hit counter script

الحدث - ربيع الهبر

تحية للمفتي مالك الشعار...

الثلاثاء ١٥ نيسان ٢٠١٧ - 06:09

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يبدو للمرء وبخاصة في لبنان انه متقوقع في عالم صغير، عالمه هو، الذي تربى فيه والبيئة التي احتضنته منذ صغره. ومع تقدمه في العمر يلاحظ ان عالما آخر يتحكّم في حياته لأنه وجد في هذه البقعة من الارض، لا يستطيع ان ينفصل عنها ويجعل عالمه على هواه. ومع تقدمه ايضا وايضا، يسعى جاهدا الى التأقلم مع واقعه فيستهويه ما يستهويه ويرفض ما يرفض... وينشأ بتأثير من محيطه، من مؤثرات منها الديني ومنها المذهبي ومنها الاجتماعي ومنها الطبقي حتى يتأثر باللازمة الكاذبة التي تمجّد وتنشد بالعيش المشترك والوحدة الوطنية وبلبنان الموحد وبسياسة الانفتاح وقبول الآخر والغرام اللامتناهي بين اطياف الطوائف واطراف الوطن.

منذ صغري، لم أكن ذلك الانسان المتعلق بالدين. لم أخبر نفسي يوما ممارسا له. وقد استهواني يوما كتابا قرأته لمرات عدة، عنوانه "هذه وصيتي" لأحد كبار قومنا "كمال جنبلاط" حيث قال في معرض سرده "إنما بيوت الله في قلوب المؤمنين". لم أمارس الدين إنما مارست احترام الغير والتقوى وكثيرا من الاعمال التي اتسمت بالنيات.
منذ صغري استهواني رجال الدين لا رجال المذاهب والطوائف. رجال الدين المنفتحون الذين يمارسون الدين للانسان وليس للطوائف والسياسة. رجال الدين الذين يعملون للّبناني، اللبناني الحقّ بعيدا عن الطائفية والمذهبية، اللبناني العادل والوطني والمدافع والمقاوم وصاحب الحق والفاعل بالقانون، والمتسم بالانضباط والمفعم بالوطنية. اللبناني البعيد عن السمسرة والمزرعة والزبائنية والرشوة والاستزلام والتبعية والخيانة والعمالة. اللبناني الحقيقي المتجذر بالأرز الذي اتخذ طائفة له ومذهبا اسمه "لبنان".
استهواني منذ صغري الامام موسى الصدر بانفتاحه ولبنانيته وعصاميته وسياساته -لا سياسته- ودفاعه عن الوطن الوطن، والوطن المواطن. استهواني آباء مسيحيون ومطارنة كذلك الشيخ المطران المعتصم جورج خضر الذي لم يغير من قناعاته ولم يدخل او يتدخّل بالسياسة يوما.
استهواني هؤلاء الموارنة النساك في وادي قنوبين مرتع الابطال والرجال، مرتع الشهامة، ضلوع الأرز الذين لم يثنيهم لا محتل ولا غاصب ولا كافر عن قناعاتهم يوماً، وجبروتهم وايمانهم ووطنيتهم.
ولطالما استهوتني عمامة بيضاء اعتمرها أحد شيوخنا الأجلاء، سماحة مفتي الشمال مالك الشعار. نظرت دائما الى هذا الرجل الكبير، الذي لم التق به في حياتي، فتابعته تكرارا ومرارا عبر وسائل الاعلام وقرأت ما كتب، فوجدته من الطينة الخام من هذا الوطن.
قليلون هم امثاله، من الطينة النبيلة الوطنية الصرف، الذي يفرق الانسان عن الانسان بوطنيته، لا اكثر. ولطالما حسبته هكذا حتى ذلك اليوم الذي التقيته عند اصدقاء لطالما احببتهم في بيت مسيحي ماروني تربى على نفس المبادئ الوطنية، الوطنية الصرف.
لم أكن أعرف أن سماحة مفتي الشمال، إضافة الى كونه مرجعا في الإسلام والقرآن الكريم، مدرسة أخرى في ترجمة المحبة والتسامح والدين الى وطنية. وكيف ينتقي إجاباته من القرآن الكريم ليدافع عن الإنسان وعن المحبة وعن الإيمان وعن التسامح وعن اعتراف الند بالند، والانسان بالانسان، من باب الاسلام كمنطلق لثبات المجتمع.
بعد لقائي الطويل مع هذا الرجل لبضعة ساعات، اكتشفت وتيقّنت، مرّة أخرى، أنه لبناني في الحياة، ولبناني الانفتاح، ولبناني في ممارسة الاسلام الصحيح، فيقبل بالمساواة والتضامن والانفتاح والايمان، يؤمن بلبنان موطنا لجميع المضطهدين ولكل الاقليات ولجميع الاشخاص والمذاهب.
حاولت جاهدا يوم الجمعة الفائت ان اصل الى الفيحاء طرابلس لأشارك حاضرا في ندوة حول كتاب "المفتي مالك الشعار، رجل الاعتدال والحوار" ولكنني لم أتمكن بسبب زحمة السير. غير انني كرمته وحيدا بقناعتي، شاركت بحفل النقاش الذي يرتقي الى التكريم بأيماني به وبأمثاله، وسأكرمه كل يوم هو وأمثاله، هو وأمثاله الذين يبقون الدعامة والمدماك الأساسي في وطننا الحبيب لبنان.
للمفتي الشعار، الف مبروك الكتاب والتكريم بالامس، وكل تكريم مقبل، هذا التكريم المستحق عن حق...
 

  • شارك الخبر