hit counter script
شريط الأحداث

الحدث - دافيد عيسى - سياسي لبناني

"اتفاق معراب" غير مبني على ارضية صلبة وهو في خطر

الإثنين ١٥ أيار ٢٠١٧ - 06:08

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

عند توصّل "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" الى اتفاق طوى صفحة الماضي الأليم وفتح صفحة جديدة من التعاون والتنسيق بدءاً من الإستحقاق الرئاسي، هلّل قسم كبير من المسيحيون لهذا الإتفاق واستبشروا خيراً وعوّلوا عليه.
فقد كان المسيحيون بحاجة ماسّة بعد كل هذه السنوات العجاف والخيبات الى انتصارات وانجازات. وكان المسيحيون يعرفون تمام المعرفة ان السبب الرئيسي الذي جمّد تقدّمهم وكان يشدّهم الى الوراء لسنوات يتعلّق بهم وبالخلاف المستحكم بين اكبر حزبين على ساحتهم، وان لا مجال للخروج من هذا المأزق الا بتصفية رواسب الماضي وإلغاء اجواء الحقد والكراهية.
ولكن "الإتفاق" الذي اوصل الرئيس العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، واعاد القوات اللبنانية الى الحكومة مع كتلة وزارية، توقف عند هذا الحدّ، تماماً مثلما توقفت التسوية السياسية على مستوى البلد عند حدّ انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة ولم تنتج حتى الآن قانوناً جديداً للإنتخاب.
الإخفاق في موضوع قانون الإنتخاب لا يتحمّل المسيحيون لوحدهم مسؤوليته. فهذا الموضوع شائك ومعقّد ويتعلّق بتوازنات سياسية وطائفية دقيقة في البلد وبصراعات متعددة الأوجه ابرزها الصراع "السنّي – الشيعي".
ولكن كل هذا لا ينفي ولا يلغي واقع ان "الثنائي المسيحي" لم يحسن ادارة ملف التفاوض حول قانون الإنتخاب كما يجب. وليس المجال هنا للخوض في نواحي التقصير والأخطاء التي كان يمكن تلافيها وابرزها عدم اتفاق "القوات والتيار" على مشروع موحد لقانون الإنتخاب منذ البداية بدل التنقّل من مشروع الى آخر وحصول اصطدام وعدم انسجام في احيان كثيرة ومنها ايضاً عدم مبادرة "الثنائي المسيحي" الى توسيع دائرة التشاور والتنسيق على الساحة المسيحية بحيث لا تبقى قوى واحزاب اساسية مثل "الكتائب والمردة" وغيرهم اضافة الى المذاهب المسيحية الاساسية الآخرى خارج هذه العملية السياسية التي تعني كل المسيحيين في وجودهم ومستقبلهم السياسي والوطني.
يمكن للمسيحيين وبصعوبة ان يتفهموا عدم التوصل الى قانون جديد للإنتخاب وان يغفروا لقادة الاحزاب المعنية باتفاق معراب ما حصل من اخطاء وهفوات في هذا المجال، لأسباب خارجة عن ارادتهم او لظروف اكبر منهم، ولكن ما لا يمكن للمسيحيين ان يتسامحوا ويتساهلوا فيه هو رؤية الإتفاق بين "التيار والقوات" يتراجع بدل ان يتقدّم، وتنخره الشكوك بدل ان تتعزّز فيه الثقة، ليتبيّن ان هذا الإتفاق غير مبني على ارضية صلبة وعلى صخرة ثابتة وانما على ارضية هشّة وعلى رمال متحرّكة، وكأنه صمّم لظرف معيّن هو الإستحقاق الرئاسي وحقق هدفه بإنتخاب الرئيس عون وقيام حكومة للثنائي المسيحي فيها ثقلاً وزارياً يفوق "الثلث المعطّل".
اذا كان الإتفاق "اتفاق مصالحة" فقط ولم يتطوّر ويتقدّم سياسياً، فإنه سيكون عرضة للتآكل وسيضعف مع الوقت وتنتهي مفاعيله عاجلاً ام آجلاً. واذا كان اتفاقاً معمولاً لظرف او مرحلة فإنه سيكون سبباً لإحباط وخيبة عند المسيحيين بعدما وُضعوا في اجواء انه اتفاق للمستقبل، وابعد واعمق من موضوع رئاسة الجمهورية وان له هدفاً ثابتاً هو تحسين وضع المسيحيين وتصحيح المسار السياسي والوطني مما يؤدي الى تحقيق الشراكة الفعلية في الحكم. وعلى هذا الأساس جرى إضفاء الطابع والبعد الإستراتيجي على هذا الإتفاق والتعويل عليه لنقل الوضع المسيحي من ضفة الى اخرى. ومن هذه الخلفية لقي "اتفاق معراب" دعماً وتأييداً مسيحياً عارماً.
ولكن التأييد لهذا الإتفاق لم يعد في مستواه الأول لأن الإتفاق نفسه لم يعد في مستواه الأول وما كان عليه من زخم ومصداقية عند انطلاقته. واذا وضعنا قانون الإنتخاب جانباً لوجدنا ان خلافات وتباينات كثيرة ادّت الى اهتزاز "التحالف الثنائي" والى اهتزاز الثقة به، وعلى سبيل المثال لا الحصر ما حصل في انتخابات نقابة المهندسين من سوء تفاهم وخلاف أوصل إلى تعارض بين النقيب الجديد ومجلس النقابة. وما حصل في التعيينات الإدارية والأمنية التي لم تعطَ فيها القوات بقدر حجمها السياسي والوزاري، وما حصل اخيراً في موضوع الكهرباء حيث كانت القوات اللبنانية في طليعة القوى المعارضة لخطة الكهرباء وكيفية تنفيذها من جانب وزير الطاقة المنتمي الى التيار الوطني الحرّ. وهذه المعارضة وعملية التصدّي من جانب القوات وفّرت الغطاء لخصوم التيار للهجوم على وزرائه وعلى الخطة التي أقرّها مجلس الوزراء. وبغضّ النظر عن احقية وصوابية الملاحظات التي طرحتها "القوات" وعن مقاصدها الإيجابية، فإن الإنعكاسات كانت سلبية على المستوى المسيحي وجاءت الصورة على الشكل التالي: في عزّ معركة سياسية مصيرية مثل قانون الإنتخاب، يتلهّى المسيحيون بمعارك جانبية وفي خضمّ الحملة المفتوحة على الفساد من قوى المجتمع الوطني، توجّه القوات الى وزراء الإصلاح والتغيير، تهمة التقصير والإهمال وسوء الإدارة والتسبّب بهدر المال العام.
في الواقع حصلت اخطاء متبادلة في الأشهر والأسابيع الماضية وكل طرف اخطأ في حق الطرف الآخر وأساء في مكان ما التصرّف او التقدير، وهذا المناخ الذي يدفع الى التساؤل والتشكيك بثبات الإتفاق وديمومته ونتائجه، هو ما يزعج المسيحيين ويستفزّهم ويحبطهم من جديد.
اقولها هنا وبكل صدق وصراحة متوجهّا الى قائديّ التيار والقوات: ان المسيحيين اعطوكما مجدداً ثقتهم وفرصة ثانية متجاوزين كل الماضي المرير وطعم الخسارة المرة التي ذاقوها بسبب خلافاتكم، وهذا نادراً ما يحدث في التاريخ، فلا تخيّبوا آمالهم مجدداً ولا تعودوا الى خلافاتكم سواء كانت سياسية او "تقنية". واعلموا ان اتفاق المصالحة "اتفاق معراب" لم يعد ملكاً لكما وحدكما وانما صار ملك المسيحيين الذين لا يتقبّلون تفريطاً ومسّاً به وبالتالي فإنكما تورّطما في اتفاق لم يعد فيه مجال للعودة الى الوراء وليس فيه مجال الا التقدّم الى الأمام لأنه اتفاق الفرصة الأخيرة، الفرصة الأخيرة ليست للقوات والتيار فقط وانما لكل المسيحيين احزاب وقيادات الذين يدركون قلقين انه اذا ضاعت هذه الفرصة لن تتكرّر مرة ثانية واذا لم يحصلوا على حقوقهم اليوم، واولهما حقّهم في قانون انتخاب يعطيهم القدرة على اختيار من يمثلهم، لن يحصلوا عليها في اي يوم. لذلك وُجب عليكم الإنصات الى مخاوف وقلق الناس والرأي العام والخروج من حالة الإتفاق الرمادي في لونه، الفاتر في درجة حرارته وليكن اتفاقكم وكلامكم نعم نعم او لا لا ...
 

  • شارك الخبر