hit counter script

باقلامهم - مازن ح. عبّود

في ذكرى تغييب المطرانين الرابعة صراخ وبلبلة ورجاء وبعد...

الثلاثاء ١٥ آذار ٢٠١٧ - 06:18

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

 

بلغ هذا الاحد الى مسامعنا صراخ وخوف اخوتنا في حماه كما نقمتهم على المؤسسة الكنسية، شعرنا بالبلبال ما بين اهلنا في الشام التي اقتربت من محيطها المعارك، ولم ننسى ان نضيئ أربع شمعات على نية مطراني حلب في ذكرى تغييبهما وسط أجواء لم تغب عنها فرحة احتفاء شرائح من اهلنا باليوبيل الماسي لحركة الشبيبة الارثوذكسية. كان ذلك في أحد يوحنّا السينائي الذي صمم لنا سلما من الفضائل يوصلنا الى السماوات ان عرفنا ان نتسلقه، وقلة عزيزة هي من تتقن فن التسلق الى السماوات في هذا الزمن الصعب فتصير هي الانجيل وتشكل للناس نبراسا.
تشكل تلك الاحداث والأزمات مناسبة للتأمل عميقا في اوضاعنا وفي الشرق والخرائط الجديدة. انّ الحروب هي عن حق الأكثر قدرة على احداث تغييرات اجتماعية وديمغرافية، وهذا ما يحصل اليوم في سوريا.
لكن هل يجب ان نكون محكومين بهذه التغييرات الى حد الاستسلام؟
لا، لانّ ما نرتكز عليه ليس كل ذلك. ارتكزنا ونرتكز على اعمال وسير حفنة عزيزة ممن سبقونا من الشهداء والمعترفين والمضطهدين والفقراء الى ربهم. انّ أسس حضارتنا افي هذه الشرق على عكس ما يعتقد الكثيرون ليست من صنع اباطرة او حكام او قادة او جيوش.
طبعا ما يجري اليوم في سوريا يعيد رسم الخرائط عموما ورسم خريطة مسيحيي انطاكية وسائر المشرق، لكنه لن ولن يمحو وجودهم. انّ الحروب الدائرة هناك تمحو ابرشيات وكراس قديمة وتصنع أخرى في أوروبا وأميركا وأستراليا. واني اعتقد بانّ سوريا بعد الحرب لن تكون ابدا ما كانت عليه قبلا لكنها ستبقى تحوي من ذلك الطيب.
اننا نعيش في خضم مرحلة عنوانها تغييب المطرانيين وتغييب الناس عن ارضها وهويتها وانماط معيشتها. لا أحسد أي قائد روحي في هذه المرحلة، ولا أحسد البطريرك يوحنّا العاشر الذي يسأل في هذه المرحلة على اجترار حلول تعجز اشباه الالهة عن ايجادها حتى في ازمنة الاساطير. ينتظر منه الناس القيام بخطوات أكثر من جبارة ويداه شبه فارغتين الا من فلس الارملة ورحمة ربه، لكنّه محظوظ أيضا لانّ الازمات تنحت قامات من يعرف ان يروضها، تصنع الاحداث القادة وبخاصة الروحيين منهم وتقدسهم ان انصتوا الى نبض الناس وحاجاتهم وآلامهم.
شكلت لازمة السورية التحدي الأكبر لكنيستنا، وقد فضحت الكثير من عوراتنا، لم نستطع كمؤسسة كنسية ان نتصرف كجسم واحد وقلب واحد لمواجهة الاخطار، ولم نعرف كيف نحدد الاولويات بما يتلاءم مع حاجات وتطلعات واوجاع الناس. ليس لدينا أي استراتيجية واضحة المعالم للتصدي لتداعيات الازمة السورية ولا رؤية مستقبلية لما يتوجب القيام به في هذا الإطار. لم نعرف ببساطة بأنّ الأمور مع الازمة وما بعدها ليست ولن تكون كما قبلها، انطلقنا في مشروعاتنا التي هي في ظل ما يجري صغيرة جدا لأنها ببساطة لا تستجيب لحاجات الناس. واجهنا ونواجه فيضان الحرب السورية بسفينة مترهلة، وها انّ السفينة تتداعى أكثر فأكثر الى حد انّ الناس بدأت تغادر متنها بحثا عن امان لم يؤمنه ارباب تلك السفينة. ليست الجماعات القادمة من بعيد وحدها المسؤولة عن اقتناص اخوتنا، بل ثمة أسباب أخرى. فالمؤسسة الكنسية شبه غائبة في الكثير من المواقع نتيجة الفساد او الشغور شبه الكامل، وقد فرغت الى حد بعيد ستة من ابرشيات الكرسي جراء تراجع قدرات اساقفتها الجسدية والعقلية بفعل الشيخوخة او المرض او الخطف (جبل لبنان وحماه واللاذقية والمكسيك وأستراليا، حلب).
كما دخلنا في مرحلة الاستقالة من حسنا، استقلنا من مهامنا ومن واجباتنا ومن مسيحتنا ومن التضامن مع بعضنا البعض والاحساس بآلام اخوتنا. دخلنا في البلبال وصرنا امارات لا ترتبط ببعضها البعض الا بالشكل، وهذا ما اظهرته الازمة السورية مؤخرا بشكل واضح.
ما يلزمنا هو سلمي جديد يعيد وصول الجزر بعضها ببعض وبالسماء كي لا نفقد البوصلة ونصير نستسلم للجغرافية والديمغرافية بدل التسليم لله.
  

  • شارك الخبر