hit counter script
شريط الأحداث

- د. مكرم صادر - الجمهورية

الموازنة: مناقشة هادئة في مصلحة الإقتصاد والناس

الخميس ١٥ شباط ٢٠١٧ - 06:56

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

استطاعت الضجّة الإعلامية حَرف النقاش بشأن مشروع موازنة العام 2017 عن الكمّ الهائل من التعديلات الضريبيّة – أكثر من 50 تعديلاً – التي تصيب الناس في مؤسّساتهم وأرزاقهم ومداخيلهم وأخذ هذا النقاش إلى مكانٍ آخر، هو الضريبة على الفوائد وعلى المصارف، ولنا عودة إلى هذه الجزئيّة.راح الصخب الإعلامي يضخِّم الموضوع من خلال نشر مضمون المذكّرة إلى معالي وزير المالية وتدعيمه بمحضر اجتماع اللقاء الشهري وكأن هذين النصَّين من أسرار الآلهة بينما وُضِعا لإعلام السلطة النقدية والمالية بمخاطر منحى التكليف الضريبي المدرج في مشروع الموازنة وانعكاساته الفعلية على سمعة البلد وعلى السياستين النقدية والمالية.

ولنا عودة إلى ذلك بعد التوقف، من جهة أولى، عند المبادىء الضريبية التي تُسيءُ إليها التعديلات المطروحة ، ومن جهة ثانية، عند الأعباء الضريبية الجديدة والكثيرة التي ستترتّب على الأُسَر والأفراد والمؤسّسات، بما فيها المصارف.

لقد تمَّ تضمين مشروع موازنة العام 2017 مجموعةً من التعديلات التي تُلغي عملياً مبادىء ضريبية سليمة وعريقة أدرجها المشترع على امتداد أكثر من سبعين عاماً بغرض حماية المكلَّفين ضد تعسّف السلطة. ونرى من الضرورة تفصيلها ليكون الرأي العام والسادة الوزراء ونواب الأمة على دراية بما هم مقدمون عليه!.

تلتفّ النصوص المدرجة في المواد 29 على حقّ الإبلاغ، بما يتعدّى النشر في جريدتين وفي الجريدة الرسمية، إذ أن أقلّية من الناس تقرأ الصحف.

وطلب الاسترداد هو حقّ طبيعي للناس أيضاً، وكذلك الحق بتقديم المستندات والمعلومات الإضافية إذا توافرت بعد مراجعة مراقبي الضرائب فتُضَمّ إلى ملفّ المراجعة. وتتعرّض المواد 32 و33 و 34 عملياً لهذه الحقوق.

بل أكثر من ذلك، تتضمّن تهديداً واضحاً لمن يتجرّأ على ممارسة هذه الحقوق البديهية بفتح المراجعة مجدّداً، ما يلغي عملياً الفترة القانونية للتحقّق الضريبي، وهي أربع سنوات بالإضافة إلى سنة المراجعة.

وتتعرّض المواد العشرة التالية (35 حتى المادة 44) للأسس السليمة التي قامت عليها طوال عقود ضريبة الأملاك المبنيّة. فالتعديلات الجديدة تُخضِع الأبنية المعدّة لاستثمار الشركات التجارية لضريبة ( هي في الحقيقة رسم) بمعدّل 2% من القيمة التأجيرية، ولا تنزّل كما يفرض المنطق من الضريبة المترتّبة على الخاضعين لها على أساس الربح الحقيقي، بل يمكن للمكلّف إنزال قيمتها من الأرباح غير الصافية.

إنه مذهب جديد تذهب إليه الإدارة الضريبيّة! يُضاف إلى هذا الرسم رسمٌ آخر قدره مليونا ل.ل. على كل فرع من فروع المؤسّسة أو الشركة! ما يخلق ازدواجاً ضريبياً واضحاً.

وتنسف التعديلات على ضريبة الأملاك المبنيّة مبدأ الشغور وتجعله 6 أشهر للأبنية القديمة و18 شهراً للأبنية الجديدة، أي أنه يتعيّن على مالكي هذه الأبنية الشاغرة أو على المطوّرين العقاريّين أو على الملاّكين العاملين والمقيمين في الخارج مع أُسرهم، على كل هؤلاء أن يؤدّوا ضريبة الأملاك المبنيّة وكأنّ الأبنية مؤجّرة أو مشغولة.

وكلّنا يعلم مدى البطء في بيع هذه الأبنية نتيجة الأزمة الاقتصادية وجمود السوق. وإلزام مالكيها بأداء الضريبة عليها وهي شاغرة إجراء ينطوي على ظلم، وقد يؤدّي إلى إفلاس العديد من الشركات المعنيّة بهذا القطاع. وتطرح هذه المواد تعديلاً كبيراً في رسم الأملاك المبنيّة التي تضاعفت بمعدّلات تراوح بين 3 أضعاف و 1.5 ضعف.

وتشكِّل هذه الزيادات أعباء كبيرة على العقارات التي يشغلها مالكوها!.. ومعظمهم إما من الطبقات الوسطى أو من العاملين الذين استملكوا مساكنهم بشقّ النفس من خلال آليات الإقراض السكني التي توفّرها المصارف... وكأنّ مالكي الأبنية السكنيّة ينقصهم هذه القشّة التي ستقصم ظهر البعير!.

أما المواد 49 وحتى 57 من قانون الموازنة، فتُدخِل تعديلاتٍ على نظام شركات الأوف شور على نحوٍ يدعو أحياناً للعجب بل وللاستغراب. وبغضّ النظر عن مضاعفة الضريبة المقطوعة عليها من مليون إلى 5 ملايين (المادة 47)، فإنه إذا اكتشف مراقب الضرائب مخالفةً، ولو بسيطة، فالمخالفة الفردية تعمَّم على كل أعمال الشركة.

وتخضع عندها للضريبة كما لو كانت شركة عادية، بينما سابقاً كان القانون يُخضِع المخالفة ذاتها للغرامة. ومن البديهي أن هذا التدبير يفتح مجالاً لاستنساب مراقبي الضرائب وباباً إضافياً للفساد!..

وتضمّنت الموادُ الضريبيّة (من المادة 49 وحتى المادة 57) في مشروع الموازنة تعديلاتٍ كثيرةً على رسم الطابع المالي. يأتي في مقدّمها رسم نسبي قدره 3 بالألف يطبَّق على كل مدفوعات الدولة والبلديات والمؤسّسات العامة للناس. ويصبح الرسم 4 بالألف (المادة 51) لسائر العمليات.

يُضاف إليه رسم طابع قدره 1.5 بالمئة(!) عن كل متر مربّع من القيمة التخمينيّة التي تحدّدها لجنة التخمين المختصّة في كل محافظة! أي أن ثمّة باباً أوسع يُفتح للاستنساب وللفساد!. ولِمَ لا تُجمع هذه اللجان بلجنة مركزية (؟!) يسهل تعيين أعضائها من ذوي الخبرة والسيرة الحسنة!

ضريبة أيضاً مستهجنة تقترحها المادة 58 بنسبة 1% من قيمة كل عملية استيراد وتصدير!.. ويمكن إنزالها من الضريبة السنوية على الأرباح. أما إذا لم تحقّق الشركة أو الجهة المستوردة أرباحاً، فالله يعلم كيف يتمّ التعامل مع المبالغ المستقطعة!

ويتضمّن مشروع الموازنة لعام 2017 في المادة 60 منه فرض رسم استهلاك بمعدّل 4% على المازوت، ما سيؤدّي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج الصناعي وتكاليف استهلاك المواطنين لهذه المادة الحيوية. أما الرسوم على السيارات والمركبات، فقد زيدتْ بنسبٍ غير مسبوقة حيث تضمنَّت المادة 61 تعديــلاً للبند «رابعاً» من جدول الرسوم الملحق بالقانون 76/67 وتوزيعها ضمن أربع فئات تبعاً لتاريخ التصنيع وقوة المحرّك.

يُدفع على الفئة الأولى من السيارات والمركبات من عمر13 سنة وما فوق - بحسب تاريخ الصنع- رسم يمتدّ من 40 ألفاً إلى 345 ألفاً حتى قوة 51 حصاناً. والفئة الثانية من عمر 12 إلى 5 سنوات ستترتّب عليها رسوم قدرها 855 ألفاً لقوة 51 حصاناً فصاعداً، والفئة من عمر 4 سنوات إلى 2 سنتين يترتّب عليها رسم قدره 1,8 مليون ل.ل. لقوة 51 حصاناً، فيما يبلغ الرسم على الفئة الواقعة ضمن السنتين 3.72 مليون ل.ل. لقوةـ 51 حصاناً وما فوق.

وتتضمّن المادتان 62 و63 من مشروع الموازنة تعديلات على أنظمة ورسوم الكتّاب العدول حيث زيدت كافة الرسوم مع تحديد أتعاب الكاتب العدل بمقدار علاوة 20% من قيمة الرسوم المستوفاة لحساب الخزينة. (الجزء الثاني من المقال غدا).
د. مكرم صادر - الجمهورية

  • شارك الخبر