hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - د. ناصر زيدان

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

الإثنين ١٥ نيسان ٢٠١٧ - 06:29

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الانباء

يُعتبر الدستور اللبناني الذي وُضِع عام 1926 وعُدِل في العام 1943 وفي العام 1990؛ من اهم الدساتير في دول المنطقة، لأنه واضح في صياغتة للمُحددات العامة لهوية البلاد، وطبيعة نظامها السياسي الحر، ولناحية حفظ حقوق الإنسان وصيانة الحريات العامة، لاسيما الحريات الدينية، كما انه يُنظِّم على شاكلة معقولة دور السُلطات في الدولة. لكن بعض المواد المُتفلِّتة من الضوابط، تخلق بعض المُشكلات من حينٍ لآخر، وقد تجرُّ الاوضاع الى إختلالٍ كبير إذا ما تمَّ إستغلالها لإحداث شرخ بين المؤسسات، او انها قد تؤدي الى تعطيل الدولة برمتها في بعض الحالات فيما لو كانت الاجواء السياسية مشحونة. وبالتالي فإن هذه المواد تحتاج الى تفسير واضح يُلغي الإلتباسات القائمة حولها.

عاشت البلاد اكثر من عامين ونصف العام من دون رئيس للجمهورية، علماً ان المادة 74 من الدستور تنص على واجبات مجلس النواب الشروع فوراً بإنتخاب رئيس دون إبطاء عند شغور المنصب، ولا يمارس المجلس اي عمل تشريعي آخر قبل إنتخاب الرئيس. وهذا ما لم يحصل خلال الفترة المذكورة اعلاه، لأن المادة 49 من الدستور، لم تُحدِد نصاب جلسة انتخاب الرئيس بشكل واضح، بحيث ذكرت ان إنتخابه يحتاج الى تأييد ثلثي عدد النواب في الدورة الاولى، والنصف + واحد منهم في الدورة الثانية، من دون ان تذكُر النصاب المطلوب للجلسة الثانية التي يتم فيها الإنتخاب بالاكثرية، مما فتح باب للإجتهادات ( لاسيما رأي البطريرك نصرالله صفير عام 2008 وتبناه الرئيس نبيه بري) والقول ان النصاب يجب ان لا يقل عن حضور الثلثين، وهذا الحل لم يُبنى على قاعدة دستورية واضحة، بل دفعت اليه الاجواء السياسية الداكنة التي كانت تسود البلاد، وبالتالي تمَّ إعتماده منعاً لإندلاع إضطرابات.
وهذه المادة الهامة من الدستور ذاتها، لم تفرض على النائب الزامية حضور جلسة الإنتخاب، وخلو مواد الدستور من وجوب حضور النائب جلسة الإنتخاب؛ كاد يؤدي الى إنحلال الدولة.
ومناسبة إثارت هذه الاشكاليات في الدستور اللبناني اليوم؛ هو القرار الذي إتخذه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفقاً للمادة 59 من الدستور، والقاضي بتعليق إنعقاد جلسات مجلس النواب في دورته الربيعية العادية ولمدة شهر تنتهي في 13/5/2017، اي قبل 17 يوم من نهاية دورة المجلس، علماً ان صلاحية المجلس المُمددة للمرة الثانية، تنتهي هي ايضاً في 20 يونيو. وهذه المادة، ( اي 59) جاء ترتيبها في نص الدستور بعد المادة 54 التي تفرض توقيع رئيس الحكومة والوزراء المُختصين على كل القرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية، مما اوحى ان احكام المادة 54 لا تنطبق عليها، ولكن هذا الإيحاء غير كافي دستورياً، لأن نصّ المادة 59 لا يحمل صياغة واضحة يمكن أن تُحللها من مُحددات المادة 54. ولو كانت الاجواء السياسية على غير حالة المُساكنة التي تعيشها البلاد اليوم – اي لو كان الإنقسام ما زال قائماً بين محوري 8 و14 آذار – لكان الامر مُختلفاً، وبطبيعة الحال فإن قرار رئيس الجمهورية بتأجيل الجلسات من دون توقيع رئيس الحكومة والوزراء المُختصين؛ كان سيُعتبر غير دستوري بنظر المعارضين، لأنه لم يُمهر بتوقيع هؤلاء، برغم ان نص المادة واضح لناحية حصرية الارادة بالرئيس في إتخاذ مثل هذا القرار، فهناك تبايُن بين مضمون المادة 54 والمادة 59، يمكن البناء عليه – إذا ما اراد البعض - لإستخلاص تفسيرات لها ان تعطل إرادة الرئيس بالشكل. وبالتالي إعتبار قرار الرئيس غير دستوري، وربما عدم تنفيذه لعلة عدم توقيعه وفقاً لمندرجات المادة 54.
والمواد المُتفلِّته – او التي تحمل تفسيرات مُتعددة - في الدستور عديدة، ولا بد من تكبيلها بالمُحدادت التي تُلغي الإجتهاد في تفسيرها، او إعادة صياغتها بعيداً عن المجاملات الحزبية او الطائفية، وذلك من خلال إجراء تعديلات شكلية على بعض مواد الدستور التي يعتريها الغموض، او من خلال إعطاء صلاحية واضحة للمجلس الدستوري بتفسير هذه المواد، تكون فيها قرارته مُلزمة، ولا تنقص في قوتها عن قوة أحكام الدستور.
وهناك تجاهل لمضمون بعض المواد الدستورية من قبل السلطتين الإجرائية والتشريعية المؤتمنتين على تطبيقها. فعلى سبيل المثال: كيف يمكن لمجلس النواب او لمجلس الوزراء قبول إقتراحات لقوانيين إنتخابية تعتمد المُحددات الطائفية والمذهبية، وتُفرِق بين اللبنانيين على هذه الخلفية، وهي (اي الإقتراحات) تمس احكام المادة 7 من الدستور التي تتحدث عن المساواة بين اللبنانيين، وتتناقض مع مضمون المادة27 التي تنص "على ان النائب يمثل الأُمة".
 جاء في الفقرة ( ج) من مقدمة الدستور "ان إلغاء الطائفية هدف وطني واساسي يقتضي العمل لتحقيقه" كما ان المادة 95 من الدستور الزمت سلطات الدولة " الشروع بإنشاء مجلس شيوخ وتحرير مجلس النواب من القيد الطائفي ". هل يجوز تجاوز هذه المُحددات الدستورية، وبالتالي البحث بمشاريع قوانيين تتناقض مع جوهر الدستور، كأنما العمل التشريعي، او العمل السياسي في لبنان لا تحكمه اية ضوابط؟

  • شارك الخبر