hit counter script

- أنطوان العويط - الجمهورية

عن مار مارون والوطن الضائع وسط المعمعة الإنتخابية (1)

الثلاثاء ١٥ شباط ٢٠١٧ - 06:42

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

فيما يستعدّ الموارنة للاحتفال بعيد شفيعهم، سيَشغل رئيس الجمهورية كرسيَّه في القدّاس الذي سيقام في كنيسة مار مارون في بيروت بعد شغورٍ لأكثر من سنتين. كما تشكّلت حكومة «استعادة الثقة»، فكان من الطبيعي أن تعود إلى المؤسّسات الوطنيّة روحيّة العمل بنفحةٍ متجدّدة من الآمال.وبعد عملية شحنٍ للبلاد بالإيجابيات على شتّى الصعد لأسباب بديهيّة تتعلق بالوضعيّة العامة المتأزّمة وبالقدر المقلق الذي باتت عليه، ها هي الأمور تكاد تعود فجأةً إلى نقطة الصفر مع مقاربة القانون الانتخابيّ والاستحقاق المرتبط به المجهول المصير.

شكّل لبنان عبر تاريخه الطويل ملجأً لأقلّيات متنوّعة هربت من الاضطهاد، تحوّلت فيما بعد إلى جماعات تعايشت بعضها مع بعض كما تناحرت. وهي تقف اليوم عاجزةً عن الانتقال إلى مرحلة المواطنة المحتضنة للتعدّدية بعدما فشلت في تقديس الأرض التي منحتها الأمان، وعندما أمعَنت في التفريط بالقيم المشتركة المكوّنة للعقد الاجتماعيّ في وطن نهائيّ.

عملت عصا الحكّام كما المستعمرين والمحتلّين وأصحاب المصالح الإقليميّة والدوليّة في رقاب هذه الجماعات، فأجهدوها ونجحوا في إثارة الفتن في صفوفها. ولهذا يشهد اللبنانيون اليوم تداعيات تاريخ طويل من التحدّيات والخيبات، وأيضاً يفشلون في تسيير أبسط متطلّباتهم، وفي إدارة شؤونهم الوطنية العامة، كما في تحييد ذواتهم الخاصة ضمن التنوّع والتعدد إزاء الصراعات الإقليميّة القائمة.

سعى الموارنة وراء الاستقلال الذاتيّ باكراً وعايشوه في بعض من مراحل تاريخهم، مئات السنين قبل أن يواجه البطريرك الياس الحويك جمال باشا الجزّار ويحدّ من عنجهية القنصل الفرنسي، لينجح لاحقاً منتدباً من جميع شعوب لبنان إلى مؤتمر فرساي سنة 1919، في تأسيس دولة لبنان الكبير وتحقيق حلم الاستقلال.

وكان أن أقام الموارنة أميراً عليهم بعدما توحّدوا تحت عباءة بطريركهم، فشكّل حكمهم الذاتيّ هذا نوعاً من الاستقلال، على ما يظهره تاريخ هذه الطائفة في السنوات 1179، و1250، و1742. فقد وقفوا في وجه أهل الشرق من المسلمين والمسيحيين على السواء، وفي وجه الصليبيين أيضاً واليسوعيين والغرب عموماً، وهذا يعود إلى نزعتهم القويّة إلى الحرّية وإلى الانفتاح وإلى الاستقلال.

قبل العام 1943، عاد الأمير فخر الدين إلى البطريركين مخلوف وعميرة لمعاونته على نيلِ الاستقلال، وعبر الكرسيّ الرسوليّ مهّدا له عقد المعاهدات مع توسكانا وبعض الدول الأوروبيّة. أمّا البطريرك يوسف حبيش فواجه مظالم المصريين، ورفضَ بقوة نظام القائمقاميتين لصالح إبقاء جبل لبنان موحّداً.

أمّا ما انعكس سلباً على مشروع الدولة اللبنانية الوليدة بعد الحرب العالميّة الثانية، فكان قيام دولة إسرائيل بقوّة الاغتصاب على أرض فلسطين وتدفّق اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان. وكان أن تضافرَت عوامل اجتماعية-اقتصادية -سياسية محليّة فشلت الجماعات اللبنانيّة في التوافق حولها، فاندلعت الحرب.

وإذا كانت تلك الحوادث قد أدّت إلى دخول الجيش السوري لبنان في كانون الثاني من العام 1976 تحت شعار منع التقسيم بالقوّة، وبحجّة إبعاد يد الوجود الفلسطينيّ عن القرار اللبنانيّ، وبذريعة وقفِ الاقتتال بين اللبنانيين، إلّا أنّ الجمهورية استمرّت في الاحتراق. وبدل أن يساهم وجود الجيش السوري في إشاعة الطمأنينة والوفاق بين اللبنانيين، أدّى إلى تفاقم الصراع، فتحوّل إلى قوّة احتلال في رأي الكثيرين من اللبنانيين... فضاع الاستقلال.

المؤلم أنّ أثر الدنيوي ومكانته في نفوس الجماعات اللبنانيّة لم يتغيّر بعد انتهاء الوصاية السوريّة، فركبَ الغرور السياسة، وطمعت في الانقلاب على كلّ القيَم والمواثيق والعهود التاريخيّة، أو رغبَت في امتطائها والالتفاف عليها وتشويه معانيها، فانهار البناء. فماذا عن الجمهورية اليوم، وماذا عن الوطن؟!

لقد مضى على البحث في القانون الانتخابي ردحاً طويلاً من الزمن والخرقُ فيه بات مطلوباً وملِحّاً، لأنّ الإحباط هذه المرّة قد يطيح بما تبقّى من أسس واهية ومتصدّعة لجمهوريتنا السعيدة.

فهل ما ينبئ في جوهر الأمور القائمة أنّنا متّجهون ناحية مسار مختلف عمّا وصلت إليه أحوال الجمهوريّة والوطن؟

لقد فشلت الحكومات السابقة في هذا المجال كما المجلس النيابي الممدّد لذاته. فما الممكن اليوم أن يتغيّر؟ وهل من أمل في معظم الطبقة السياسية القابضة على الحكومة وعلى المجلس النيابي القائم بحكم الأمر الواقع، أن ينتجا قانوناً عصرياً، عادلاً وحسَن التمثيل، بشكل يجدّد في هويّة وكفاءة ومصداقيّة وأهليّة من سيحمل وكالة صالحة من الشعب؟

السؤال الأدهى: ما دور الموارنة في كلّ ما يجري؟ وهل من مصلحة للجمهورية والوطن في فقدان القوى المسيحيّة قاطبة فرصة تقدمّها نحو إعادة تصويب الخلل في المشاركة في السلطة؟ وهل ممكن لهذه الفرصة أن تأخذ مسارَها والبعض يشكّك أنّها تكاد تقترن بصورة مستعادة لدور استئثاري استقوائي عانت منه طويلاً وكانت ضحيته؟

الواقع أنّ الضعف البشريّ يعمل في معظمهم. وإذ يتقارب بعضُهم من بعض، تبثّ الفرقة في مجموعهم ليعودوا يتفرّقون جماعات وشيعاً. وها هي شياطين الثروات والكراسي والمناصب والأمجاد تغويهم.

دورهم وهم يتهيّأون للاحتفال بعيد شفيعهم أن يثوروا على ذواتهم، وعلى كراسيهم، وعلى مؤسّساتهم، وعلى واقعِهم الديني، والسياسي، والمجتمعيّ، وأن يعلنوا العودة إلى الينابيع، إلى وادي القدّيسين، ليستعيدوا كرامة قدّيسهم مارون، المتروك وحيداً في عتمة العالم البرّانية، ويستعيدوا لبنان.
أنطوان العويط - الجمهورية

  • شارك الخبر