hit counter script

- أنطوان العويط - الجمهورية

عن مار مارون وإتفاق الطائف وسط المعمعة الإنتخابيّة (2)

الأربعاء ١٥ شباط ٢٠١٧ - 06:52

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لم تتمكن السلطات القائمة العام 1975 من تقديم الحلول الاجتماعيّة والسياسيّة الداخليّة ولا النأي عن الصراعات الإقليميّة، فوقعت البلاد في فخ الأزمة المستشرية. وكان أن انقسمت الجماعات اللبنانيّة حول سبل إصلاح النظام السياسي بين معارضين لأيّ تعديل للدستور يرمي إلى إضعاف صلاحيّات رئيس الجمهوريّة، وبين آخرين أكثر تجاوباً مع طروحات التغيير والتأقلم مع معطيات الواقع.وقفت بكركي بصلابة في وجه تنكّر الجماعات اللبنانيّة لفكرة كيانيّة مشرقة احتضنَت يوماً هذه الأرض كلّها، وجعلت سماءها سقفاً للحضور المادّي والمعنوي للمسيحيين المشرقيين. رأت في «اتفاق الطائف» مدخلاً إلى تثبيت رسالة الشعب الذي حقّق التلاقي بين إرث الديانات السماوية، وبين قيم التجديد والانفتاح والحداثة. فماذا حدث؟

الواقع أنّ «صلاحيّات رئيس الجمهوريّة الدستوريّة كانت واسعة، لكنها في مجال الممارسة، لم تكن كذلك. وكان الأنسب للقيادات المارونيّة تكريس هذا الواقع في نصوص دستوريّة، تأكيداً لمبدأ مشاركة المسلمين المتوازنة في السلطة؛ وهذا ما فعلوه في «اتفاق الطائف»، إنّما بتأخير خمس عشرة سنة»، على ما جاء في المجمع البطريركيّ المارونيّ.

شجّع البطريرك نصرالله صفير المسارات الآيلة إلى إيجاد الحلول لإنهاء الحرب، فقد هاله ومجلس المطارنة ما وصلت إليه هجرة المسيحيين ونزاعات القادة الموارنة ودوامة العنف التي كانت تشتدّ يوماً بعد يوم حتى باتت تهدّد المصير الوطنيّ برمّته. ولا يخفى على أحد مساهمة الكنيسة المارونية في بلورة الأسس والمفاهيم التي ارتكز عليها «اتفاق الطائف».

فهي نظرت إليه على أنّه «مدخل لطيّ صفحة الصراعات الماضية بين مَن كان يطالب، بإسم العدالة، بتحسين شروط مشاركته في الدولة، وبين مَن كان يسعى، بإسم الحريّة، إلى حماية الكيان وتثبيت نهائيّته»، على ما جاء أيضاً في المجمع البطريركيّ المارونيّ.

قلّص «اتفاق الطائف» صلاحيات الرئيس الماروني في الوقت الذي لم يلقَ التنفيذ الفعلي من جوانبه كافة. فقد تمكّنت سلطة الوصاية السوريّة من تحوير مضمونه فضربت العقد الاجتماعي في الصميم... ووضعت خطّة استهداف مبرمَجة اتّخذت أشكالاً متنوّعة: استهداف أمنيّ طاول عدداً من التنظيمات والشخصيّات السياسيّة والشباب المسيحيّ في لبنان والخارج، واستهداف ديموغرافيّ تمثّل بإقرار مرسوم التجنيس، عام 1994، الذي منح الجنسيّة دفعة واحدة لما يزيد على 300 ألف شخص، معظمهم من غير المسيحيّين ومن غير مستحقّيها ومن حاملي جنسيّات أخرى، واستهداف إعلاميّ بغية تخوين جماعيّ للمسيحيين وتشويه صورتهم والنيل من دورهم الرائد في لبنان، واستهداف سياسيّ عبر اعتماد قوانين انتخاب لا تراعي التمثيل الصحيح.

اليوم، تغرق الجماعات اللبنانيّة في الجدل القائم حول ماهيّة القانون الانتخابيّ الأفضل، الذي يكرّس المناصفة ويؤمّن صحّة التمثيل وعدالته ويحمي الشراكة وميثاقيّة الدستور.

وفي وقت يتطلّعون فيه إلى استعادة تجارب الخبراء المنزّهة، يجدون أنّ القوى السياسيّة هي مَن تتولّى بنفسها في اللحظات الحرجة الأخيرة المتبقّية لها محاولة إنتاج مولود جديد، لا يعرف ما إذا سيكون مسخاً هجيناً لو حصل، أو سيكون قادراً على خلق مشهد سياسيّ متجدّد تتمثّل فيه الطاقات الحيّة من خيرة نساء ورجال الوطن.

أما ما هو فعلاً غريب وعجيب، فيتجلّى في ذلك الخلط المستجدّ تلميحاً حتى الآن، في سياق الحديث غير المبرّر عن عودة إلى استعمال صلاحيات لرئيس الجمهوريّة لم ينصّ عليها دستور الجمهوريّة الأولى وغير منصوص عليها بطبيعة الحال في وثيقة الوفاق الوطنيّ، أو حوّلت معها إلى مجلس الوزراء؟!

الأدهى، هو رفض مسبَق لأيّ محصّلة انتخابية مفترضة مهما كانت هويّة القانون، في حال اقترنت بتحالفات سياسيّة قد تشكّل أكثرية موصوفة في الندوة البرلمانية؟!

الأنكى في المقابل، هو اقتران محاولة تكريس صحّة التمثيل وعدالته في القانون الذي يعمل عليه وفق مقاربة إعلان نتائج الانتخابات مسبقاً من دون حاجة إلى اجرائها، وتحت وطأة التشريع الساخن من جهة، ومع مفردات الفراغ والشلل والتهديد بالشارع من جهة أخرى؟!

الواقع أنّ الجماعات اللبنانية وصلت إلى حالة من التردّي والانحدار بسبب سقوط روحيّ وقيميّ وأخلاقيّ ووجدانيّ ووطنيّ مريع، ونتيجة لعمل أيدي الوصايات والتبعيّة ولحظات الانتهاز والتلوّن. ولهذا يتخبّطون الآن في ظلمة دامسة، وفي منزلقات خطيرة.

الموارنة اليوم هم في صميم الألم المسيحي الكبير، ألم الجلجلة... إنهم ربّما يواجهون التحدّي الأشدّ خطورة في تاريخهم كشعب، وفي تاريخ الجماعات المسيحيّة المشرقيّة على السواء. إنه تحدّي الوجود. واليقين هو أنّ الأمور لن تصطلح إلّا حين يسترجعون المبادرة عبر تحويل السياسة إلى فنّ شريف في خدمة الإنسان والخير العام.

وفيما يستعدّ الموارنة للاحتفال بعيد شفيعهم، لن يكون هناك كلام أفعل في التدليل على سبل الخروج من الأزمة الراهنة، من العودة إلى المصلحة الوطنية العليا على أسس الميثاق والدستور. لبنان، إما تنجزه الجماعات اللبنانيّة معاً أو لا يكون. ولا شيء يوقف إكمال هذا التيه الدنيوي فعله في النفوس، إلّا روح قنوبين. على الموارنة أن يعلنوا العودة إلى الينابيع، إلى قنوبين، ليتطهّروا من أخطائهم وخطاياهم في شؤون الدين والدنيا.

عليهم أن يستعيدوا خطى مارون، ليهتدوا بها، ويقتفوا أثر تلامذته ورسله وشهوده وشهدائه. عليهم بقدّيسهم مارون، لا لينكفئوا، بل ليكونوا له شهوداً ورسلاً في لبنان، وفي الشرق، وفي العالم.
أنطوان العويط - الجمهورية

  • شارك الخبر