hit counter script

- راكيل عتيِّق - الجمهورية

ترك كلّ شيء وتَبِعَ "أباه"... فأصبح أبَ الرهبان

الثلاثاء ١٥ كانون الثاني ٢٠١٧ - 06:48

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

آية واحدة من الإنجيل، من كلام السيد المسيح، نزلت عليه كالمطر الذي ينقّي الهواء من غبار الأرض، فتوضّحت رؤيته. خلع ثوبَ الغنى، نفّذ تعاليمَ ربّه، وارتدى ثوبَ العفة والفقر والطاعة، الثوب الذي نسج الآلاف من خيوطه أثواباً لهم. إنه أبُ الرهبان وكوكبُ البرّية القديس أنطونيوس الكبير، الذي سار على خطاه الآلاف واتّخذ الرهبانُ المسيحيون من حياته النسكية مسلكاً لحياتهم. وبمناسبة عيد مار أنطونيوس الكبير في 17 كانون الثاني وفي كلّ عام، يجدّد جميع الرهبان نذورَهم ويصلّون كي يبقوا ملتزمين بخطاه وطريق الرهبنة، بالصوم والصلاة والعمل... والخروج من العزلة النسكية حين تصرخ أمّ شهيد أو لتحرير روح سجين!يحتفل المسيحيون من حول العام، وفي الشرق تحديداً في 17 كانون الثاني من كلّ عام بعيد القديس أنطونيوس الكبير، وهو يوم وفاته عام 356م. عن عمرٍ يناهر 105 أعوام، وعن حياةٍ من نسك وزهدٍ، ومن التخلّي بقناعة وسعادة عن الحياة الأرضية المادية بكنوزها وملذاتها من أجل الكنز السماوي، محبة الله وحضنه.

قصةُ غنى شاب بفقره

وُلد أنطونيوس في مصر حوالى عام 251م وسط عائلة ثريّة، وفي عمر الثامنة عشرة خسر والدَيه، فتولّى الاهتمام بشقيقته الوحيدة. وبعدها بأشهر قليلة شهدت حياته تحوّلاً جذرياً حين دخل إلى الكنيسة وسمع كلام الإنجيل وهو حوار السيد المسيح مع الرجل الغني، الذي اعتبره موجَّهاً إليه شخصياً. سمع الربَ يناديه ويقول له: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي» (إنجيل متى 19: 21).

سمع أنطونيوس أقوالَ الرب وترجمها أفعالاً، ذهب وباع كلَّ ما يملك، أعطى شقيقته حصتها من الميراث ووزّع نصيبَه منه للفقراء، واتّجه نحو البراري ليعيش حياة النسك ويصلّي ويتعبّد لربّه.

سكن بجوار نهر النيل لفترة كبيرة وكان يقضي كلّ وقته في الصلوات، ولقد تراءى لأنطونيوس أنّ الله يظهر له ويحدّثه أكثر من مرة وفي أكثر من موقف، وذلك ليوجّهه أو ينبّهه ويدلّه على الطريق الصحيح.

رسائلُ الله هذه للشاب أنطونيوس التي وجّهته في حياته النسكية شكّلت أسسَ نسك أيّ راهب فيما بعد، إن من ناحية ثوب الراهب أو العمل من أجل منع تسلّل الملل والضجر وبالتالي الأفكار الخاطئة إلى حياة وعقل الراهب، كما وفي الانتصار على التجارب من خلال الصوم والصلاة.

فحين استقرّ القديس في البرّية، وسكن في مغارة على جبل القلزم شمال غربي البحر الأحمر، حاربته الشياطين علانيةً على شكل نساء وعلى شكل وحوش مرعبة.

كما كان «الراهب» أنطونيوس مثالاً بكسر حياة الوحدة والعزلة، من أجل إرشاد تلاميذه الرهبان، و حين يتهدّد أخوته المسيحيين أيّ خطر، فلا يمكن للمؤمن المصلّي أن يصمّ أذنيه عن صوت وجع الإنسان.

فزار الإسكندريه وقت اضطهاد المسيحيين من ماكسيميان داجا سنة 316 وكان يقضي وقته في خدمة المظلومين والمعذَّبين والمتألّمين في السجون. كما زار الإسكندرية مجدّداً عام 352 ليدعم البابا أثانسيوس الرسولي أمام بدعة اريوس.

على خطاه... في لبنان

يُعتبر أنطونيوس مؤسِسَ الحركة الرهبانية في العالم والكثير من النساك والرهبان اقتدوا به، إن كانوا من معاصريه أو من الأجيال اللاحقة، ويُعتبر أنه مؤسس طريقة الرهبنة المسيحية، وفي لبنان اتّبعت الرهبانيات المارونيات الثلاث منذ نشأتها طريقته النسكية.

وتنتشر في عدد من المناطق اللبنانية الكنائس والأديرة على اسم «أب الرهبان» مار أنطونيوس، وأبرزها دير مار أنطونيوس قزحيا في زغرتا شمالي لبنان، الدير التاريخي الشهير بمعجزاته في طرد الشياطين تماماً كالقديس أنطونيوس الكبير الذي عُرِف بطرد الشياطين خلال حياته.

لهذا... أنطونيوس أب الرهبان

القديس أنطونيوس الكبير هو أب الرهبان وكوكب البرّية لأنه أوّل مَن سمع كلام الإنجيل وطبّقه يقول الكاهن يوسف صالح المسؤول عن محابس حردين ودير مار فوقا في حديثٍ لـ«الجمهورية»، وذلك عندما قال الرجل الغني للمسيح: أيها المعلم ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية. فأجابه السيد المسيح: أن تحفظ الوصايا... وقال له: إذا شئت أن تكون كاملاً بع كلّ ما تملك ووزّعه على الفقراء وتعال واتبعني فيكون لك كنزٌ في السماء.

ويتابع: «هذا الحدث الإنجيلي أثّر كثيراً في حياة مار أنطونيوس حين كان شاباً فباع كلّ شيء، أعطى شقيقته حصتها ووزع حصته على الفقراء، وذهب ليعيش في براري الصعيد في مصر، حيث بدأ بالصلاة والصوم والتوحّد بالرب، فتأثر به الكثيرون وأصبحوا يتبعونه بالطريقة النسكية.

ومن ثمّ انتشرت هذه الحياة النسكية في مصر ووصلت إلى الشرق بأكمله وحتى إلى الغرب... لذلك يُعتبر القديس أنطونيوس الكبير أبَ الرهبان فهو أوّل مَن انطلق بحياة التنسّك والتوحّد بالرب».

أما عن الرمزية الدينية لحياته، فيقول الأب صالح «لقد سمع كلام الإنجيل وعاشه من خلال الصوم والصلاة، وقهر الإرادة والجسد... فلقد عاش في المغاور وحتى في القبور في أواخر حياته، وعاش في البراري والصحراء كي يبتعد عن كلّ ضوضاء وشهوات العالم ولم يرضخ للإغراءات بالعودة إلى حياة الغنى».

ويشير إلى أنّ القديس أنطونيوس اشتهر بأنه كان «يتجرّب» كثيراً وكان يتغلّب على التجارب بالصوم والصلاة، وكان يقول للرهبان الذين يتبعونه «إذا كنتم تريدون الانتصار على الخطيئة صوموا وصلّوا فالشيطان والتجربة ضعيفان أمام الصوم والصلاة». ولقد انتصر القديس أنطونيوس على كلّ التجارب وشقّ طريق القداسة بالصوم والصلاة.

تجديد النذور

تمّ تقديس أنطونيوس بسبب الفضائل التي عاشها، يقول الأب صالح، ويضيف: «كما أنه كان يطرد الشياطين، ويصلّي على المرضى ويشفيهم، إلى جانب إرشاد الزوار... لقد قدّم الكثير وإنه قديس عظيم».

وفي عيد مار أنطونيوس الكبير من كلّ عام، يجتمع جميع الرهبان من جميع الرهبانيات ويجدّدون نذورهم، لأنّ «القديس انطونيوس هو أوّل مَن نذر حياته للرب»، يقول الأب صالح.

ويشرح أنّ مراسم التجديد تتمّ اليوم فيجتمع جميع الرهبان ويركعون أمام المذبح، ويعرّف كلّ راهب منهم عن اسمه ومن ثمّ يقول: «أجدّد نذوري أمام الله والكنيسة وأمام الرئيس العام ورئيس الدير، وأجدّد نذري العفة والطاعة والفقر».
راكيل عتيِّق - الجمهورية

  • شارك الخبر