hit counter script

باقلامهم - مازن ح. عبّود

صوم وقصة وعبرة

الثلاثاء ١٥ شباط ٢٠١٧ - 06:05

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أرسل لي كاهن اجلّ اليوم معايدة بمناسبة بدء الصوم، رسالة لم تكن كنسية بالشكل بل روحية بالمضمون، والرسالة أتت قصة على لسان شارلي شابلن حول والده. وقد قال: "كنت صبيا وقد توجهت بصحبة ابي لمشاهدة عرض للسيرك ... و في صف قطع التذاكر كانت أمامنا عائلة بانتظار دورها...كانوا ستة أولاد و أمهم و أبيهم... كان الفقر بادياً عليهم... ملابسهم قديمة لكنها نظيفة ... كان الأولاد فرحين جداً و هم يتحدثون عن السيرك و عن الحركات و الألعاب التي سوف يشاهدونها ...
و بعد أن جاء دورهم تقدم الرجل و سأل مسؤول التذاكر عن كلفتها ...
فأجابه... فتلعثم الأب و أخذ يهمس في إذن زوجته ...
يقول شارلي رأيت والدي يسارع لإخراج عملة ورقية فئة العشرين ويرميها على الأرض... ثم انحنى ورفعها ووضع يده على كتف الرجل وقال له لقد سقطت منك هذه النقود. نظر الرجل في عين والدي وقال له شكراً سيدي وقد امتلأت عيناه بالدموع ... حيث كان مضطراً لأخذ المبلغ كي لا يحرج أمام أبنائه ...
وبعد أن دخلوا... سحب ابي يدي وتراجعنا من الطابور لان والدي لم يكن معه غيرها... ومنذ ذلك اليوم وانا فخور جدا بأبي !!
لقد كان ذلك العرض أجمل عرض للسيرك وإن كنت لم أره."
كانت هذه الرسالة الاجمل بين كل الرسائل التي تلقيتها مطلع هذه الصوم وقد لخصت بكلمات ما نحن قادمون عليه. فالله لا يحتاج لصيامنا ولا لعباداتنا ان لم يكن محورها الاخر. لا لزوم لصيامنا ان لم يكن مقرونا بالعطاء والعطاء هو من الحاجة وليس مما يفيض. يصوم الناس والكثيرون يجهلون لم يصومون أصلا.
ليس الصوم كما تقول جارتنا أفضل المواسم للحمية ولفقدان الوزن لضرورات صحية وجمالية. كما انه ليس غاية بحد ذاته كي يصير للتفاخر بل انه وسيلة. نصوم اراديا كي نتشارك مع من يصومون لا اراديا، فنشاطرهم جوعهم وعطشهم ومراراتهم وآلامهم. نتذكر في الصوم اننا حلقة من حلقات هذا الكون ولسنا الكون. فنروح نتفاعل مع الزهرة وحيوانات البر والطيور. نمتنع في الصوم عن نهش اللحوم ونعد الخالق بان لا ننهش ونلتهم لحم اخوتنا للذة النهش او القتل من بعد، فنعيش بمسالمة مع أنفسنا وينعكس ذلك على كل المحيط الذي فيه نحيا.
يسعى البشري الى جعل العالم من حوله صورة عن عوالم ومحيطات نفسه التي هي مضطربة ومقلقة في الكثير من الأحيان. لذا فإننا اضحينا نسمع عن السلام والمحبة والتواضع ولا نجد أي منها حتى في المؤسسة الكنسية التي نراها ترزح تحت نير الطقوس والشكليات والخلافات والانقسامات الفردية تتصاعد الى حد القضاء على المرجعية الكنسية التي أخشى بانها تأخرت وتتأخر في فهم نبض الشارع وحاجاته، وفي اظهار جدواها في احقاق الحق ونصرة المظلوم والشهادة للحق. لا يستطيع مجمع ما او قائد روحي او زمني ان يتخلى عن عصا الرعاية التي للتأديب ايضا. غدا يجتمع الاحبار في اول أحد من الصوم كي يعيّدوا لاستقامة الرأي، فلنصل كي يقطعوا باستقامة كلمة حق فلا تصير المرجعية في المؤسسة الكنسية في خبر كان، وقد نزع الكثير من الكهنة الجبب والتمسوا من عدالة الأنظمة والبشر ما يعتبرونه حقهم او حلولا لمشكلات وخلافات ونزاعات كنسية الطابع، والمؤسسة الكنسية تتفرج وهي لم تظهر فعاليتها بعد.
نصلي في هذا الصوم كي لا تعود اخبار النزاعات والشقاق والتقاتل تقوى على الومضات وقصص النجاحات والقداسة في كنيستنا. نصلي ان يشق الإصلاح الحقيقي في الكنيسة له مسلكا او دربا ولو صغيرا، فلا تعود الكهولة والتحلل تفضيان الى الفراغ والتعثر في القطيع الصغير الذي يتقلص يوما بعد يوم وذلك بالتوازي مع الحفاظ على الهامات الكبيرة وقصص الاشعاع، فيصير لقاء ما بين الأجيال على دروب القداسة.
اصوم واصلي لذلك وانا على ثقة بانّ لله القدير آذان واياد والسنة في أجساد البشر في كنيسته.


 

  • شارك الخبر