hit counter script

- ناتالي اقليموس - الجمهورية

ريشة ستافرو جبرا تنتحبه... أبدعتَ "التشويه"

الإثنين ١٥ آذار ٢٠١٧ - 06:58

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لن أخبركم تاريخ مولده، فهو مع كلّ كاريكاتور يطفئ شمعة عامٍ جديد، ولا داعي لتعرفوا مسقط رأسه وتسترسلوا في تحليل انتمائه، لونه، ودينه... فهو حملَ لبنان بقلبه نحو العالمية، وعمَّد ريشته بالحرّية، وأمعنَ التشويه في رسوماته الكاريكاتورية إلى حدّ الإبداع. هو ستافرو جبرا الرسّام الكاريكاتوري الذي حاكَ من الأوضاع المبكية ضحكة لنا، وما رحَم السياسيين من «لطشاته»، ولا «بنت البلد»، و»إخت البلد» من «زكزكاته».
وأنتَ تزوره في أحد مكاتبه في الدكوانة، لا بل في كوكبه الخاص، تحار أين تنظر، فالجدران كلّها تنطق برسومات كاريكاتورية سقاها بحبر ريشته منذ العام 1967، معلّقة في كلّ حنايا المكتب.

إلتقيتُ بالكاريكاتوريست الراحل ستافرو جبرا منذ سنوات لأجريَ معه لقاءً كان الأولَ به بعد أن تواصَلنا عبر الهاتف، وقد أبدى كلَّ ترحيب، أذكر يومها، تمتمتُ في نفسي: «أف شو متواضع».

«ما في حدا ينافسني!»

تَجدّد عندي هذا الإحساس حتى لحظة استقبلني فيها شخصياً عند الباب، فكرّرتُ في نفسي، «فعلاً شو متواضع». تباعاً بدأ الحديث يأخذ مجراه من سؤال إلى آخر، فأوضَح لي «أّن «الكاريكاتوريست» الناجح يصيب في اصطياد الخبر، إلتقاط الغلط ومعرفة التشويه حتى الإبداع». وأخبرني «أنّ أصل كلمة كاريكاتور في اللغة اللاتينية «كاريكار»، ونعني بها التشويه والمبالغة».

وفي سؤالي عن مسيرته المهنية من ينافس ستافرو اليوم؟ أجاب بابتسامته العريضة البشوشة وعينيه المعبّرتين: «ما حدا بنافسني... يا ريت في حدا!». لوهلةٍ كاد يَسمعني أهمس: «أف ولو شو مكبَّر».

فسبَقني وقال: «مكبّر بتقولي قولي». ويوضح بثقة عالية وكلمات واثقة: «أيّ مبدع بوسعه منافستي، ولكنّ التحدي الأكبر في حساباتي هو سباقي مع نفسي وانتقادي لرسوماتي في اليوم التالي ومدى ملامستها للواقع».

«ما عندي ممنوع!»

أكثر من 40 دقيقة دام الحوار، وستافرو يجيب بسلاسة متناهية، مسترسلاً هنا، موضحاً هناك، حتى وصَل الحديث إلى حرّية التعبير، وسقفِ رسوماته، وتحديداً عند الخطوط الحُمر التي تقف عندها ريشتُه. فما إن رنَّت في أذنه كلمة «ريشته» و»خطوط حمر»، حتى ارتفعت نبرتُه وزادت حدّته، وكأنّ كلّ خصلة من «شعره العبي» الأسود، تحوّلت إلى سهام مصوّبة تدافع عن ريشته.

دقّ بقلمٍ أمامه على الطاولة قائلاً: «ما عندي ممنوع أنا». فاستطردتُ قائلةً: حتى «السيّد حسن نصرالله؟»، فأجاب: «طالما يتعاطى السيّد في الشؤون السياسية، ويبدو إعلامياً في أكثر من مناسبة، لن أتوقّف عن رسمه كاريكاتورياً، لا هو ولا حتى رجال الدين، إلّا حين يتراجعون عن التعاطي في الشؤون السياسية اليومية، ولا ينافسون الإعلاميين بإطلالاتهم»... «بَس يوَقّفوا يتعاطوا بالسياسة ما بِرسمُن!»، مؤكّداً احترامَه للعقائد الدينية كافّة وعدمَ الإساءة لمقاماتها.

دام الصمت نحو نصف دقيقة وستافرو يجول بنظراته على رسوماته، ويقول: «هذا لا يعني أنّني لم أتعرّض لضغوط، ففي كلّ مرّة تحاول بعضُ المراجع السياسية والدينية تقييدَ حرّيتي، أرسِل لها جواباً: «سقفي ما بيوطّيه حدا».

سرّ نجاحه...

كلّ مَن عرَف ستافرو جبرا من قريب أو بعيد يدرك تماماً أنّ ريشتَه دخلت قلوبَ اللبنانيين، بصرفِ النظر عن اصطفافاتهم وانغماساتهم، فهو أتقنَ الوقوف على مسافة من جميع السياسيين. ففي إحدى كاريكاتوراته، شابٌّ يتغزّل بفتاة: «يِقبرني طولِك شو حلو... بحِب عرّفِك عن حالي، محسوبِك بيشتغل بالسياسة»، فتجيبُه الفتاة: «ياي.. يعني طقّيق حنك!».

لم يَضعف قلب هذا الرسّام إلّا أمام المؤسسة العسكرية وإنجازاتها في محاربة الإرهاب، فرسومُه خيرُ تعبير، كذلك لم ينحنِ إلّا أمام معاناة اللبنانيين، من بطالة، إلى ابتزاز الدولة لهم، إلى تغييب أصواتهم، وغيرها من القضايا الإنسانية التي عبّر عنها في المنابر الإعلامية التي تنقّلَ فيها، سواء محلّياً أو عالمياً، ممّا ساهمَ في كسبِه جمهوراً عابراً للحدود.

هو الذي سأل بعد نيلِ الحكومة الثقة بـ 87 صوتاً: «دخلَك باقي الشعب اللبناني وين أصواتُن»؟، وكتب بعد زيارة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لرئيس الجمهورية ميشال عون: «يللي ما بيعجبَك إلّي لهزّلوا العصا»، وغيرها من الرسومات التي رافقَت الحراك السياسي والتحالفات والمستجدّات لحظة بلحظة.

... «وإخت البلد»

لم يُبدع ستافرو فقط في الكاريكاتور السياسي، الاقتصادي والمعيشي، بل أحسَن اللعب على الكلمات، وبَدت الحروف مطواعة في يده إلى أقصى الدرجات محمّلة بالرسائل المبطّنة مرّةً، ومراراً تعلو معها الضحكات. ومن تلك الرسوم الكاريكاتورية: يسأل النائب وليد جنبلاط: «وين الأمن بالمطار؟» فيجيبه النائب محمد رعد: «مَ طار من زمان!».

وفي رسمة أخرى، تحمل رسالةً معيشية لمواطن جنبَ خيمتِه يحمل لوحةً مكتوباً عليها: «صمود مواطن شو جاع!». وفي لطشة سياسية، رسَم ستافرو رَجل ينزع ملابسَ فتاة، تسأله: «شو باك عم تشَلّحني؟؟؟ فيجيبها: «ولو بخلّي الدولة أحسن منّي!».

كذلك تميّز ستافرو بنقده الساخر، وروحه المرحة التي عُرف بها، لا سيّما مع شخصيتَي «بنت البلد» و»إخت البلد»، اللتين شكّلتا حالةً فريدة من نوعها، ومعهما بلغَت ريشته ذروةَ الجرأة وقمّة الفكاهة.

ومِن تلك النكات: «إنت مع مين بالمونديال؟» تسأل بنت البلد، فتجيبها إخت البلد: «أنا مع اللي بفَوّت غول». وفي رسالة رياضية، رسَم بنت البلد تقول: «هالطابة شو عم تعمل عنف بالملاعب»، فتجيبها إخت البلد: «لازم يكونوا مِتلي صِدرن رحب باللعب!».

في الختام رَحل ستافرو جبرا تاركاً لنا العمرَ المديد بعدما امتهن إضحاكَنا... باغَته الرحيل ولكنْ ستبقى الآلاف من رسوماته تُخبر عنه... ريشته، الإعلام، لبنان بأسره سيفتقده.

ناتالي اقليموس - الجمهورية

  • شارك الخبر