hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - مازن ح. عبّود

الابرص وشباط

الثلاثاء ١٥ شباط ٢٠١٧ - 06:20

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

غدا تشرق الشمس وينتهي شباط اللباط مع كل ملحقاته الشرقية والغربية، ويبدأ الربيع وتلبس الدنيا ثياب العيد، واخرج انا من وكري واتمشى تحت قبة السماء الزرقاء. ردد ذلك وحمل علبة رماد اغصان كرمة مزجه بالماء،. امسك ريشة وراح يرسم صلبانا على حوائط وابواب وشبابيك بيته الاعزل، وذلك كي يبعد ملائكة الموت عن المكان التي قيل بانها تكثر في مثل هذا الشهر لانتزاع اكبر عدد ممكن من المقيمين في هذا الضفة من بلدته الى الضفة المقبلة. وهو ما كان مستعدا لملاقاة وجه ربه بالرغم من تقدمه في السن، وما شبع بعد من هذه الدنيا ومازال متعلقا بالحياة على الكوكب اكثر من ذي قبل. وفي كل عام كان يسأل اله الموت ان يمده سنة اضافية. نعم لقد كان "الابرص" متعلقا بأشيائه واشياؤه كان البعض منها رصد وتتبع لشخصيات نسائية ك"كوكو" التي كانت تقيم حفلات ظاهرها خيرية لجمع التبرعات للفقراء وباطنها ظهور وعرض فساتين واظهار مفاتن للعوام واخذ صور واثبات وجود كي يقال في مجمع النساء وفي كل الناحية بأنها شخصية مرموقة في المجتمع وبانها قد فعلت كذا وكذا، وبانها كانت الاجمل والاكثر اناقة ولباقة ولياقة وجاذبية وتأثيرا وبانّ حفلتها هي الاروع وخطبها هي الافضل. مساكين كانوا الفقراء لانهم كانوا الوسيلة وليس الهدف للكثيرات والكثيرين من افراد وجمعيات وحتى دول، فلو انّ "كوكو" مثلا قد خصتهم بثمن الفستان الذي تبتاعه كل عام للمناسبة لكان بلغهم مساعدات اكثر، ولم احتاجت الى اقامة مثل هذه الحفلات التي تسد النفقات والاكلاف التشغيلية للجمعية التي تترأسها والتي انشات من اجلهم لكن لخدمتها. كان "الابرص" يهوى ويعشق ويعيش على كيفه، وهذا ما كان يسعده وقتيا ويفرغه، فتصير حياته بلا معنى.

كان شباط يرعبه، فهو بالنسبة اليه شهر الخوف من المنجل الذي يقبض على الارواح. كان يخشى المجهول ويتحاشى الوقوع فيه . قيل له انّ في البلاد الموت لا اطعمة ولا اغواء ولا جنس ولا لهو ولا سلطة ولا مال بل ظلمة وعويل ، وهو ما تعود ان ينام في الظلمة. كان يخشى رؤية وجه ربه. "أترى ماذا اقول له ان التقيته؟"، سؤال شغله طويلا. كان يخشى ان يلتقي الاله الذي اعتبر بانه "يتسلى بالبشر، والذي رمى به وبأبناء آدم كدمى متحركة على مسرح الحياة وهو عالم بمحدوديته وضعافاته". الا انه كان يحاول احيانا مسايرته ولو طقوسيا والهرب منه ومن الموت الذي كان يوم نزع الاقنعة وفتح الكتب وكشف النيات والمستور.
صعب انت يا شباط لأنك تذكر كبار السن بأنه قد حان الاوان! لم يكن يريد ان يودع كل جمالات هذه الدنيا واطعمتها وموسيقاها وصخبها ونساءها، ففي باله ان يبقى شابا الى الابد. لجأ الى الفراش ولم يرد حتى ان يغفو كي لا ينام نومة الموت. الا انّ النعاس اخذه بعيدا واراه وجوها كان يسخر منها ويتهمها بالغباء، وجدهم في غبطة ونور كل على قدره، اراد ان يكلمهم بالسياسة والانتخابات والبلد والاحزاب، فتطلعوا به وابلغوه بانه في ديارهم لا شهوات ولا سلطة ولا سياسة بل تسبيح ورؤيا لوجه مجد الله. ثمّ نظر فوجد في المكان نفسه اناس كانت تخشى ان تنظر الى النور، ارواح كانت تتطلع الى الارض مخافة ان يخترقها النور الذي كان يحرقها ويكشف حقيقتها. واولئك ايضا كانوا رفاقا سبقوه الى فوق، تطلعت به الارواح بحزن واسى، فصار يبكي ويتنهد، قالوا له هكذا تركنا الدنيا فلا تتركها قلقا وخائفا وحزينا. استفاق من نومه من شدة بكائه وعويله، وتطلع خارجا فوجد شجرة التين العارية قبالته، فأيقن بانّ ما رآه كان حلما شباطيا. ثمّ سمع في البعيد صوت جرس اعزل دقّ بضع دقات في فناء فضاء تلك الناحية المتصحرة، فمضى وقرر ان يجعل من ذلك العام عام العودة ومن ذلك الشهر الملعون شهر اللقاء مع الذات.


 

  • شارك الخبر