hit counter script
شريط الأحداث

الحدث - ملاك عقيل

جمهورية بلا "معالي الوزير" و"سعادة النائب"...

الإثنين ١٥ آذار ٢٠١٧ - 06:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

قد تقرّ سلسلة الرتب والرواتب بسهولة وقد لا تقرّ. قد تتعثّر الموازنة وقد تجد طريقها الى الاقرار بعد 12 عاما من "التغييب" المقصود. قد يقرّ قانون الانتخاب وقد يستنزف المزيد من الوقت الى حدّ تكريس التمديد او الستين. قد تجري الانتخابات هذا العام أو بعد عام. قد يغيّر السياسيون "عادتهم" البشعة في الكذب على الناس وقد يكتسبون خبرة أكبر في الاحتيال وتلفيق المسرحيات. قد يلتهب الشارع مجددا وقد يبقى تحت السيطرة. قد يحسّ الفاسدون "على دمهم" ويخفّفون من وطأة فسادهم وقد لا يفعلون... احتمالات الـ "نعم" أو "لا" تبقى جائزة حيال كل هذه الملفات، إلا حين يصل الامر الى "الالقاب". من يفكّر في "توريث" عائلات الرؤساء والوزراء والنواب السابقين والمتوفين راتبا ومخصصات الى أبد الابدين، ومن لا يزال يعيش في "كوكب" تسليم الكوفية والعباءة والعصا والحزب والمقعد النيابي من جيل الى جيل ومن الاب الى الابن لن يقدم يوما على سحب لقب "التعظيم والتبجيل" منه... 

من وقت الى آخر تبرز مناشدات محدودة من هناك وهناك لالغاء الالقاب وحجبها عن السياسيين. حاجة فطرية ربما في بقعة اسمها لبنان، تكاد تشكّل مجرد نقطة أو أقل على خارطة العالم، لكنها تختزن في سلوكياتها كل ما يلزم من ادوات التمييز السياسي والطبقي في الذهنيات وفي الممارسة.
لم تفض المحاولات الخجولة يوما الى النتيجة المتوخاة. فإضافة الى "فوبيا" التخلّي عن المواقع والكراسي، والغرام الذي يبدأ ولا ينتهي بالسلطة والنفوذ، والتسكّع على أبواب "القادرين" من أجل الظفر بمقعد نيابي او وزاري او إداري، والتصرّف بالموقع العام كممتلكات خاصة... كان يبدو مستحيلا دفع السياسيين الى التصويت على ما يجرّدهم من جزء من هيبتهم وسطوتهم و"لَمعَتِهم" أمام من لا حول لهم ولا قوة. لا بل اصبح الوضع اكثر تأزما، واللبنانيون انساقوا لا إراديا نحو المزيد من الالقاب الشعبوية: صار لدينا بيّ الكل وأستاذ الكل وخيّ الكل وشيخ الكل وقائد الكل... بصراحة هي القاب تشبه الناس أكثر. عفوية وبسيطة وطريفة أحيانا. قد تكون "موجة" وتنتهي تدريجا مع الوقت طالما أنها تعبّر عن نبض الناس وحاجاتهم الدائمة الى من يحميهم من كل شئ، لكن الالقاب الرسمية ثمة من لا يستحقها فعلا، وهي بالتأكيد ثقيلة على السمع.
نزع الالقاب عن أصحاب الالقاب ليس مدرجا اليوم على جدول أعمال أحد الكارثة ان الالقاب لا تعرف التقاعد. ان تكون وزيرا او نائبا او رئيسا او مديرا عاما حتى ليوم واحد فقط... لحقك اللقب الى القبر!
لا يستقيم "الشأن العام" من دون "معاليه" و"دولته" و"سعادته" و"الشيخ" و"البيك" و"المير"... ترنّ في الاذن فتمنح سامعها مزيدا من جرعات الاستقواء والعنجهية. ليس بالضرورة الاستقواء لتغليب المصلحة العامة. ليس هذا ما يحدث عادة. يكفي حمل اللقب، فيتحوّل الى "فيزا عمل" لفعل أي شئ بما في ذلك تكريسه لممارسة الفوقية على الجميع حتى على الخدم وسائق السيارة والعامل في المتجر والنادل...
هنا شئ من التماثل مع التجربة البريطانية التاريخية في اقتناص الالقاب. "التاريخ يشهد" على ان الحكومة البريطانية عمدت الى بيع الألقاب حين كانت تفلّس خزينتها. من أشهر باعة الألقاب الملك ويليام الفاتح، وادوارد الثالث، وجيمس الأول، وتشارلز الثاني، وجورج الثاني. مارغريت تاتشر نفسها توسّطت مرارا لمنح ألقاب النبالة إلى رجال الأعمال وصناعيين قدّموا لحزب المحافظين تبرعات دسمة...
في لبنان اللقب بضاعة خاضعة للعرض والطلب. يُدفع حقها استزلاما وتودّدا وزحفا وتبعية، وايضا بالاموال، للمرجع القادر على منح برستيج الموقع ثم اللقب. كبار القوم لهم ألقابهم الازلية أيضا. الاستغناء عنها يبدو ضربا من ضروب الخيال.
يسجّل لرئيس الجمهورية الاسبق الراحل إلياس الهراوي سعيه مرة لالغاء "الألقاب المتوارثة من العهد العثماني"، مقترحا اعتماد كلمة "السيد" في التخاطب مع الرسميين.
وفي جلسة للحكومة في تشرين الاول 1997 وافق مجلس الوزراء على الاقتراح، لكنه دفن في أدراج مجلس النواب... فعادت حليمة الى عادتها القديمة.
كما تقدّم النائب محمد قباني قبل سنوات باقتراح قانون لالغاء الألقاب في الخطابات والمنابر، لكن النتيجة كانت متوقعة. لا أحد من السياسيين في وارد التخلي عن "عدّة" الهيبة والنفوذ والوجاهة.
في الاشهر الاولى للعهد الرئاسي تلقّت بعبدا سيلا من التمنيات والرغبات والاقتراحات تصبّ جميعها في إطار الحاجة الى إصلاح الاعوجاج. وبما ان الرهانات كبيرة على قدرة العهد على التغيير، فلا بأس من تحميله "وزنا زائدا": بلا ألقاب أرجوكم... ومن يستأهلها أصلا!؟ بيّ الكلّ وخيّ الكل وقائد الكلّ وحبيب الكلّ أهضم بكثير وأقرب الى القلب... فاكتفوا بها!
 

  • شارك الخبر