hit counter script

أخبار محليّة

تدهور النقل الحضري في لبنان: مشاريع فاشلة في خدمة الريع

الأربعاء ١٥ نيسان ٢٠١٧ - 06:57

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يقول مهندس النقل، رامي سمعان، إن تدهور النقل الحضري في لبنان جاء إثر تراكم المشاريع والمخططات الفاشلة وترهّل السلطة المركزية. ويشدد على أن هذه المشاريع لم تكن متفاوتة بين ناجحة وفاشلة، بل هي في مجملها مشاريع فاشلة. ويرى أنها تجاهلت بالمطلق النقل السلس (المشاة، الدارجات الهوائية)، حيّز الأرصفة، والمساحات العامة التي تتغير لمصلحة توسيع الطرقات. إضافةً إلى ما سبق، يعتبر سمعان أن التحولات التي شهدها المجال اللبناني، بل الواجهة المتوسطية بأكملها، تراجعت أهميتها لصالح واجهات أخرى كالخليج

كما الحال في أغلب المجالات المتعلقة بالمصلحة العامة، يشهد لبنان، منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، تدهوراً في مجال النقل الحضري، بفعل هيمنة مصالح قلة من المنتفعين من الريع على الدولة. نتائج هذا التدهور عرضها مهندس النقل، عضو حركة «مواطنون ومواطنات في دولة»، رامي سمعان، خلال ندوة عُقدت أخيراً تحت عنوان «إشكالية النقل الحضري في لبنان».

ليست مسألة ازدحام سير فقط

لدينا في لبنان، بحسب قول سمعان، شبه منظومة، أو «منظومة مسخ»، غير متكاملة، وفاقدة لهرمية فعالة، وتولد نتائج سلبية على جميع الأصعدة، كما تؤثر سلباً في الاقتصاد، إذ يعدّ النقل سلعة وسيطة تؤثر «إيجاباً وسلباً على التنافسية». وفي حين يركّز المواطنون، الذين يعانون بالمبدأ من زحمات السير، على المطالبة بتوسيع الطرقات أو زيادة عددها، إلا أن المسألة لا تقتصر على زحمات السير. بحسب المتخصصين فإن المسألة غير تقنية، بل هي بنيوية، تتعلق بالتوزع النمطي، وفي البنية التحتية. ويشير سمعان إلى أن زحمة السير هي نتيجة تراكمية لعوامل عدّة لا يمكن حلّها بتوسيع الطرقات أو زيادة عددها.
تزداد الطرقات، وكلّها متشابهة، ويتم تحوير استخدامها، فتتحول من أوتوسترادات إلى شوارع تجارية، إلى مداخل لمرائب... إلخ. فتنخفض جودة الخدمة فيها جميعاً. وتصبح حينها الدولة مطالبة بإنشاء شبكات جديدة، ما يؤدي إلى تضخم في الإنفاق وانخفاض في فعالية الشبكات. ويفيد سمعان أنه يوجد تكرار للتجهيزات يؤدي إلى تفكك المركزيات الحالية دون إعطاء خصوصيات للمركزيات الجديدة. معتبراً أن المساحات العامة مفقودة من حيث الوظيفة، إذ هي موجودة لتكوين خطوط عازلة ومساحات طرد لفئات معيّنة من المجتمع.
قد نفهم منطق المساحات العازلة وغياب شبكات نقل في المدن اللبنانية، من منطلق وصف الباحث الجغرافي، ديفيد هارفي، لنموذج مدينة نيويورك (مع تفاوتات شتّى بطبيعة الحال)، بدءاً بصناعة «مساحات الطرد» (أي مناطق ذات حصرية غير معلنة للأثرياء)، وسياسات ضبط حركة السكان عبر هيكلة المجال وتشكيل الشبكات العازلة أو التقسيمية، وارتباط ذلك بتطويع المجال من قبل الطبقات الحاكمة ليتناسب مع مصالحهم. يقول هارفي إن «عمدة نيويورك، الملياردير، مايكل بلومبيرغ، يقوم بإعادة تشكيل المدينة بحسب معايير مناسبة للمقاولين، والقطاع المالي (Wall Street)، وطبقة الرأسماليين «العابرين للحدود»، ويروّج للمدينة على أنها المكان المثالي للشركات والتجارات ذات القيمة العالية والسياحة». ويضيف هارفي، «هو عملياً يحوّل مانهاتن إلى مجتمع مغلق للأثرياء».

نموذج وسط بيروت

كيف نربط ذلك بالنقل؟ يظهر ذلك في العلاقة بين النقل العام والدور الذي عيّنه مهندسو لبنان لوسط بيروت في مرحلة ما بعد الحرب، إذ يكشف ذلك عن تعارض تاريخي بين وجود شبكة نقل متكاملة تخدم الجميع ومصالح من أرادوا جعل وسط بيروت منطقة منفصلة عن باقي المدينة، تمثّل العهد الاقتصادي الجديد القائم على تصوير بيروت على أنها مركز مالي ومقصد مثالي للاستثمارات الخارجية. ثبّتت "سوليدير"، بحسب دراسة للباحثة في الجامعة الأميركية، منى فواز، ومروان غندور من جامعة ولاية أيوا، أن "منطق عزل وسط المدينة، الذي ساد خلال الحرب الأهلية بوصفها ساحة حرب لا يدوسها إلّا الميليشيات، جرى عبر تحويلها من مجال للعنف العسكري إلى مجال للانتقال الحر لرأس المال (العنف الاقتصادي)". أسست سوليدير لنوع آخر من العنف في وسط المدينة عبر توطيد الفصل المكاني لها، وإنهاء التشكيلات الاجتماعية (للإنتاج) التي جسّدها هذا الفضاء قبل الحرب، عبر شبكة ملكيات وإيجارات معقّدة لا تسمح بتسطيح طبقي للمنطقة لصالح الأثرياء. كان لا بد من جعل وسط البلد منطقة محظورة على الطبقة العاملة والفقيرة، وذلك لم يكن ليتحقق في حال تحول الوسط إلى مركز للنقل العام، أي منطقة شعبية بامتياز. وهكذا تم اختصار مسألة إنشاء شبكة نقل متكاملة بإنشاء الطرقات بما يتوافق مع توسع السوق العقارية في المناطق المختلفة.

منظومة لخدمة الجميع

في سياق طرحه مقاربة بديلة، يشرح سمعان أن النشاط الاقتصادي بات محكوماً بالتركّز، والمفاعيل الخارجية لم تعد تمتاز، كما في الماضي، بخصائصها الطبيعية، بل أصبحت تتمحور حول درجة الوصول إليها.


الانتقال من نظام شبكات
مبعثرة إلى منظومة نقل ترفع الإنتاجية وتخفّض تكلفة النقل
في لبنان، يقول سمعان، إن هناك استخداماً مجتزأ للشبكة مع غياب إدارة مركزية وتعدد الشبكات والحاكمية عليها، ما يعني أنه لا يوجد فرصة لإنتاج منظومة نقل متعددة الأنماط لخدمة الجميع، بحكم أنه لا يمكن خدمة الجميع بنمط واحد. ويصر سمعان على أن تنوع الأنماط ليس ترفاً فكرياً بل خيار استراتيجي مبني على أسس تقنية تتماشى مع هذا الخيار. "علينا أن لا ننسى في إطار المقاربة البديلة، التحولات في المنطقة والتحديات التي يواجهها لبنان على أثرها. خلال مئة عام، فقدت الواجهة، من بيروت إلى اسكندرون (حتى خروج الأخيرة من نطاق الواجهة العربية)، دورها الأساسي وتحولت المسارات". ويضيف سمعان أنه لا يمكننا أن نتعامل مع هذه التغيرات بحيادية، إذ أنه لا بد من وضع خطط نقل تتماشى معها في حال أردنا النهوض بالاقتصاد اللبناني.
يشرح سمعان أننا أمام منطقين يتعارضان بشكل مستمر، "أولهما يفرض ضبط السكان من خلال هيكلة المجال من قبل السلطة، وآخر يقوم على محاولة المستخدمين (أصحاب الهيمنة) تحوير المجال من أجل مصالحهم الخاصة". وبالتالي لا بد، بالنسبة إلى سمعان، من التدخل في المجال على ثلاث مراحل، المدى القصير، والمتوسط، والطويل. أما المدى القصير، فيجب أن يكون محكوماً باستيعاب العرض والطلب بشكل متوازن كي لا تخرج الأمور عن السيطرة. أما على المدى المتوسط، "يصبح هناك ضرورة لإعادة هيكلة المجال، إذ مع غياب الهرمية يبقى المجال غير منتج وعاجزاً عن ضبط الأثر السلبي الاجتماعي والاقتصادي". أما على المدى الطويل، يقول سمعان، إنه "يجب العمل على التأثير بسلوكيات الناس من أجل الوصول إلى شبكات أكثر إنتاجاً".
تعويض تراجع الوزن النسبي

لجهة المسار والخيارات، يرى سمعان أنه توجد نقاط أساسية على الصعيد الخارجي، هي: تفكك المجال الإقليمي الذي تكوّن خلال القرن ونصف القرن الماضية. التراجع الكبير للوزن النسبي الإقليمي للبنان وتنافسية مدنه. ويضيف: "قد يعتبر البعض هذه المقاربة مزعجة، فلو لم يكن هناك حرب في الشام، لكانت دمشق أكثر جاذبية للاستثمارات وللاقتصاد الإقليمي والعالمي من بيروت". يحذّر سمعان من أنه "لا يمكننا الاعتماد على الصدف والأزمات، بل لا بد أن يكون لدينا حلول استراتيجية. ويجب أن نعترف بوجود تراجع حقيقي في الوزن الاستقطابي وتنافسية لبنان بشكل عام، وبيروت بشكل خاص". أما على مستوى إقليمي، يجب، بحسب سمعان، استعادة العلاقة القوية من حيث النقل بين بيروت ودمشق، بحكم أن المحيط العربي وراءها. أما في المجال الداخلي، فيرى سمعان أنه "يجب إعادة إنشاء تراتبية للأقطاب المدينية، ومنحها تخصص، وإنشاء تراتبية لشبكات التواصل، وتراتبية الأقطاب التي تدهورت بشدة إثر الإنماء المتوازي، الذي أدى إلى تكرار التجهيزات، ما أدى إلى تدهور في إنتاجيتها وفعاليتها". ويقترح تعويض تراجع الوزن النسبي عبر بنية عنقودية متكاملة غير مركّزة في مناطق معينة فقط. أي باختصار، عبر الإنماء المتكامل لا الإنفاق المتوازي.
يختم سمعان بالتشديد على وجوب "بناء رؤية مدينية شاملة ذات مشاريع مختلفة مترابطة على مستوى شتى المدن، تغطي النقل العام، مواقف السيارات، وشركات الباصات ومحطاتها، لننتقل من نظام شبكات مبعثرة إلى منظومة نقل ترفع الإنتاجية وتخفّض تكلفة النقل". إضافةً إلى الإصرار على أهمية مواجهة التحديات الناجمة عن إعادة تشكّل المجال في المنطقة، محذّراً من التكريس الحاصل للترهّل في غياب الوجهة التنموية، إذ أنه على صعيد الحوكمة، هناك تشرذم في إدارة القطاع، سواء في تنفيذ المشاريع، حيث تؤخر القرارات والاستملاكات، أو عندما يتم تنفيذ مشروع مقبول، من ناحية أنه يكون محتوماً عليه التدهور مع الوقت. ويعطي مثالاً على ذلك، مشروع النقل المشترك الذي انطلق بعد الحرب في أواخر التسعينيات لوهلة ثم تدهور تماماً، إذ كانت الدولة في حينها تدير 7 أو ثمانية خطوط، و200 باص، أما اليوم لديها أقل من 15 باصاً.

ناصر الأمين - الاخبار - 

  • شارك الخبر