطاء لتعزيز نفوذها والتمدّد في المنطقة العربية.
وبدت زيارة ترامب بأنها ردّ على كل المرحلة السابقة وتصحيح لصورتين: صورة اميركا لدى قسم من الرأي العام العربي والإسلامي الذي حمّل اوباما مسؤولية التوسّع الإيراني والتحالف "الروسي – الإيراني" الذي "انقذ" النظام السوري.. وصورة السعودية لدى قسم من الرأي العام الأميركي والاوروبي الذي وجّه اصابع الإتهام اليها بأنها تدعم وتغذّي الفكر المتطرف والإرهاب.
اذا كانت "قمم الرياض" انتهت الى التوقيع على اتفاقيات وصفقات بمئات المليارات من الدولارات، لم نشهد لها مثيلاً في تاريخ العلاقات والإتفاقيات الدولية، فإن النتيجة السياسية تتمثل وتختصر في محاصرة ايران وكبح جماح نفوذها واصلاح الخلل في السياسة الأميركية السابقة ومحاولة إرساء الإستقرار في المنطقة على أسس وموازين قوى جديدة. والنتيجة ان ما حدث في اول جولة لترامب الى المنطقة وما تخلّلها من اتفاقيات ومواقف سيغيّر فعلاً قواعد اللعبة في المنطقة ويساهم في اعادة تشكيل المشهد الدولي.
- ناتو "عربي – اسلامي" تحت ادارة ورعاية اميركية...
ولعلّ ابرز ما تمخّضت عنه زيارة ترامب هو تأسيس تحالف عسكري يبدو أشبه بـ "ناتو عربي - اسلامي" وتحت ادارة ورعاية واشنطن التي لا تريد التورّط عسكرياً وبطريقة مباشرة وانما تريد ممارسة تدخّل اقوى عبر حلفائها الذين يتحمّلون التكاليف المالية وعبر جيوش المنطقة التي تحمي البلدان والأنظمة من اخطار الإرهاب والإنقلابات.
واما النتيجة المباشرة لمجمل هذه التطورات ومنحاها التصعيدي، فهو ارتفاع درجة التوتّر بين السعودية وايران واشتداد الصراع " الإيراني – السعودي " بدل انحساره وانتقاله الى ضفة الحوار والإنفراج، وهذا الوضع ينسحب في تأثيراته وانعكاساته السلبية على كل الساحات المشتركة التي لإيران والسعودية فيها مصالح وقوى ونفوذ، وهي ساحات اليمن والعراق وسوريا ولبنان ولكن بنسب متفاوتة وتبعاً لأهمية كل دولة في حسابات السعودية وايران.
هذا من دون ان ننسى التجاذب حول "الورقة الفلسطينية" والذي اشتدّ مع التحريك الأميركي لموضوع المفاوضات والإتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين. وبعدما عمدت ايران الى استخدام القضية الفلسطينية كجواز عبور الى العالم العربي ونجحت في ذلك خصوصاً وان هذه القضية كانت مهملة ومهمّشة في حسابات العرب، فإن ما تعمل عليه السعودية حالياً وبمساعدة اميركية هو انتزاع الورقة الفلسطينية من يد ايران والإمعان في محاصرتها سياسياً وشعبياً وذلك عبر الدفع بإتجاه الحلّ الأميركي تحت غطاء عربي وخليجي بالدرجة الأولى.
- ارتفاع درجة القلق والترقب في لبنان...
ولأن العلاقات "السعودية – الإيرانية" باتت على هذه الدرجة من التوتّر والحساسية المفرطة.
كان من الطبيعي ان ترتفع درجة القلق والترقّب في لبنان الذي فوجِئ بهذا المنحى التصعيدي الجديد بعدما كان ينتظر بفارغ الصبر تقارباً وحواراً بين السعودية وايران وكان ينتظر تطويراً وتعزيزاً للتسوية السياسية التي اوصلت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى قصر بعبدا واعادت رئيس الحكومة سعد الحريري الى القصر الحكومي والتي لم تكن لتحصل لولا "تقاطع" مصالح ومواقف السعودية وايران عند نقطة الإستقرار اللبناني وضرورة الحفاظ عليه.
في الواقع، أثار المناخ الذي احاط بالقمم الثلاث في الرياض الكثير من الحذر اللبناني لناحية التداعيات التي يمكن ان تنجم عنها خصوصاً وان العناوين التي حملتها استهدفت "حزب الله" الواقع تحت ضغوط متزايدة من جراء عقوبات اميركية وتصنيفات خليجية وتهديدات اسرائيلية. من هنا يسود قلق وتشاؤم لجهة ان يكون لبنان احدى الساحات التي ستترجم فيها مقرّرات هذه القمم وتوجهاتها، ما سيؤثر سلباً على الأوضاع السياسية والأمنية والإقتصادية الهشّة والتي لا تحتمل ضغوطاً اضافية، في وقت ما زال اللبنانيون يتخبّطون في معركة قانون الإنتخاب والإشتباك السياسي الوطني المتواصل فصولاً.
وإزاء هذه المستجدات والتطورات المتسارعة فإن القيادات والأحزاب اللبنانية مدعوة ليس فقط الى وضع حدّ لمهزلة قانون الإنتخاب وإقفال هذه الثغرة المفتوحة في جدار الوحدة والتوافق والتماسك، وانما هي مدعوة الى ما هو ابعد واعمق من قانون الإنتخاب الذي بات تفصيلاً في زحمة التطورات الإقليمية والى حماية وحدة لبنان ودوره وتحصين وضعه الداخلي امام تأجج الصراعات الإقليمية والدولية. ولا يكون ذلك الاّ عبر مراعاة وحفظ التوازنات الداخلية واحترام قواعد اللعبة الدقيقة، وعبر تحييد لبنان عن الصراعات والمحاور الإقليمية حتى لا يذهب "فرق عملة" ويدفع ثمن صراعات واوضاع لا علاقة له بها " ولا ناقة ولا جمل".
- المطلوب تنازلات متبادلة ...
في الختام وبقدر ما يتطلب الأمر إطفاءً لكل بؤر التوتر السياسي والطائفي، فإنه يتطلّب مبادرات شجاعة وتنازلات متبادلة، من هنا فان المسالة لم تعد مسألة قانون انتخاب والسقوط في هاوية الفراغ، وانما مسألة وطن والسقوط في هاوية الصراع الإقليمي و"لعبة الأمم".
 

  • شارك الخبر