hit counter script
شريط الأحداث

- سابين الحاج - الجمهورية

ماذا تطلب الأُم في عيدها؟

الثلاثاء ١٥ آذار ٢٠١٧ - 06:35

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تبكي جانيت أمام الصاج الذي تملكه في حيّ شعبي في بيروت وقد أنهكها العمر وحفرت التجاعيد خطوطاً عميقة على وجهها ورقبتها ويديها. تلك اليدان اللتان تلاعبان العجين يومياً لتحويله مناقيش شهية تبيعها لجني المال. على رغم بلوغها الخامسة والستين من العمر، لازالت تعمل منذ الصباح الباكر إذ تصحو «قبل الضو» لتفتح محلها الصغير.
تعبت جانيت وهدّت الأيام جسدها، لكنها لا تستطيع التخلي عن مصدر لقمة عيشها أو إقفاله أو حتّى التفكير بالتقاعد أسوة بغيرها في هذا العمر. فمَن يؤمّن الدواء لزوجها المريض؟ ومَن يعيل عائلتها؟ هي أم لشابتين كدّت وزوجها مدى العمر لتعليمهما في أفضل المدارس والجامعات.

والآن واحدة منهن وبعد أن تخرّجت من الجامعة تعمل بـ 700 دولار شهرياً وتتمكن بالكاد من سدّ مصاريفها، أما الأخرى فمطروحة منذ 6 أشهر في البيت تبحث عن عمل، دون جدوى وتستعين بأمها مادياً.

في عيد الأم، تؤكد جانيت لـ«الجمهورية» أنّ أجمل هدية تلقتها في حياتها هي ابنتاها، إلّا أنها حلمت بتمتّعهما بمستقبل باهر وتبوئهما مناصب رفيعة، فلطالما قالت لهما: «تعلّمي يا ماما، هيك كيف ما انزتّيتي بتجي واقفة»، ولكن يبدو أنه على رغم تعلمهما في هذا البلد، «كيف ما انزتّت البنت بتجي زالقة». وتتمنّى جانيت المُحبطة أن تتدنى نسبة البطالة في لبنان، فتكثر فرص العمل وترتفع المعاشات ما يحسّن القدرة الشرائية للناس.

تراوح مكانها

تشبه هذه الأم أمهات كثيرات ممَّن اعتقدن أنّ بتعليمهن لأبنائهن سيتمكنّ من قضاء آخرة هادئة ومريحة، ملؤها البحبوحة بعد أن «يقف الأبناء على أرجلهم». هؤلاء الأمهات لم يتوقعن أنهن سيبقين السند المادي لأبنائهن حتّى آخر لحظة من حياتهن، بسبب الأزمة المعيشية الخانقة.

وبينما تحلم هذه الأم بمستقبل زاهر لأولادها يمكّنها من الاتكال عليهم وليس العكس، فإنّ تلك التي تعمل موظفة تحلم بزيادة راتبها ما يحسّن نوعية حياتها ويحفّزها على العمل. فيوليت (40 عاماً) أم لولد ما دون العشر سنوات، تؤكد في عيد الأمهات أنها سئمت، فهي تعمل في مجال الطباعة، ولم تحظَ بزيادة على راتبها منذ 5 سنوات.

وتقول لـ«الجمهورية»: «منذ 5 سنوات لم يزيدوا لي حتّى 100 دولار، فخبرتي زادت والمسؤوليات في ازدياد والغلاء في ازدياد ولكنّ الراتب على حاله، ومَن لا يتقدّم يتراجع».

ربّت وصدّرت

وإذا كانت غالبية مَن سألناهنّ من الأمهات عن ما يتمنين الحصول عليه في عيدهن تَوافَقن على أنّ المبتغى هو العيش بكرامة والتمكّن من تأمين حاجياتهنّ وعائلاتهنّ دون أن يحتجن لمساعدة أو منّة من أحد، فإنّ عدداً منهن قدّم أسباباً أكثر عاطفية.

«لم أشعر بطعم عيد الأمهات منذ 6 سنوات»، تقول لينا (60 عاماً). «أنا أم لشابين في الثلاثينات من العمر، هاجر أحدهما إلى أوروبا والآخر إلى الخليج، سعياً وراء عمل وحياة أفضل، وأنا وزوجي نمضي آخرتنا وحيدين بعد أن أنجبنا وعلّمنا وربّينا، ويمرّ عليّ عيد الأم سنوياً وأنا محرومة من رؤيتهما منتظرةً بفارغ الصبر قدومهما في عيد الفصح». وتقول: «الأم في لبنان تربّي لتُخرِّج قدرات وطاقات إلى الخارج، وأثمن هدية بالنسبة لي لو يجدان عملاً في لبنان ويعيشان بقربي».

محرومة من حقوقها

وفي حين تحرم الظروف آلاف الأمهات من أبنائهنّ المسافرين، تحرم القوانين والأعراف اللبنانية التمييزية ضد النساء، آلافاً من التمتّع بحقوقهن.
وتلفت ندى (45 عاماً) التي التقتها «الجمهورية» في أحد شوارع بيروت، إلى أهمية أن تحظى الأم اللبنانية بحق منحها جنسيتها لأولادها.

وهي المتزوّجة من فرنسي تؤكد: «عيد الأمهات يمرّ بحسرة على آلاف المتزوجات من أجانب واللواتي لا يمكنهن منح أولادهنّ حق المواطنة، إذ يميّز القانون اللبناني بين المرأة والرجل على رغم تأكيد المادة السابعة من الدستور أنّ «كلّ اللبنانيين سواء لدى القانون».

الأحبّ إلى قلبها

وعلى رغم كلّ الأمنيات البعيدة المنال، ثمّة مَن ينتظرن بفرح هدية الأولاد في عيد الأمهات عربون شكر على تضحياتهن طوال أيام السنة، ومِنَ الوالدات مَن يحزنّ لأنّ أبناءهن تكلفوا ثمن هدية بدل أن يصرفوا المال على أنفسهم.

لكن في المحصلة، تبدو آراء الأمهات على اختلافها، متفقة على أمر: الأمومة ورؤية أبنائهن بالقرب منهن هي الهدية الأثمن في العيد.

سابين الحاج - الجمهورية

  • شارك الخبر