hit counter script

مقالات مختارة - خيرالله خيرالله - الراي

ترامب وسورية ومرحلة ما بعد حلب

الأحد ١٥ كانون الثاني ٢٠١٧ - 06:21

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تبدأ ولاية دونالد ترامب، فيما انتقلت سورية الى حال جديدة مختلفة كلّيا عن تلك التي مرّت فيها منذ اندلاع الثورة الشعبية في مارس 2011 بحثاً عن شيء من الكرامة. يبحث الشعب السوري عن شيء من كرامته المفقودة منذ ما قبل وصول حزب البعث الى السلطة في مارس 1963، أي منذ اخذه بعض الجهلاء والمغامرين الى الوحدة مع مصر في العام 1958، وهي وحدة اقرب ما تكون الى بناء قصور على الرمال.

أسست الوحدة لقيام نظام امني في سورية التي كانت بدأت تلتقط أنفاسها وتعود الى وضع طبيعي، في ظلّ برلمان منتخب ديموقراطيا، بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية لضباط يتسمون بالرعونة بدءا بحسني الزعيم الذي قام على النظام القائم في العام 1949.

يتمثّل جديد سورية هذه الايّام في ما بعد معركة حلب التي شهدت اطلاق المشاركين في جنازة هاشمي رفسنجاني في طهران هتاف «الموت لروسيا» تعبيرا عن مدى السخط الايراني من السياسة الروسية في سورية. كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على حقّ عندما اكد قبل ايّام انّ دمشق كانت ستسقط في يد المعارضة في غضون أسبوعين او ثلاثة لو لم يحصل التدخل العسكري الروسي في أواخر سبتمبر من العام 2015. يعبّر مثل هذا الكلام عن حقيقة ان روسيا انقذت النظام السوري وابقت بشّار الأسد في دمشق. روسيا نفسها جعلت الثوار يغادرون حلب وذلك في ظلّ اتفاق مع تركيا التي لعبت دورا أساسيا على صعيد تغيير الوضع في المدينة. سحبت تركيا المسلحين الذين لديها مونة عليهم من داخل حلب ثمّ قطعت الامدادات عن المدافعين عن المدينة في ظلّ قصف جوّي روسي طاول المدنيين خصوصا لتأليبهم على المدافعين عن حلب.

تبدو روسيا على عجلة من امرها في سورية. كان عليها خلق امر واقع على الأرض قبل دخول ترامب الى البيت الابيض. كان عليها ان تهيء نفسها لمفاوضات مع الإدارة الأميركية الجديدة من موقع قوّة. فالرئيس الروسي يعرف جيدا ان ترامب ومساعديه، على رأسهم وزير الخارجية ركس تيلرسون، يعشقون عقد الصفقات، كلّ أنواع الصفقات، بما في ذلك الصفقات السياسية.

تظلّ سورية احدى الاوراق القويّة لدى فلاديمير بوتين. يراهن الرئيسي الروسي على استخدام هذه الورقة في الوقت المناسب بغية الخروج من الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه بلاده. لذلك يمكن الحديث عن وضع جديد في سورية بدأت تظهر ملامحه بوضوح كلّي في مرحلة ما بعد سقوط حلب.

من ابرز هذه الملامح التوتر بين روسيا من جهة وكلّ من النظام السوري وايران من جهة أخرى. لم يكن منع الأسد من زيارة حلب في الفترة بين عيدي الميلاد ورأس السنة الجديدة، أي في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي سوى احد مظاهر هذا التوتر. كان الأسد الابن ينوي القاء «خطاب الانتصار» في المدينة. جاءت الرسالة الروسية مقتضبة. فحوى الرسالة ان الانتصار الذي تحقّق على حلب واهل حلب كان نتيجة تحالف روسي ـ تركي ليس الّا. دخول قوات تابعة للنظام وميليشيات مذهبية تابعة لإيران مناطق واحياء كانت تحت سيطرة المعارضة، كان نتيجة مباشرة لهذا التحالف. لو شاءت تركيا، لبقيت حلب، في جزء منها، عصيّة على النظام.

يتمثّل جديد سورية باختصار في التحالف مع تركيا في منطقة الشمال السوري والتحالف مع إسرائيل في مناطق أخرى، خصوصا في كلّ ما له علاقة من قريب او بعيد بدمشق والمناطق القريبة منها وتلك المرتبطة بالجولان التي طويت صفحتها. ليس صدفة الإعلان قبل أيام عن غارات جوية روسية ـ تركية على «داعش» في داخل الأراضي السورية.

لم يعد سرّا ان الحلف السوري ـ الإسرائيلي اكثر عمقاً بكثير مما يعتقد. اذا كان هناك تحالف تركي ـ روسي، هناك حلف روسي ـ إسرائيلي. سيساعد هذا الحلف روسيا في التعاطي مع الإدارة الأميركية الجديدة التي أعلنت انها ستنقل السفارة الى القدس التي تعتبرها إسرائيل «عاصمتها الأبدية». اكثر من ذلك، أظهرت هذه الإدارة انحيازا كبيرا لإسرائيل ولسياسة الاستيطان التي يتبعها بنيامين نتنياهو عندما عيّنت ديفيد فريدمان سفيرا لها في إسرائيل. الأسوأ من ذلك، ان ترامب جعل من صهره جاريد كوشنر مسؤولا عن عملية السلام. كوشنر وفريدمان من ابرز داعمي الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية. انّهما رمز للتغيير الذي ينشده ترامب على صعيد الشرق الاوسط في مجال تكريس الاحتلال الإسرائيلي لجزء من الضفّة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية!

في ظلّ التحالف الروسي ـ التركي والحلف الروسي ـ الإسرائيلي والعلاقات المتجددة بين تركيا وإسرائيل، هناك وضع جديد على الأرض في سورية. هل بدأت ايران تعيد حساباتها، خصوصا بعدما تبيّن ان هامش المناورة لديها صار محدوداً وان كلّ شيء في سورية يعتمد على ما يتقرّر في موسكو، بما في ذلك مراقبة روسيا لعملية شراء الأراضي من اجل تغيير التركيبة السكانية في مناطق محدّدة في مقدّمها دمشق؟

هذا الوضع الجديد على الأرض السورية يمكن ان يفسّر تلك التحولات في الخطاب الايراني. فجأة، يتحدّث محمد جواد ظريف وزير الخارجية عن تعاون إيراني ـ سعودي ادّى الى انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. كذلك صار علي شمخاني امين المجلس الأعلى للامن القومي الايراني، حريصا على وحدة الأراضي السعودية وعلى التعاون مع المملكة ومع العائلة المالكة فيها... فجأة ايضا، صار يتحدّث بإيجابية عن آل سعود في تصريح وزعته الوكالة الايرانية الرسمية «ارنا»!

لن يكون مؤتمر استانة (عاصمة كازاخستان) الذي سينعقد ابتداء من يوم الاثنين، بدفع روسي ـ تركي، سوى خطوة أولى على طريق تقديم روسيا ـ بوتين أوراق اعتمادها لاميركا ـ ترامب. سورية هي المنطلق بالنسبة الى الرئيس الروسي الذي يعرف في نهاية المطاف انّه سيكون عليه الاختيار، عاجلا ام آجلا، بين واشنطن وطهران. فمثلما هناك جديد على الأرض في سورية، هناك جديد على الأرض في واشنطن. هناك وزير جديد للدفاع هو الجنرال جيمس ماتيس يعرف تماما، وهذا على الاقلّ ما قاله امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، ان ايران مصدر التوتر في المنطقة وانّ التوصل الى اتفاق معها في شأن الملفّ النووي لا يعني التغاضي عن مشروعها التوسّعي في الاقليم.

يبدو ان موسكو تفهم هذه المعادلة جيّدا. ليست الساحة السورية، بما في ذلك التوتر الروسي ـ الايراني سوى مرآة للتغيير الكبير الذي بدأ يشهده الشرق الاوسط ومعه العالم مع بداية عهد ترامب.
خيرالله خيرالله - الراي

  • شارك الخبر