hit counter script

مقالات مختارة - علي الحسيني - المستقبل

12 عاماً «سيادة وحرية واستقلال»

الخميس ١٥ نيسان ٢٠١٧ - 06:19

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لم يكن انسحاب جيش النظام السوري من لبنان في السادس والعشرين من نيسان 2005، حدث عابر في تاريخ لبنان واللبنانيين ولا مجرد أمر تفصيلي يمكن المرور عليه من دون التوقف عنده مليّاً من عدة زوايا واتجاهات. بل هو تاريخ مفصلي مهدت له دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فكانت بداية الطريق لاستعادة وطن من زمن غربة واحتلال ووصاية بأبشع صورها. تاريخ تختلط فيه الذاكرة بين الحزن والفرح، بين الحقيقة والحلم. حقيقة شعب خرج إلى النور ليهتف للحرية، وحلم بعدالة دولية أصبحت قاب قوسين أو أدنى من إصدار حكمها النهائي.

انسحاب الجيش السوري في العام 2005 كان بداية طريق لاستعادة الامل بالغد، وإستعادة الوطن الصغير استقلاله وسيادته وعنفوانه .أمور كثيرة تغيّرت منذ الإنسحاب ولغاية اليوم. مراحل حملت الى اللبنانيين الأفراح تماماً كما حملت اليهم الأحزان. هو يوم سطّره التاريخ اللبناني الحديث كأبرز محطات النضال التي انتصرت فيها الضحيّة على جلاّدها، فكان قرار لبنان بأن يُخرج من أرضه أكثر الجيوش التي وطأت أرضه وعاثت فساداً وقتلاً ورعباً، جيش يقوده نظام لم يراعِ حرمة الجيرة، ولاحقاً لم يرأف بأطفال شعبه. انتهك السيادة وزرع الموت في كل بيت، تماماً كما يفعل اليوم في بلاده، لكن الخروج، أو الإندحار، كان ثمنه كبيراً، ثمن بحجم وطن اشتمّ هواء الحرية بعدما روت دماء قادته ترابه وزرعت فيه روح النضال وأهدته إلى طريق الإنتصار.

من الرابع عشر من شباط 2005 الى السادس والعشرين من نيسان العام نفسه. تاريخ لن ينساه اللبنانيون وسيظل يتردد داخل كل لبناني حرّ، فمن خلاله عبر الأحرار إلى يومهم المشهود وإلى شمس حريتهم وهم يهتفون للسيادة والحرية والإستقلال. في التاريخ الأول اغتالت يد الحقد والإجرام أحد أهم وأكبر العظام الذين مرّوا بتاريخ البلد، أمّا في الثاني، فقد خرج نظام الوصاية السوري من أرض الأرز مذلولاً مُنكّس الرايات يجرّ وراءه أذيال الخيبة. خرج كمحتل وغاصب لأرض لبنان على الرغم من أنه كان فرض في العام 1991 على لبنان معاهدة أطلق عليها معاهدة «الاخوة والتعاون والتنسيق» نصّت على أن لا يكون لبنان مصدر قلق لسوريا، لكن هذه الأخيرة تحوّلت بفعل حكم هذا النظام، الى مصدر قتل للبنان وفتك بأبنائه، فجاء الخروج على شاكلته وليُغادر معه آخر عنصر شاهد عى زمن القتل والغدر والخيانة.

«فرع الأمن والإستطلاع في القوات العربية السورية العاملة في لبنان». تحت هذا المُسمّى حكم آل الأسد لبنان بالتعاون مع بعض اللبنانيين الذين باعوا أنفسهم له، وما زالوا يوالونه حتّى اليوم على الرغم من الإجرام الذي مارسه بحق لبنان وشعبه، وما زال يُمارسه بحق الشعب السوري. تحت هذا العنوان قُتل آلاف اللبنانيين والمئات منهم ما زالوا مجهولي المصير. فمن عنجر إلى البوريفاج كان النهج واحداً وكان طريق الموت واحداً، لكن المُفارقة أن هؤلاء الذين تسيّدوا طريق الذل والقتل طيلة فترة حكمهم للبنان، عادوا وقُتلوا بأبشع الطرق على يد أسيادهم، والمفارقة أن حاكم «البوريفاج» رُستم غزالة، «نُحر» بتاريخ 26 نيسان 2015.

ويجوز القول انه في الذكرى الثانية عشرة لإقفال الحدود اللبنانية ـ السورية وراء آخر جندي سوري يُغادر لبنان، ثمة أمور ما زالت مُتشابهة خصوصاً أن الوصاية ما زالت على حالها بعدما انتقلت من حزب «البعث» إلى حلفاء النظام جميعهم، وما زال نظام الأسد يُمارس هواية القتل نفسها، أمّا إدارة ملفات الإرهاب، فقد انتقلت هي الاخرى من عنجر والبوريفاج إلى مقر السفارة السورية في الحازمية والتي تُدير عمليات خطف مواطنين سوريين وتوزيع الأدوار على حلفاء يقفون في «الطابور» على أبوابها، بعدما تحوّلوا الى داعم أساسي يُساندونها في عمليات التشبيح والقتل والذبح والتشريد تحت إمرة النظام في سوريا، بحق الشعب السوري وبمختلف فئاته.

بين العامين 2015 و2017، عمل النظام السوري كلّ ما يُمكن فعله من أجل أن لا يكون هناك أيّ ارتباط بين خروجه من لبنان والوضع الداخلي في سوريا، وهو الذي لا يكف عن إلهاء اللبنانيين بالداخل اللبناني عن طريق التفجيرات التي تستهدفهم بهدف إثارة النعرات المذهبية والطائفية. ومن هنا، يُمكن الدخول الى ما يجري اليوم في سوريا. فالقصة نفسها والجلاّد نفسه، والضحية هي الشعب مجدداً، ولا فرق إن كان لبنانياً أو سورياً. وبين التاريخين يبدو أن نظام القتل، لا يُريد أن يُقرّ أو يعترف، أن الشهيد رفيق الحريري الذي تآمر بشّار الأسد على قتله ونفّذ به حكم الإغتيال والذي كانت دماؤه السبب الأبرز في ما وصل اليه اليوم، لم يكن بحجم دولة فقط، بل كان بحجم دول، وأن طريقة الإغتيال أيقظت ضمائر العالم فيما ظل ضميره هو نائماً وغائباً عن السمع، لا تهزه دماء الأطفال ولا تُحركه مشاهد الجثث والأشلاء التي تنشرها طائراته ومجازره الكيماوية داخل المدارس والجامعات وعند أبواب المستشفيات والأفران.

ظلّت سوريا ممسكةً بالساحة اللبنانية رغم خروجها من لبنان، إلى أنّ أتت الثورة السورية، فزعزعت النظام وهزّت أولوياته واهتماماته وأشغلته في الداخل السوري حتى انهكته وأضعفته. لكن على الرغم من ضعف بنيته وتآكله من الداخل والخارج، ظل لبنان بأمنه وأمانه هدفه الأبرز. نظام مارس عمليات غدر وقتل استهدفت نُخبة من رجالات لبنان، سياسيين وأمنيين وعسكريين سواء بشكل مباشر أو من خلال جماعاته. كما تشهد معركة نهر «البارد» على حقد النظام ودعمه للإرهاب في وجه الدولة اللبنانية وتحديداً الجيش اللبناني. ويُضاف إلى جرائمه، تلك التفجيرات التي سعّرها، ولا سيما في مسجدَي «التقوى» و»السلام» في طرابلس، وقتل فيهما المصلين الأبرياء، واستتبعهما بمحاولات لزعزعة الأمن وزرع الفتنة المذهبية والطائفية من خلال متفجرات ضُبطت في اللحظة الاخيرة في منزل الوزير السابق ميشال سماحة، وكان قد نقلها بسيارته الخاصة من سوريا وهي القضية التي عُرفت بملف «سماحة – مملوك.

اليوم، وفي ما يتعلق بالوضع اللبناني الداخلي بعد مضي 12 عاماً على خروج هذا النظام من لبنان، يجب على الأحزاب اللبنانية الحليفة له بشكل رئيسي، أن تُلاقي خيار الدولة في منتصف الطريق وأن تمدّ يد المساعدة لبناء لبنان ومؤسساته والإكتفاء بالإنخراط باللعبة السياسية الداخلية فقط، لا أن ترهن نفسها لمشاريع خارجية لا تعود عليها سوى بالقتل وبتأجيج الصراعات المذهبية. فها هو النظام السوري بجبروته وتعنّته وإجرامه وحقده، يشهد للمرة الأولى في تاريخه، ثورة شعب لن تنطفئ ولن تهدأ، قبل أن تقتلعه من جذوره حتى ولو حصدت المزيد من أبنائها. ولعل هذه الثورة، قد تكون عبرة لأحزاب هي مُجرّد وقود لمشاريع كبيرة تتخطى أمكنة وجودها وحجمها.
علي الحسيني - المستقبل

  • شارك الخبر