hit counter script

- أحمد كموني - المستقبل

البقاع نحو أزمة مياه: مستوى الأنهر والبحيرة دون النصف

الأحد ١٥ نيسان ٢٠١٧ - 06:26

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

كشف انتهاء فصل الشتاء وذوبان ثلوج سلسلتي جبال لبنان الشرقية والغربية، عن أزمة مياه حقيقية في الأنهر البقاعية وحوض بحيرة القرعون وينابيع وعيون الماء في انحاء البقاع دون استثناء. ويبدو أن الأزمة المتوالدة منذ عقدين من الزمن وصلت مبكرة هذا الربيع، ومؤشراتها الميدانية ليست كثيرة فحسب، بل صادمة في بعض المرافق المائية، وهي كشفت الفارق بين حقيقة الواقع الميداني المشار اليه وبين الأرقام الصادرة عن مصالح الأرصاد الجوية حول كمية المتساقطات، الموحية للمتابع بأن السنة المطرية كانت جيدة.

البحيرات

ولعل أبرز مشهد مؤذ في البقاع يتمثل اليوم في انحسار منسوب المياه الى مستوى قاس في حوض نهر الليطاني الواقع بين بلدتي صغبين والقرعون ومعه البحيرات الأصطناعية الأخرى، مع العلم أن هذه الفترة من كل عام تعتبر مثالية جدا لجهة تجميع المياه المتأتية من ذوبان الثلج وتدفق الليطاني والينابيع وغيرها من مصادر المياه الجارية والجوفية. وفي هذا الإطار، يوضح العديد من مهندسي المصلحة الوطنية لمياه نهر الليطاني خطورة الوضع الراهن بالاشارة الى تواضع كمية المياه المتجمعة في الحوض اليوم، والتي لم تتجاوز 125 مليون متر مكعب من أصل 222 مليون متر مكعب سعته الأجمالية. ويشير هؤلاء الى تراجع مريع عن السنوات الماضية للفترة عينها، الأمر الذي دفع الادارة الى اتخاذ خطوات احترازية قاسية للمحافظة على الكمية المتجمعة، وهي اجراءات تشمل وقف ضخ المياه من الحوض الى قناة الجر المخصصة لري الأراضي الزراعية في البقاع الغربي، وقف تشغيل معامل مركبا لتوليد الطاقة، منع أي تسرب للمياه من الحوض بما في ذلك فتحات السد التي عادة ما كانت تغذي منشآت الليطاني في المنطقة وفي الجنوب. وتأتي هذه الاجراءات من خلفية الحرص على الموجود في الحوض وخشية من عدم تلقي لبنان وبالأخص البقاع أية متساقطات اضافية خلال فصل الربيع.

وفي موازاة هذه الإجراءات، ركزت المصلحة على استثمار مصادر المياه الواقعة جنوب سد القرعون لاستخدامات لها علاقة بالتشغيل اليومي للمنشآت في مركبا أو الأولي ليس أكثر، وهي كميات لا تفي بدور، وهي ليست بقدرة وانتاجية هذه المنشآت التي لا يمكن ان تقوم بواجبها كاملا من دون كميات كافية من المياه.

.. والأنهر

وينسحب حال الحوض على أهم مصدر له في البقاع، نهر الليطاني، واستطرادا الأنهر الاخرى الصغيرة المغذية له. فغابات القصب والاعشاب النهرية ما زالت متفوقة على مستوى المياه في مجاري الأنهر، فهذا المشهد عادة ما يختفي تماما أواخر كانون الثاني من كل عام. إلا ان الواقع اليوم يشير الى غير ذلك، وهو الى مزيد من التأزم في حال لم يتلق لبنان هطولات جديدة بنسب عالية لا تقل عن أربعمئة ملم، بحسب خبراء مناخ في البقاع. ويبدو بحسب التوقعات، أن هذه الأمنية صعبة التحقق وقد دخلنا شهر نيسان.

صيف جاف

ولا يخفي غير مهندس من المصلحة ومعهم خبراء مناخ ومزارعون خشيتهم من الدخول المبكر في صيف جاف هذا العام. ويشير هؤلاء الى أن مشهد المسطحات المائية خلال فصل الشتاء، أعطى آمالا كثيرة للمعنيين، لكنه اصبح اليوم وهماً أمام مشهدية مختلفة تماما عكست حقيقة كميات المياه المتجمعة في البحيرات الاصطناعية في البقاع وفي الانهر. فالإنحسار المريع لا ينبئ سوى بأيام آتية محمّلة بأزمات عدة على مستويات توليد الطاقة والري وغيرهما.

وينبهون الى ضرورة وضع خطة استثنائية منذ اليوم لبرمجة استخراج مياه الري والشفة على السواء من الآبار الارتوازية المتوافرة، ومنع حفر آبار جديدة كخطوة على طريق المحافظة على احتياط المياه الجوفية التي لن ترجع الى سابق عهدها من دون سنوات مطرية جيدة.

قناة الري متوقفة

ويبدو من بوادر الازمة على ما سبق ذكره، إبقاء مصلحة الليطاني على قراراتها لجهة منع ضخ المياه من حوض الليطاني الى قناة ري الأراضي الزراعية التي تخترق، الى القرعون، سهلي بعلول ولالا مرورا بوسط بلدة جب جنين وصولا الى كامد اللوز، مع العلم أن السبب على ما ذكر الأهالي وبحسب مشاهدات وتقارير الادارات المعنية ومختبرات المنطقة، يرجع ليس فقط الى تدني مستوى المياه بل الى ارتفاع نسبة التلوث في قاع حوض الليطاني الى مستوى غير مسبوق، الأمر الذي كرّس وللسنة الثانية على التوالي، تعطيل مرفق هام للري حرصا على سلامة المواطنين والانتاج الزراعي، ما يعني اننا أمام أزمات مترابطة متلاحقة تبدأ من ندرة المياه وجفاف بعض الينابيع وانخفاض مستوى مياه الآبار الارتوازية وتوقف توليد الطاقة في مركبا، والأخطر دائما، موضوع القطاع الزراعي وتأثيراته الإقتصادية التي تصيب السواد الأعظم من المجتمع المحلي الذي يعيش من العمل بالزراعة ومتفرعاتها.

ويقرأ العديد من المزارعين قتامة الأيام الآتية بالنسبة للقطاع الزراعي، ويذكرون أن الطبيعة كانت تتكفل بتوفير أهم عناصر هذا القطاع، المياه ومكافحة التلوث. السنة، موضوع المياه خطر جدا، وفاقم من تأثيراته السلبية تكرار سنوات الشح التي تضرب لبنان منذ عقدين تقريبا، هذا واقع وحقيقة نعيشها وندفع ثمنها، لأن العواصف الإعلامية التي ترافق كل زخة مطر، لا تغني ولا تسمن، بل تشوه الواقع وتجعلنا ضحية لمرات ومرات. ويحيلنا هؤلاء الى «الفلتر» الطبيعي للأنهر والبحيرة عندما كانت الهطولات تصل الى 1200 ملم ما يضاعف من تدفق المياه وجرف الاوساخ وتنظيف مجرى النهر وسطحه على السواء، فيعيدنا الى طبيعة البقاع الحقيقة والنظيفة، وهذا أمر يبدو أنه اصبح من الماضي، بسبب من تأثرنا بالتغيير المناخي الذي يضرب العالم اولا، وبسبب من سوء ادارة الملف المائي تاريخيا في لبنان.

أحمد كموني - المستقبل

  • شارك الخبر