hit counter script

الحدث - ملاك عقيل

نبيه بري الذي يحب "الايطالي" والبلياردو... "امبراطور" داخل جزيرة!

الأربعاء ١٥ آذار ٢٠١٧ - 06:05

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

عند قراءة هذه السطور، تكون ولاية الرئيس نبيه بري على رأس السلطة التشريعية قد أتمّت عامها الـ 24 و"زيادة" خمسة أشهر. أطول ولاية لرئيس مجلس نوّاب في العالم! 

كثر لا ينتبهون أو يتجاهلون. مع "الاستاذ" ليس العِبرة في السنوات، ولا في عدد الارانب التي خرجت من الاكمام، ولا في "غينيس" التسويات التي شارك في حياكتها، بل في "فنّ" دفع الاخرين الى التسليم بواقع أن نبيه بري "ثابت"... والكلّ متحوّلّ!
لن يليق اللقب بـ "دولته" في عزّ ما اصطلح على تسميته بـ "الربيع العربي". لكن "الربيع" تعرّت أوراقه سريعا، فلم يُترك للداخل اللبناني المعجون بالأزمات فرصة ان "يعاير" بري بـ "طول عمر" الولاية وقِدمها. لا بل العكس هو القاعدة ظلّ بري في قلب الحدث وداخل "مصنع" فبركة "منتج" ما قبل وما بعد الرئاسة. سَال الكلام بغزارة عن ساكن قصر بعبدا الجديد وهويته، وطرحت احتمالات كثيرة عن رئيس السلطة التنفيذية المقبل، لكن أحدا لم يقرب مسألة "خَلَف" نبيه بري!
استنفرت الاعصاب والمبادرات والمحاولات لنشل قصر بعبدا من الفراغ الرئاسي. النتيجة أتت بعكس ما رغب "الاستاذ". ميشال عون على رأس الجمهورية وليس سليمان فرنجية أو جان عبيد.
مرشّحون كانوا "بالجملة" لرئاسة الجمهورية، وإن "الجنرال" الأكثر نجومية. سعد الحريري "ناضل" للعودة الى السرايا الى حدّ وقوعه في فخّ "الانفصام" والتنازلات المؤلمة وربما سيكون آخر تجلياتها في قانون الانتخاب. أما "بلاط" عين التينة فلا شئ يهزّه. لا قبلا ولا الان. حتى فرضية الفراغ النيابي سقطت سريعا ولم تجد من يلوّح بها جدّيا. الانتخابات النيابية على الأبواب بالرغم من كل العثرات والمطبات... أما الولاية السادسة فخارج النقاش.
وهكذا كان، منذ 20 تشرين الاول 1992. تغيّر أربعة رؤساء للجمهورية، تسعة رؤساء حكومات، تبدّلت وصايات، "تبخّر" بعض "أسياد" المنطقة من ملوك ورؤساء، ضرب زلزال 2005 تحت الارض وفوقها، تعانق ميشال عون وسمير جعجع وكبّلا شارعهما بتفاهم إلزامي... وبري صامد على كرسيّه الرئاسي، ومعه "امبراطورية" اكثر صمودا لا تبدأ بـ "العائلة" ونفوذها ونفود "الحاشية"، ولا تنتهي بالشبكة الاخطبوطية السلطوية التي تغلغلت في عظام المؤسسات والوزارات والمجالس والهيئات والشركات على شكل منظومة من التنفيعات والخدمات والصفقات والتعيينات وتثبيت "رجالات الاستاذ" في الادارات والمواقع "الدسمة"... الى درجة، يغادر بري وتبقى هي.
المحامي نبيه بري، المولود في مدينة فريتاون عاصمة سيراليون والمقاتل السابق في "حركة امل"، التصق بكرسيّ الرئاسة الثانية ولم يغادرها منذ 20 تشرين الاول 1992 يوم انتخب للمرة الاولى رئيساً لمجلس النواب. ثم توالت الولايات الأعوام 1996 و2000 و2005 و2009... وقريبا 2017 أو 2018!
الرجل الشيعي الاول في التركيبة السلطوية انتخب خلفا للرئيس حسين الحسيني على عهد الرئيس الياس الهراوي في بدايات عهد الطائف "وهيّي كانت". إن قدّر للمجد ان يتجسّد من طرفيه فسيكون "منتحل صفة" لظاهرة تحت اسم نبيه بري: أحد اركان الترويكا الحاكمة في مرحلة الوصاية السورية، و"حكيم" الجمهورية ما بعد الخروج السوري، و"مرشدها الاعلى" في عزّ الصراع السنّي الشيعي في المنطقة، واليوم "المنقذ" وحلاّل العقد وحائك التسويات الخائف على وليد جنبلاط والممسك بيد ميشال عون والحاضن لسعد الحريري والمتوجس الدائم من سمير جعجع وشريك التكافل والتضامن مع "حزب الله"... لأسباب مفهومة وغير مفهومة يفتح النار حاليا على حيتان المال، مع أنه بالتأكيد أحد "الحيتان" التي لا تقهر، ويتفوّق على نفسه حين يطالب بلجنة تحقيق برلمانية لكشف الفساد والمفسدين ومحاكمتهم!
خطأ استراتيجي ارتكبه الرئيس الحسيني بعد انتخابات 1992 مهّد الطريق لبري لرئاسة طويلة الامد. هاجم الاول السوريين اعتراضا على نتائج البقاع النيابية ففتّش عبد الحليم خدام وحكمت الشهابي سريعا عن بديل بمعيّة الهراوي ورفيق الحريري الذي لم يكن بعد قد دخل جنّة السلطة. رئيس "حركة امل" كان جاهزا. هو أحد أمراء الحرب الذين كان لهم منزل استضافة دائم تابع للحرس الجمهوري السوري في المزّة.
كثر يقرّون بأن عهد الهراوي، بالولايتين، كان بمثابة ترويكا عرجاء. ثنائية سياسية مالية تنفيعية قوامها الهراوي والحريري مع شريك ثالث لم يكن مرغوبا به كثيرا، لكن السوري كان مستنفرا دوما للمؤازرة.
يومها كان بري الحليف الاقرب الى الجيش الامر الذي دفعه الى تزكية خيار اميل لحود باكرا لرئاسة لجمهورية. الاجتماعات الدورية في عين التينة بينه وبين لحود وجميل السيد تشهد على ذلك. أتى لحود و"نتعاته" معه. حكومة غير سياسية، برئاسة سليم الحص، باستثناء ميشال المر وسليمان فرنجية، نقّزت بري. لاحقا حُفظت "حصصه" في الحكومات حتى "آخر وزير"، لكن أحيانا كان يأكل لحود من صحن مكتسباته في التعيينات الادارية. هكذا ودّع لحود على زغل بعد أن هلّل لدخوله القصر.
مع ميشال سليمان كان بري الأقوى والأكثر قدرة على فرض الشروط والأخذ من درب الاخرين. وصل الامر الى حد رفع الصوت بوجه من يفترض انه سيخلف الرئيس سليمان الى حدّ استحضار "وقود" الحرب الاهلية بحديثه عن "ثنائيات" سنقف ضدها. ليس نبيه بري من يُحب أن يتفاجأ بالتسويات والتفاهمات حين يكون الخبير الاول بـ "صناعتها". لكن هذا ما حصل. وصل ميشال عون الى سدّة الرئاسة من دون رضى "الاستاذ"، لكنه سريعا تأقلم واستوعب الى حدّ التماهي مع عون في موضوع قانون الانتخاب والحديث المتزايد حاليا عن "ورقة تفاهم" ستجمعه مع "التيار الوطني الحر"... "تيار الجمهورية القوي"، كما وصفه الوزير جبران باسيل مؤخرا.
للعلم والخبر بري من هواة لعب البلياردو. هذا ما يتقنه في السياسة أصلا. فنّ حمل العصا وضرب العدد الاكبر من الكرات وإدخالها في الهدف. يعشق السباحة أيضا ولعب الطرنيب. مخلص للمطعم الايطالي وكاره لأكل الطيور على أنواعها لذلك لا تجد أطباقا بالدجاج على سفرة "الاستاذ" حين يكون جائعا.
لم يخلع يوما ثوب المحامي لذلك تفهم "بهلوانيته" في التشريع و"ملاعبة" القوانين. خبير صناعة المخارج، "اختصاصي" في كسر الحيطان المسدودة. حتّى في عزّ أزمة الرئاسة و"نبرته" الاستفزازية، ثمّة من يجزم بأن نبيه بري كان "يتكتك" بهدوء فيما الجميع على أعصابه.
إسفنجة رئاسية بامتياز تمتصّ تقريبا كل شئ. ولّاد أفكار يعمل على "مئة جبهة". يمكن أن يشغل رادارته في الوقت نفسه لدوزنة أشكال الحكومات وتوليد رؤساء والتركيز في الوقت نفسه على حلّ مشكل حزبي في ضيعة جنوبية!
"أبو مصطفى" حَسم الموضوع باكرا. لا أحد من العائلة سيرثني في موقعي على رأس السلطة التشريعية. يفضّل أن يُبقي مصطفى وعبدالله (ولداه من زوجته الاولى ليلى) وباسل (ابنه من زوجته الثانية رندا) بعيدا تماما عن مواقع السلطة والحكم. الوشوشات تدلّ بالأصبع الى الوزير والنائب علي حسن خليل كأحد أهمّ الوجوه التي أفرزتها تجربة "أمل" في السلطة وأكثرها ديناميكية وفعالية، فإضافة الى مساره النيابي والوزاري أسّس لشبكة علاقات "حديدية" مع العديد من المرجعيات والقوى السياسية، وهو بالتأكيد رجل بري الاول في المهمّات الدقيقة والمعقدة السرّية والعلنية فضلا عن كونه من النواب والوزراء الثوابت. تكفي "دفاتر" المحاضر والملاحظات التي يملكها بين يديه والتي أرشفت حقبات سياسية كاملة، قلّ موسوعة سياسية حصرية لا يملكها سوى "أبو حسن".
لا يستمتع "أبو مصطفى" بالهواء والشمس والمناسبات الاجتماعية إلا حين تقلع طائرته الخاصة من لبنان. حتّى "التمشاية" اليومية مساء مع أصدقاء وإعلاميين يمارسها داخل صالة مقفلة في عين التينة لأسباب أمنية. وعلى سيرة الأمن الذاتي يمكن بالتأكيد القول بأن عين التينة باتت بحكم المنطقة "المقفلة." جزيرة محصّنة استدعت إقفال طريق رئيسية على الاوتوستراد المؤدّي الى عين المريسة إضافة الى طرق داخلية أخرى. بعكس وليد جنبلاط والعديد من السياسيين لم ينجذب إطلاقا الى العالم الافتراضي ولا حشرية لديه لاستراق النظر الى مواقع التواصل الاجتماعي، بل يكتفي بما يصله من "تويتات" و"بوستات" عنها... لمَ يفعل ذلك و"نبيه بري world" هو "مالئ الدنيا وشاغل الناس"؟


 

  • شارك الخبر