hit counter script

باقلامهم - مازن ح. عبّود

الطيور المهاجرة

الثلاثاء ١٥ نيسان ٢٠١٧ - 06:16

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

 

تطلع بالطيور المهاجرة وسأل: "لماذا تهاجر الطيور؟ والى اين تهاجر؟ ولماذا تعود؟"
ابلغته بانّ الطيور كالبشر تسافر الالاف الاميال. قلت له بانها تسافر بحثا عن الربيع والشمس، "ترحل كي تجد أفضل الأمكنة للتزاوج واطعام وتربية فراخها. تهجر عندما تصبح الظروف سيئة في مكان إقامتها وتروح تبحث عن آخر، هذه هي حال الطيور المهاجرة يا صغيري".
ثمّ نظر بها وقال: “لكن كيف تستطيع ان تذهب لوحدها؟ كيف تعرف الطيور كل الأمكنة والاتجاهات؟ من لقنها ذلك وفي أي مدرسة تعلمت؟".
اجبته: "لا اعرف فعلا يا ولدي كيف تتمكن هذه المخلوقات من تحديد الاتجاهات والامكنة ليلا ونهارا فهي لغز يا ولدي، وكم تكثر الالغاز في عالمنا! لا تذهب الطيور الى المدارس بل انها تنهل من مدرسة الوجود يا ولدي تلك التي تعلم من يعرف ان يستمع ويخاطب روح هذا العالم. لذا فإنها لا تعترف بخرائطنا وحدودنا ولغاتنا وخلافاتنا. نعم لا تلتزم الطيور المهاجرة بحدود البشر ولا بأنظمتهم ولا بقرارات حكامهم. لكنها تتأثر بلا شك بوحشيتهم. إذا ما رأيت الطيور المهاجرة عائدة فأعلم انّ الصيف على الأبواب وإذا ما أدركتها راحلة فاعلم انّ الشتاء صار وشيكا".
احتار وسأل مجددا:" الا تهاب ترامب وبوتين ومجلس الامن؟ الا تعترف بالشرعية الدولية وقوانينها؟"
فقلت: "لا. فللطيور قوانينها وقواعدها الخاصة التي هي عامة وملزمة لنا، لذا، فالمفروض بقواعدنا وقوانيننا ان لا تتعارض كي لا تصير مهزلة. قوانينها هي قوانين البحار والرياح والجبال والصحاري، قواعدها من نظم الخالق وقواعدنا من نظم الساسة الذين أرادوا ان يلغوا وجه الخالق عن الخليقة. انّ الخلق يا بني عملية مستمرة كي تبقى الأرض تتنفس والا زالت الطيور ومواطنها والتهمت المياه والصحاري اليابسة. المشكلة انّ الكثير من ساسة البشر لا يؤمنون بذلك، لذا فانهم يحالون إيقاف الخلق ولجم الخالق فصارت المياه المالحة والصحاري تغزونا. الا فانظر الى الطيور المهاجرة، شيعها لأنها سرعان ما ستنقرض بفعل النيران وتناقص المساحات الخضراء. وإذا ما انقرضت هذه يزداد البعوض والحشرات والامراض التي تفتك بما تبقى من خضرة وثمار وخضار فنصير نقتات أكثر فأكثر كيماويات الى حدود تردي الحياة، ولا نعود نسمع نغما من أنغام الجنات. يقتل البشر الطيور المهاجرة كي لا يعود من يرصد ويخبر ويحمل أنغاما وآمالا في عالم ملؤه موت. ليس الجمال شيئا يقتل او يؤكل فالروح ليست امعاء".
وعاد فتطلع الى فوق، خاطب الطيور لبرهة، صلى لأجلها ثم سأل عن أسباب طيرانها بشكل سبعة.
اجبته لانّ هذا الرقم هو للملك، وابلغته بأنّ الملك الحقيقيّ يقود بالحكمة والمعرفة ويجعل من أبنائه جناحيه. فسرّ بذلك. وتابعت: "لسنا يا ولدي طيورا مهاجرة، ولا تكن طيرا مهاجرا مخافة ان تصيبك نيران البشرية فتقع حيث لا تدري، بل كن كحجل الارض الذي يقيم في الوعر والصخر ويعتصم بالصبر، فانت من يصنع الربيع من حولك ان عرفت كيف تكون ربيعا بشذاك وعطرك. وانت من يصنع الخريف ان سقطت ويبست. انّ الربيع والخريف هما في قلب الانسان، ان أزهرت انت وكل رفاقك صار البلد ربيعا".
وصار سكوت وخرج النسيم وداعب زهور الحديقة وهو ما انفك ينظر الى فوق الى الطيور المهاجرة العائدة للتو من مشوارها.

 

  • شارك الخبر