hit counter script
شريط الأحداث

- بروفسور غريتا صعب - الجمهورية

الإدارة الأميركية تُصوِّب على ألمانيا في حرب العملات

الخميس ١٥ شباط ٢٠١٧ - 06:53

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يبدو ان العالم اليوم على مشارف حرب عملات سيما ان كل اقتصاد يسعى جاهدًا لتخفيض عملته في محاولة منه لتعزيز النمو. وقد حثّ رئيس البنك المركزي الاوروبي زملاءه في مختلف انحاء العالم على تنسيق جهدودهم وتفادي هكذا منافسة في تخفيض العملات والتي يمكن ان تقوّض محاولات الدول لتعزيز نموها.تساهم حرب العملات في تفويت الفرص وتقويض المحاولات المتتالية لدى المصارف المركزية في مكافحة التضخّم وتعزيز النمو. وجاءت تصريحات دراغي في أعقاب انخفاض الجنيه مقابل اليورو منذ صوتت بريطانيا للانسحاب من الاتحاد الاوروبي.

يقول دراغي «ان سياسات نقدية متباينة فيما بين المصارف المركزية الرئيسية يمكن ان تثير بلبلة... وهو ما يؤدي بدوره الى زيادة تقلب اسعار الصرف».

يضيف: ان صنّاع السياسة النقدية في جميع انحاء العالم لديها مسؤولية مشتركة في التعامل مع مصادر التضخم وحرب العملات التي يمكن ان تكون لها آثار سلبية على اقتصادات اخرى.

وموضوع حرب العملات هذا برز مجددًا وبشكل صريح مع تصريحات نافارو، مدير مجلس التجارة الوطنية الجديد في الادراة الاميركية، لـ«فايننشال تايمز»، والذي قال ان اليورو هو بالتحديد المارك الالماني وتقييمه المنخفض بالنسبة للعملات الاخرى يعطي ميزة رئيسية لالمانيا مقارنة بشركائها التجاريين الرئيسيين.

وتمادى نافارو بحديثه للقول أن المانيا تمثل واحدة من العقبات الرئيسية التي تعترض سبل الاتفاق التجاري الاميركي مع الاتحاد الاوروبي. أضاف ان المحادثات حول هذا المشروع المعروف بـ TTIP امر صعب ولن يحدث. (Transatlantic Trade and Investment Partnership ). واتهم نافارو المانيا بالتلاعب في اسعار العملات وقال ان برلين تستخدم يورو ضعيف لاستغلال اميركا وشركائها في الاتحاد الاوروبي.

هذه التصريحات ليست بجديدة، سيما وان ترامب وخلال حملته الانتخابية، سمّى الصين كأحد المضاربين بالعملة ولكن وعلى ما يبدو بدأت ادارته توجيه النظر نحو المانيا. وما يلفت حاليا ليس فقط انتقادات اميركا لهذه الوضعية انما كون الفائض التجاري الهائل لالمانيا في 11 شهرا من العام ٢٠١٦ بلغ نسبا عالية وترجم بحوالي ٢٥٥ مليار يورو الامر الذي يدعو الى القلق.

وهناك اقتصاديون، بالاضافة الى المصرف المركزي الاوروبي، حذروا من ان عدم التوازن التجاري بين المانيا والدول الاوروبية الاخرى يشكل خطرًا كبيرًا على منطقة اليورو. والسؤال الذي يفرض نفسه حاليًا: هل كل هذا يعني ان اليورو اقل قيمة مقابل الدولار وما اسباب ذلك.

قد يعود السبب ليس كما صرحت الادارة الاميركية مؤخرًا لا سيما وان اليورو الضعيف هو نتيجة كون المستثمرين لا يرون فرصة استثمارية في اوروبا ولاسباب عديدة منها سوء الديمغرافيا وتوفّر فرص افضل في الولايات المتحدة الاميركية.

وقد لا يكون هناك علاقة واضحة بين هذه المشاكل ودور المانيا ومسائل العلاقة بين اليورو والعملات الاخرى. ولكن لماذا هذا الاتهام لالمانيا من قبل احد المقربين من الادارة الاميركية وما الهدف من ورائه في هذه الظروف سوى عدم الاحساس بالمسؤولية؟

اقتصاديًا، قد يُفسّر هذا الموقف بمحاولة اميركية للضغط على البنك المركزي الاوروبي واعتماد سياسة التضييق النقدي، او قد يكون الهدف اخطر من ذلك وهو التحريض على تفكك اليورو، وقد يكون مجرد خطأ من قبل الادارة الاميركية الحالية.

لكن، وفي المطلق، فان سياسة الادارة الاميركية الجديدة نحو اوروبا لا تزال غير واضحة كما هو الحال في العديد من المجالات الاخرى انما هكذا تعليقات تسبب القلق لا سيما اذا كان هكذا كلام يدعو الى خروج المانيا من اليورو الامر الذي سيحدث خللًا اقتصاديًا وسياسيًا واية مكاسب ستحققها اميركا جراء عملة المانيا قوية سيكون على حساب القدرة الشرائية في دول اليورو، واذا ما اختارت الولايات المتحدة وضع تعرفة على المانيا بالتحديد فان هكذا عمل سيكون متهوراً وغير قانوني بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية.

كذلك، لن يقبل الاتحاد الاوروبي بالامر وسوف يحاول الردّ على هكذا عملية وتكون النتيجة حربا تجارية رئيسية. هذا ما يحدث الآن انما الامر يعود الى سنين الى الوراء حيث كانت الولايات المتحدة تشكو من فائض في الحساب الجاري الالماني، كذلك اللجنة الاوروبية.

وكانت نتيجة هذه الشكاوى مجموعة من التوجيهات لالمانيا لزيادة الاستثمارات العامة لا سيما في الهياكل الاساسية والتعليم وزيادة الحوافز من اجل تأخير سن التقاعد وهي امور تؤدي وبالمطلق الى تقليص فائض الحساب الجاري وتحفز النمو في المانيا ومنطقة اليورو. مع ذلك، رفضت المانيا السير بها ويرجع ذلك جزئيًا الى هواجس وزارة المالية في ما يخص الميزانيات المتوازنة وجزءًا منها لاسباب سياسية بحتة.

لم يقتصر الامر على المانيا بل هاجم ترامب مؤخرًا حلفاء الولايات المتحدة بتهمة التلاعب بالعملة وذكر الصين واليابان خلال اجتماع عقد الاسبوع الماضي مع رؤساء شركات الادوية وقال :» ان كل بلد يعيش على تخفيض قيمة العملة... ويمكنك القاء نظرة على ما تقوم به الصين وما قامت به اليابان على مر السنين كونهم يلعبون بتخفيض عملاتهم ونحن نجلس مثل مجموعة من الدمى».

وواقع الامر ان ترامب كان على حق حين قال ذلك لا سيما وان حوالي العام ٢٠٠٠ كانت العملة الصينية اقل بكثير من قيمتها الفعلية وكانت الصين تشحن البضائع الى اميركا واميركا تكتب IOU في المقابل الامر الذي ساهم في اضطراب اقتصادي هائل والحق ضررا بالعمال الاميركين.

والأمر ينطبق على اليابان التي استغلت عملتها على مر السنين وتدخل بنك اليابان مرارا في عامي ٢٠٠٣ و ٢٠٠٤ للضغط على الين مقابل العملة الاميركية في محاولة لاعطاء دفعة للمصدرين لديها.

هذه الحرب الاقتصادية وتسمية الامور باسمائها واقع جديد لا سيما ان الادارة الاميركية الجديدة تسعى جاهدة لبناء «اميركا قوية» من خلال إضعاف الاستيراد وزيادة التصدير وابرام معاهدات ثنائية ونقض المعاهدات الحالية الامر الذي يجب اخذه بالاعتبار ومراقبته كونه يعطي فكرة واضحة ليس فقط عن النوايا الاميركية انما ايضًا عمّا سوف تترتب عليه هكذا حرب عملات على اميركا والدولار والاقتصاد ككل.
بروفسور غريتا صعب - الجمهورية

  • شارك الخبر