hit counter script

مجتمع مدني وثقافة

مطر في احتفال الحكمة بعيد شفيعها: بلدنا نموذج للعيش المشترك

الثلاثاء ١٥ آذار ٢٠١٧ - 15:36

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

احتفلت الحكمة الأم في بيروت بعيد القديس يوسف شفيعها، بدعوة من رئيسها الخوري جان-بول أبو غزاله، برعاية ولي الحكمة رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر وبمشاركة قداماها وأعضاء الهيئتين التعليمية والإدارية وأهل وتلامذة ورياضيي الحكمة وكشافتها ودليلاتها.

وترأس المطران مطر، في هذه المناسبة، الذبيحة الإلهية، في كنيسة مار يوسف - الحكمة، يحيط به النائب العام لأبرشية بيروت المونسيور جوزف مرهج والأباء: جان - بول أبو غزاله، جوزف غاريوس، فادي خوند، إيمانوييل قزي، انطونيو واكيم، دوري فياض، داود أبو الحسن وبسام سعد، وشارك فيها وزير الدولة لمكافحة الفساد نقولا تويني، والنواب: ميشال فرعون، نديم الجميل، ناجي غاريوس وفريد الخازن، رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب ورئيس جمعية المصارف اللبنانية الدكتور جوزف طربيه، المطران يوسف أنيس أبي عاد وشخصيات سياسية واجتماعية من أبناء الحكمة والأباء رؤساء مدارسها.

وبعد الإنجيل المقدس ألقى المطران مطر عظة تحدث فيها عن مار يوسف والحكمة ودورها الوطني في العيش الواحد للبنانيين، وقال: "لنا في كل عام موعد صلاة مع القديس يوسف، نصعدها إلى الله الآب من أجل الحكمة في مناسبة عيد شفيعها، وهو شفيع كل العائلات. ولنا أيضا في المناسبة عينها وقفة تأمل حول الرسالة التي حملتها ولا تزال تحملها الحكمة منذ مئة وأربعين سنة ونيف مرت على تأسيسها. ذلك أن بانيها ورافع سقوف العلم فيها قد أراد لها أن تكون أول مدرسة وطنية كبرى في لبنان لتعليم الفتيان، من كل طائفة ومن كل منطقة، وأن ينسحب وجودها خيرا، كما قال، "على جميع الأمصار الشرقية".

تابع "لكننا إذا نظرنا اليوم إلى ما آلت إليه الأمور في بلدان هذا الشرق الحزين، لزدنا يقينا بأن روحا وطنية على غرار روح الحكمة النافحة منذ نهايات القرن التاسع عشر، هي وحدها التي ستقدم لشعوبنا المقهورة فرصة خلاص مما تتخبط فيه من مآس وما تتعرض له من نكبات. الموضوع جلل، فإن مطلق روح الحكمة، سلفنا الصالح على كرسي بيروت الأسقفي المثلث الرحمات المطران يوسف الدبس، كان يبغي من مشروعه هذا إعداد الأجيال اللبنانية والعربية لزمن ما بعد الأمبراطورية العثمانية المتهاوية، وذلك بجمع الصفوف على المعرفة المستنيرة بكل أنواعها وعلى المحبة الأخوية الصادقة بين كل مكونات أوطاننا من دون استثناء".

اضاف مطر "وها نحن اليوم، وبعد مرور مئة عام على سقوط الأمبراطورية العثمانية، وبعد قيام أوطان عربية واسعة على أسس دستورية تقر بالمواطنة والمساواة بين أبنائها، نكاد نهدم كل ما بنيناه وكل ما بناه إخواننا من حولنا، بفعل سقوطنا في لجج التفرقة والبغضاء وتنكرنا لكل محبة تجمع عيال الله على العيش معا بشكره تعالى وإنفاذا لمشيئته القدوسة بأن نتعارف ونتصافى. إن مشكلة الشرق الحالية ترمي بأثقالها على كل دولة فيه وهي تتلخص بقبول أو بعدم قبوله التنوع الطائفي والمذهبي ضمن المجتمع الواحد والدولة الواحدة. فإذا قبل الناس بعضهم بعضا في مذاهبهم المتعددة كان لهم السلام والوئام والأخوة والرضى. أما إذا لم يقبل أحدهم الآخر بقبول التنوع الطائفي والمذهبي عندهم، فأي سلام يمكن أن يستمر أو أن يستقر في هذه الدول أو بين هذه الجماعات؟ ومن قال أصلا أن الناس يجب أن "يفردوا" بحسب طوائفهم أو بحسب مذاهبهم ليكون بينهم التعايش السليم؟ إن المسيحية لا تعلم أبدا مثل هذا التعليم ولا الإسلام يعلمه. والكل يعرف أن الإسلام كما المسيحية هما دينان عالميان، وأن الأخوة الروحية بين المؤمنين ليس من المفروض أن تلغي الأخوة الإنسانية بين المواطنين، فالمصير الواحد يجمع في الدولة الواحدة مؤمنين من كل الأديان، وتاريخ الشعوب هو تاريخ التلاقي بين الناس، أمس واليوم وغدا وإلى يوم القيامة".

واردف "وها هو بلدكم لبنان، بلد المواطنة الأحلى، وقد صار نموذجا للعيش المشترك والمتساوي بين أطيافه كلها ومن دون تفرقة ولا تمييز. وهو يعطي للشرق كما للغرب أنموذجا طيبا لتلاقي المؤمنين من الدينين الكبيرين في بوتقة وطنية واحدة. وإن أكبر شهادة أعطيت له في هذا المجال قد صدرت عن البابا القديس يوحنا بولس الثاني الذي توصل إلى الإعلان بأن لبنان هو أكبر من بلد وأنه رسالة للشرق كما للغرب في العيش الحر الكريم بين مواطنيه. فهل ترون أيها الأحباء كيف أن روح الحكمة كانت وستبقى تعبيرا حضاريا صادقا لروح لبنان التي تدعو الجميع إلى التعاون المحب، وكيف أن باني الحكمة قد وضع حجرا من حجارة الأساس لهذا الوطن ولهذه الدولة التي نستظلها جميعا؟

اضاف مطر "لقد زعم يوما من قبل البعض إن لبنان دولة هزيلة بين دول الشرق وفيها من المصاعب ما يعطل رسالتها المذكورة أو ما يقلل من وهجها. ولكن عندما ظهرت مشاكل العيش المشترك على مستوى الشرق برمته، تنبه العارفون إلى أن لبنان، إما أن يكون مفتاحا للعيش المشترك في كل الشرق وإما أن لا يكون الشرق وطنا للحضارة والإنسانية التي تستحق هذا الاسم. لهذا نؤكد مجددا إن لبنان في بناء الحضارة على أرض الشرق هو المبتدأ والشرق كله هو الخبر. فهل يعي اللبنانيون عظمة هذه المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وأنها جديرة بأن تحمل ولو كان لها ثقل الجبال؟ أما بشأن المواطنة والحرية الدينية فقد بات موضوع الساعة في اللقاءات المسيحية الكبرى على غرار ما جرى في السينودس من أجل الشرق الأوسط أواخر العام 2010 وفي لقاء الأزهر في القاهرة الذي عقد منذ ثلاثة أسابيع. الجميع يتلاقون على ضرورة أن يواطن الناس بعضهم بعضا ضمن دول وجماعات متنوعة ومتعاونة. ومن دون ذلك لا يمكن أن تكتمل مسيحية المسيحيين ولا أن يكتمل إسلام المسلمين. وكل معاكسة لهذه القاعدة الذهبية تودي بالسلام وبالحضارة على ما يجري اليوم تحت أنظار العالم في بلدان عزيزة كسوريا والعراق وليبيا واليمن وسواها، حيث، وللأسف الشديد، يقوى التطرف على الاعتدال، والهوى على العقل والجهل على الحكمة الراجحة".

وتساءل مطر فماذا نفعل في لبنان لأجل أن نكون مسؤولين عن حضارتنا ودولتنا لا بل عن السلام في المنطقة وفي العالم أجمع؟ الجواب هو في التمسك بروح الحكمة التي تربيتم عليها في مدرستكم، منذ أول يوم قرع فيها جرس الدخول إلى يوم تخرجكم منها وإلى ما شاء الله. وإن لكم من القديس يوسف ومن صفاته الروحية والإنسانية المقدسة ما يضيء الدروب لكل في عمله حيث هو وفي تحمل المسؤوليات الحضارية والإنسانية على كل صعيد.

القديس يوسف هو رجل الله أولا وأخيرا. يؤمن بربه أساسا ونبراسا لحياته ومهماته. وقد طلب منه الخالق أن يكون مربيا للطفل الإلهي إلى جانب مريم التي ليس أعلى من قداستها بين البشر. فلبى النداء على الرغم من كل الصعاب ومنها الخوف، والهرب بالصبي إلى مصر والسهر عليه فتى في الناصرة، إلى أن جاء يوم نشر الإنجيل. وهو ثانيا شفيع العائلات لكونه الراعي الصالح وأب العائلة المقدسة دون تردد ولو للحظة واحدة تجاه هذا التكليف. وهو ثالثا شفيع العمال والكادحين الذين يأكلون خبز الكرامة بعرق الجبين. فيكون هذا القديس المربي، والأب والعامل المثل الأعلى لكل أهل الدنيا وأنموذج الفاعلين بعمق وتواضع أكبر الأفعال وأكثرها نفعا. فهلا أخذنا من إيمانه قوة وصلابة نحن بحاجة إليها لنعرف مشيئة الله علينا ونسير بهديها على دروب الحياة؟ أما روح الأبوة العائلية فهي الأساس المتين لبناء الأوطان وحمايتها من كل خطر، ومن الضرورة بمكان أن يلتزم المواطنون هذا الروح في تعاملهم بعضهم مع البعض الآخر.

لقد كانت الحكمة في هذا المجال خلاقة إذ تخطت حدود الميثاق الوطني قبل أن يوجد، فالميثاق يبنى على التفاهم والتعاون، وعلى التوازنات. أما الحكمة فقد اجترحت أعجوبة المحبة بين المسلمين والمسيحيين وهي أسمى من كل التوازنات. فطلبنا منكم هو أن تستمروا على هذا الإيمان وعلى هذه المحبة. وعند ذاك يسلم لكم الرجاء بوطن معافى على صورة إيمانكم ومحبتكم الكبيرين.

وختم مطر انها وصيتنا لكم نجددها في كل يوم ونحمد الله على أنكم بها متمسكون. كما نوصي بها حكمة اليوم لا بل الحكمات كلها، جامعة ومدارس أكاديمية ومعاهد مهنية فتسهر على روح الحكمة في تعاليمها وفي تربية أجيالها المتعاقبة كلها وتبقى أمينة للعهود ومعدة للصمود في خدمة لبنان وفي إعلاء شأن الحضارة الإنسانية فيه، وعلى مساحة الشرق برمته. وإن صلاتنا في هذا القداس تضم إليكم كل أهل الشرق ليتحول من مجتمع حزين وممزق إلى مجتمع آمن تحلو فيه الحياة، فينقلب الشر الحاصل اليوم إلى صورة ناصعة من ملكوت الله. وفيما نسأل لكم حماية القديس يوسف والعيش في هدي فضائله، نرجوه تعالى أن يرعاكم بعين عنايته على الدوام وأن يسكب عليكم في كل حين فيضا من نعمه وبركاته. آمين. 

  • شارك الخبر