hit counter script

أخبار محليّة

دريان: ليس من حق اي فريق ان يعطل مؤسسة دستورية

الأحد ١٥ نيسان ٢٠١٧ - 12:20

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة الى اللبنانيين، بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج جاء فيها: "الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السموات العلا، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، صاحب الشفاعة العظمى، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
وبعد:
أيها المسلمون: يقول المولى تعالى في محكم تنزيله:
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير؟.
نستعيد ذكرى ليلة الإسراء والمعراج كل عام هجري، لأنها شكلت تحولا في مسار النبوة، وفي علاقة النبي صلوات الله وسلامه عليه بربه، وفي تحديد توجهات الإسلام الرئيسية. ففي تلك الليلة والذكرى، عرف النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفت أمته عظم شخصه، وعظم خطوته عند ربه، وعظم الدعوة، والمعاني والآمال المعقودة عليها وعليه. وفي تلك الليلة، فرضت الصلاة، وهي الركن الرئيسي في العبادة بعد التوحيد، فالصلاة - كما قال صلوات الله وسلامه عليه - عماد الدين. وما الدين إلا العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق. فبعد الصلاة جاءت فريضة الصوم ثم الزكاة. وليس بعد العقيدة والعبادة والمعاملات والقيم الخلقية أمر يحول دون اكتمال الدين.
وعندما نقول: إن رحلة المصطفى السماوية، أظهرت عظم قدره عند ربه عز وجل، فلقوله تعالى: والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه نزلة اخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى. والآيات الإلهية الكبرى التي اختص الرسول صلوات الله وسلامه عليه برؤيتها هي ما نقصده بإعزازه عند ربه بالاصطفاء، وعظم المقام، ثم التبشير بانتصار الدين، وظهور الأمة".

اضاف: "وعندما نتحدث عن التوجه، فهو أولا التوجه إلى الله عز وجل: قال تعالى: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين - وقال سبحانه: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. إن هذه الآيات الكريمات، هن بمثابة الفاتحة الثانية، كما يقول العلماء.
بيد أن التوجه الآخر الذي نقصده، فهو التوجه الروحي والاستراتيجي إذا صح التعبير. فالتوجه إلى المسجد الأقصى، وإلى بيت المقدس، إشعار بوحدة الدين، ووحدة دعوات الرسل، ووحدة الدين الإبراهيمي. ففي إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام، تتلاقى دعوات التوحيد بين موسى وعيسى ومحمد. وها هو النبي بإسرائه من مكة إلى بيت المقدس، يعلن عن هذه الوحدة، وعن هذا التوجه بين الكعبة والمسجد الأقصى. وقد جاء في الحديث النبوي الشريف، أنه: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى). وهكذا، ومنذ بدايات الدعوة في مكة، كان التوجه والانتساب إلى دين إبراهيم، بين ثوابت الدين، وكانت بيت المقدس، فإلى مكة، بين ثوابت التوجه ومعانيه الأصلية والأصيلة. فهناك العزيمة على شد رحال المؤمنين إلى المساجد الثلاثة، من أجل العبادة كما هو صحيح الدين".

وتابع: "نعم، لا نستطيع نحن المسلمين، ولا نملك أن يتخلف في وعينا المسجد الأقصى عن البيت المكي والبيت المدني. وهذا لا يعني استئثارا ولا احتكارا ولا استيلاء، وإنما هو إعلان مفتوح عن الانتماء لهذا الدين، وهذا التقليد الإبراهيمي. فالانتماء للدين الواحد، وللمساجد الثلاثة، هو التزام لا يمكننا الإخلال به، وهو يتضمن الالتزام مع أهل الكتاب، وبين أهل الكتاب، ومزاملتهم في تقصد إحقاق الكلمة السواء. قال الله تعالى: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون. أي إن تخليتم عن التكليف ومبادئه، فنحن نعلن التزامنا به كما هو شأن عباد الله المخلصين. إن هذا الالتزام بدعوة إبراهيم، وبالقدس ومكة، باعتبارهما رمزين لتوحيد الله، ووحدة الدين، هو التزام مفتوح وظاهر في الدعوة للكلمة السواء على قدم المساواة. وهناك شاهد تاريخي أول على ذلك، في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، عندما فتحت القدس وأتى إليها عمر، أنه أبى الصلاة بداخل الكنيسة، بل صلى خارجها، لكي لا توهم صلاته بالداخل إرادة للاستيلاء أو للاستئثار. فنحن المسلمين، وفي ذكرى الإسراء والمعراج، قصدنا دائما إلى الشراكة الكاملة في الكلمة السواء، لأن الله سبحانه هو رب العالمين، وليس رب المسلمين وحسب، وله الخلق والأمر، ونحن عباده جل وعلا، وعبيده الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، والعاقبة للمتقين.
لماذا نقرر ذلك كله في ذكرى الإسراء والمعراج ؟ لأن هناك من يريد الاستئثار والإقصاء والتهويد لبيت المقدس. ونحن بمقتضى فهمنا لوحدة الدين ووحدة الدار، وحق العبادة لكل المؤمنين، نأبى أن يستأثر ببيت المقدس، وأن تتهدد قدسيتها ويتهدد سلامها. وقد أثبتنا ذلك أيام عمر بن الخطاب، وأيام صلاح الدين، ونريد أن يبقى هذا المعنى على مدى الأيام والدهور: أن تبقى القدس، وتبقى كنائسها، وتبقى مساجدها، ويبقى بشرها، في العهدة العمرية وعليها. إذ بدون هذه الطريقة، وهذا المعنى الكبير لها، سيضيع معناها الإبراهيمي الكبير: قال الله تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز؟.

وقال: "أيها العرب، أيها المسلمون، أيها المسيحيون: لن نقبل أن تضيع الصهيونية انتماء فلسطين وهويتها ومعناها، بالتهجير للعرب، مسلمين ومسيحيين، وبالتهويد القسري، وبالمستوطنات المفترسة. وقد تقدم العرب ومنذ العام 2002 بخطة للسلام، هي الحد الأدنى الذي يمكن قبوله. وما عاد الصبر ممكنا على ما يصيب فلسطين والفلسطينيين، سجنا وتهجيرا وتقتيلا . ومع كل إدارة أميركية جديدة، تتصاعد آمال لا تلبث أن تتضاءل وتزول، ويبقى الاحتلال والإحلال والظلم. فلنعتمد على أنفسنا، ولنلحظ المعنى الكبير لفلسطين، والخطر الباقي والمتصاعد على البشر والحجر والانتماء والمستقبل.
أيها المسلمون، أيها اللبنانيون:
ما تعلمنا لا من مأساة فلسطين، ولا من مأساة سورية، ولا من مأساة العراق. فحيث ينقسم الداخل في الدول العربية، يتصاعد الخطر الخارجي، وتزداد المشكلات وتتعقد. ولست أدري بالفعل، لماذا استغرق الأمر سنتين ونصفا، حتى انتخبنا رئيسا، وتشكلت حكومة. لكننا نقف من جديد أمام مشكلات تبدأ ولا تنتهي. فحلولنا واتفاقاتنا موقتة وعارضة، وخلافاتنا دائمة ومستمرة. لقد قلنا دائما إنها حروب الآخرين على أرض لبنان. إنما في أزمات السنوات الأخيرة، والأزمة الحالية، لست أرى أحدا خارجيا أو إن الخارج يقول لنا: ساعدوا أنفسكم لكي نتمكن من مساعدتكم ! عندنا الآن أمران عاجلان: قانون الانتخابات، وهذه الإنذارات والتحذيرات بالعودة الممكنة للاضطراب إلى الجنوب الحبيب. وإلى هذين الأمرين الخطيرين، هناك الأزمة الاقتصادية، وهناك الأعباء المتضخمة للجوء السوري. لقد عدنا نسمع عن انشلال النظام! فما هو هذا النظام الذي لا يحل أي مشكلة للبلاد والمواطنين، وما هو النظام الذي يجلب المشكلات بدلا من مجابهتها. كنا نشكو من تعطيل منصب الرئاسة، فلا نريد أن نشكو من جديد من تعطل مجلس النواب أو الحكومة. لأنه ليس من حق فريق مهما بلغت أحقية مطالبه أن يعطل مؤسسة دستورية تهز النظام، وتزيد الأمور سوءا وضنكا وضياعا وانقساما .
إن كل خلاف جائز إلا في ثلاث قضايا: العيش المشترك، والمؤسسات الدستورية، والتلاعب بأمن الجنوب. نستطيع تحمل أي عبء إلا عبء زعزعة العيش المشترك. والذي أراه أن ما يقال عن التأهل الطائفي أو المذهبي، يخل بالدستور وبالعيش المشترك. وإنه لعار كبير على أي فريق سياسي التهديد بتعطيل البرلمان أو الحكومة بعد السنوات العجاف خلال الحرب الداخلية وبعدها. نحن نريد مؤسسات دستورية منتظمة. وحكومة عاملة. ومجلس نواب شغال بقانون انتخابات لا يخل بالعيش المشترك. وعندنا قاعدة فقهية تقول: (من ترك شيئا من أمور الشرع أحوجه الله إليه) . لقد تركنا الطائف والدستور، وها نحن محتاجون إلى كل مادة من مواده، لكي يبقى الوطن ويبقى النظام. وقد بلغنا القرار الدولي رقم 1701 بعد حرب إسرائيلية مدمرة. فلماذا هذه العنعنات وخلق الذرائع للعدو، ثم يقال: لكن إسرائيل لا تحتاج إلى ذرائع، وأنا أقول: ونحن لا نحتاج إلى دماء وتهجير وتخريب، نقول بعدها إننا انتصرنا، وما دمنا قد انتصرنا على الأعداء ألف مرة، فالذي أريده أن ننتصر على أنفسنا ومطامحنا ومطامعنا ومكائدنا ولو مرة واحدة. عودوا يا إخوتي إلى الجهاد الأكبر، جهاد النفس، بعد أن طوفتم شرقا وغربا، ألم تسمعوا قول السيد المسيح لمارتا: تسألين عن أشياء كثيرة، والمطلوب واحد! المطلوب أن نتقي الله في أوطاننا وأرواحنا وأرزاقنا، وأطفالنا واستقرارنا وعيشنا المشترك".

واردف دريان: "أيها المسلمون، أيها اللبنانيون:
لقد انعقد بدار الفتوى في الأيام القريبة الماضية، مؤتمر التقت فيه شخصيات دينية كبرى من مصر والأردن ولبنان، لتدارس تجارب وإمكانيات مؤسساتنا الدينية في نشر رسالة السلام والحوار. السلام الذي يخرج من الاضطراب الديني والسياسي. والحوار الذي يخرج من القطائع والخصومات والتعصب والتبعيات. والرسالتان، رسالتا السلام والحوار، تحتاجان إلى شراكات. فنحن لا نحاور أنفسنا، بل نتحدث إلى شركائنا في العيش الوطني، والعيش المشترك، ونتحدث إلى رفقاء الدين والثقافة والمصالح، وسائر الفئات بالداخل والخارج، حيث نشعر بالحاجة الإنسانية، والاحتياجات المصلحية. والهدف بلوغ تسوية صلبة من التعارف والاعتراف، والتفاهم والتشارك، وصنع الجديد المتقدم في حياتنا، وفي الجوار من حولنا. ما أشد حاجة العالم العربي إلى السلام الذي ما استطاعت أن تعطيه إياه أو تقدمه له لا المؤسسات الدينية ولا المؤسسات السياسية. كيف يمكن التصديق أننا - شعوبا وحكومات ومجتمعا دوليا - لا نستطيع إيقاف القتل والتهجير للأطفال والنساء وسائر فئات المدنيين، وأن دولا تدمر، وديموغرافيا يجري تبديلها. ونحن نشكو من الاستيطان الإسرائيلي، فممن وإلى من نشكو من الاستيطانات الحاصلة، ولمن يشكو ملايين الناس في سورية والعراق وليبيا واليمن، والذين فقدوا ديارهم، وأعزاءهم، وقد لا يرون أوطانهم مرة أخرى؟!
بعد ليلة الإسراء والمعراج، اشتدت جدالات قريش على النبي صلى الله عليه وسلم في حقيقة ما حصل؛ وقال بعضهم: لماذا لا يحصل مع كبرائنا ما حصل مع محمد ولمحمد؟، هل هو أهم منا، ولماذا أتته هذه النعمة ولم تأت إلينا؟! فنزل قوله تعالى: لإيلاف قريش. إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. فليعبدوا رب هذا البيت. الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. نعمتان كبيرتان إذا على بني البشر: نعمة الكفاية في العيش، ونعمة الأمن من الخوف. ويعلم الله أن مواطنينا يشكون هول الأزمة الاقتصادية، ويخافون من تزايد المشكلات والتحديات، التي قد تحدث تزعزعا أمنيا من إسرائيل أو من الإرهاب. ولذا فإننا محتاجون إلى سلطات قوية نخاف عليها ولا نخاف منها. والذي يخطر للمرء في هذا المعرض، أن المطلوب ليس الخوف أو التخويف، بل المطلوب الثقة بأن السلطات تعمل بكفاءة ونزاهة وعدل، لصون المواطنين والوطن، أمنا في الأنفس والأموال، وكفاية في العيش وآفاق المستقبل المفتوح".

وقال: "أيها المسلمون، أيها اللبنانيون:
في ذكرى الإسراء والمعراج، أسال الله سبحانه وتعالى لفلسطين والقدس ولسائر ديارنا العربية، الأمن والأمان، والحرية والاستقرار، والسلطات المسؤولة والعادلة والراعية، قال تعالى: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون. صدق الله العظيم .
في ذكرى الإسراء والمعراج، أهنئ المسلمين واللبنانيين. وكل عام وأنتم بخير". 

  • شارك الخبر