hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - خالد موسى - المستقبل

نصير الأسعد.. "بيك الإنسانية" الحاضر دوماً

الأحد ١٥ أيار ٢٠١٧ - 06:30

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

قليلٌ هم من طينة البيك نصير الأسعد، المناضل والمقاوم الذي لم يعرف يوماً الهزيمة أو الاستسلام أو الانكسار. هو من القلائل الذين لم تغرهم المناصب ولا الكراسي ولا كانوا من أولئك الباحثين عن النفوذ ولا المنتظرين لأي مناسبة لاستخدام النفوذ والسطوة، بل كان هو من يصنع الموقع لا العكس. وكان الموقع بالنسبة إليه هو القرب من نبض الناس وحقوقها وقضاياها لا البرج العاجي البعيد عن الناس. لم يعرف يوماً التعب، بل كان يغادر موقعاً نضالياً ليحتل موقعاً أصعب وأكثر قابلية لتطوير طاقات وقدرات الناس نحو الفعل السياسي الثوري التغييري الحقيقي. كان نصيراً لقضايا الفقراء ولم يعرف سوى لغة الحوار والعقل والحب العميق لقضايا الناس المستضعفين فكان الناطق باسمهم والحامل لقضاياهم من منبر إلى آخر ومن صحيفة إلى أخرى.

لم يستسلم البيك لمصاعب الحياة يوماً ولم يقرر التقاعد وأخذ قسط من الراحة عندما بدأ المرض رحلته مع الجسد، ولم يتهرب يوماً من مسؤولياته المهنية والوطنية، فهو الذي كان دوماً يواجه الباطل بالحقائق والموت بالتمسك بالحياة والإصرار على البقاء والسير في طريق جللة الحياة والوطن حتى الرمق الأخير. إلا أن قلبه خانه ولم يسعفه في اللحظات الأخيرة قبل خمس سنوات، مبعداً إياه عن رفاق الدرب منذ أيام الجامعة والحركة الطلابية ورفاق السلاح في منظمة العمل الشيوعي ومنظمة التحرير الفلسطينية وعن الزملاء والرفاق في تيار «المستقبل» و«قرنة شهوان» و«14 آذار».

بالأمس حلت الذكرى الخامسة على رحيل «البيك المقاوم»، الذي كان مناضلاً صلباً على طريق الحرية والعدالة، كما تصورها وآمن بها، فدخل غمار الحرب اللبنانية على أساس تلك القناعات. ولكنه كان أيضاً من أوائل الذين اكتشفوا عبثية تلك الحرب، وأقدموا على مراجعة ذاتية في العمق. ولم يهدأ البيك منذ ذاك الحين في جهود الحوار والتواصل، مقاوماً على طريقته احتلالين «سوري وإيراني»، ومتطلعاً مع أقرانه في «قرنة شهوان» و«انتفاضة الاستقلال» إلى تحريرٍ كامل واستقلالٍ ناجز.

وبما أن الاستقلال لا يتحقق إلا عبر الوحدة الوطنية، لا سيما «الإسلامية – المسيحية»، فقد انخرط في ورشة التفاهم الوطني، بمستوياتها الظاهرة والخفية، وصولاً إلى انتفاضة الاستقلال في الرابع عشر من آذار 2005. وقبل بزوغ «انتفاضة الاستقلال»، سبق البيك الكثيرين في تأييده لبيان مجلس المطارنة الموارنة الشهير في عام 2000 وكان جسر الوصل بين لقاء «قرنة شهوان» والرئيس الشهيد رفيق الحريري.

كان قلمه متميزاً بوضوحه وجرأته وعمقه ومقارباته العلمية التحليلية التي كانت تشكل مادة أساسية تلجأ إليها مروحة واسعة من القوى السياسية لتقوية حجتها وتعزيز منطقها وتصليب موقفها. لم يعرف البيك يوماً المساومة على الحق والحقيقة، وكل همه كان تسمية الأشياء بأسمائها بغية تسليط الضوء على الخلل، أي خلل، أكان في الجسم الوطني أو الاستقلالي.

جّدد الحياة السياسية لمجموعة كبيرة من المناضلين والمقاومين بعدما كادوا أن ييأسوا من البلد وحاله، وزرع فيهم روح التحدي والمُكابرة على الأوجاع، وجدد الفكر اليساري وأدخل عليه مفهوم العمل للمستقبل مع عضويته في «المكتب السياسي لتيار المستقبل» وكذلك في المكتب التنفيذي والأمانة العامة مسؤولاً عن منسقية «التثقيف وإعداد الكوادر» وهو الذي يحمل في جعبته الكثير الكثير من التجارب لينقلها إلى الآخرين.

خمس سنوات عجاف، خسر فيها الرئيس سعد الحريري ومعه وليد جنبلاط وأمين الجميل وسمير جعجع وكافة قيادات انتفاضة الاستقلال الثاني «أخاً عزيزاً وصديقاً وفياً ورفيق درب وهب حياته للدفاع عن قيم العدالة والحرية والحق. وهو الذي وقف بقوة وعزم لا يلين نصيراً لمسيرة الاستقلال والسيادة والحقيقة والسلام الوطني في مواجهة مشاريع الهيمنة والتبعية والاسترهان للآخرين»، بحسب ما نعاه الرئيس الحريري يومها.

في ذكرى صديقه ورفيق الدرب الذي عايشه منذ المدرسة وطيلة المشوار النضالي المقاوم، يتحدث الباحث والمحلل السياسي الدكتور سعود المولى عن نصير الأسعد، ويشير في حديث إلى «المستقبل» إلى أن «ثلاثة لم أكن أستحي بمناداتهم يا بيك: وليد جنبلاط وسمير فرنجية ونصير الأسعد، فهم ثلاثة بكوات «حمر» تركوا كل شيء من أجل النضال في سبيل الحقيقة والعدالة في حياة البشر».

ويلفت إلى أن «البدايات مع نصير كانت عندما أسسنا معاً ومع رفاقنا في منظمة الاشتراكيين اللبنانيين- لبنان الاشتراكي (التنظيم الموحد الذي صار لاحقاً منظمة العمل الشيوعي 1971) وهو الذي صار أهم منظمة طلابية جماهيرية لسنوات السبعينات، وفيها برزت ثلة من الشبان الحالمين بلبنان أفضل: حكمت العيد ونصير الأسعد ومختار حيدر وغيرهم، وكان نصير أحد أبرز قيادات الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية لسنوات 1973-1975، وأحد أبرز قيادات منظمة العمل الشيوعي خلال أصعب سنوات ومراحل النضال إلى جانب محسن ابراهيم».

ويستذكر «كيف شارك البيك في تأسيس اللقاء الشيعي اللبناني وحمل منذ ذلك الوقت همّ البحث عن مخرج تاريخي للأزمة الشيعية من خلال الاندراج في العمل الوطني المتكامل عبر مسيرة 14 آذار، التي رأى فيها خلاص لبنان وبالتالي خلاص الشيعة أنفسهم من كل ما عانوه ويعانونه من خوف وتهميش ومن مصادرة واستئثار»، مشدداً على أن «اليوم يغيب نصير وتغيب معه قامة وطنية كبيرة وقلم حر مستنير وفكر متوهج وقاد ووثاب وتغيب معه سطور من ملحمة نضالية تاريخية شارك هو في بنائها وكانت مرحلة جميلة من تاريخنا عبرناها معاً بكل الآمال والآلام».
خالد موسى - المستقبل

  • شارك الخبر