hit counter script

باقلامهم - مازن عبّود

في قراءة للمستقبل من خلال حادثة اسطنبول

الثلاثاء ١٥ كانون الثاني ٢٠١٧ - 05:55

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

من يقول بانهم ذهبوا الى اسطنبول هربا من بيروت كي يمرحون فلاقوا حتفهم؟ فكأنّ عيد رأس السنة قد تحول من عيد السهر والليل والخمرة والفرح واللهو الى عيد الموت، وكأنّ الخيط الذي يفصل ما بين الحدين قد انمحى في عصر العولمة التي تستلقي حاليا تاركة المجال امام الخوف والارهاب المتنقل. وكأنّ الحد الاول طريق لبلوغ الحد الثاني. 

أيكون الحادث مؤشرا الى بداية فقدان دولة اتاتورك لمقومات سياحية امتازت بها لحساب التطرف والدماء؟ لا اعلم حقا كيف حدث ما حدث، لكن في الامر ثمة رسالة لدولة "اردوغان" التي بدأت تتفلت على ما يبدو من الادوار التي رسمت لها في اطار اللعبة، وهذا ممنوع في عصر ال"لا دول" او في عصر الدول التي يراد لها ان تفتقر الى السيادة لحساب الالتزامات الدولية.
اتكون تركيا قد بدأت ترك طاولة القرار كي تصير طبقا او مادة على تلك الطاولة، فتتحول تماما كسوريا والعراق من لاعب الى ملعب و"الحبل على الجرار" كما يقال؟ أترى من يسمي اللاعبين ومن يعود فيطردهم؟ ولم لا توجه اسلحة دولة الخلافة الا على من خرج او يحاول ان يخرج عن الطاعة، مثلا؟
بالأمس حصل اغتيال سفير روسيا واليوم شهدنا على حادث المنتدى الليلي، بالأمس كان الهدف زعزعة فكرة تحالف ما، اما اليوم فالهدف هو القضاء على الاقتصاد التركي بعد ان اغتيلت معنويات الجيش الذي هو قوام تلك الامبرطورية بفعل الانقلاب الفاشل وسلسلة الاحداث وسجن كبار الضباط. واذا ما اردت ضرب دولة فاضرب جيشها واقتصادها وعزز النزعات الانفصالية.
لست متمسكا، وما من احد متمسك بدولة اتاتورك وسياستها وسجلها وسجل السلطنة في حقوق الانسان وقمع الشعوب، لكن تمسكنا هو في تماسك منطقتنا والاستقرار والسلم والسلام العالميين، فاليوم دور تركيا (اخشى) وغدا سيكون دور من؟ لقد بدأ الفكر الظلامي يضرب دول المنطقة ويفكك اوروبا، تماما كما يفعل مقص الخياط برداء يراد اعادة تصميمه لخياطته. الخطر على الدول اليوم اضحى خفيا، الخطر اضحى فكرا ينام ويستفيق، فكر يلتهم الشريك والصديق ومن ثمّ الاخ قبل ان يقضي على من يحمله.
تركيا تتفلت وامريكا تعود الى عزلتها تماما كما عادت بعيد الحرب الكونية الاولى، فكان ان تمخضت عزلتها ومن ثمّ انطواءها عن الساحة الدولية الى نتائج كارثية الا وهي الحرب العالمية الثانية. فهل ستتمخض العزلة الجديدة الى حرب عالمية ثالثة؟
لكن كيف تعود امريكا الى عزلتها؟ واذا ما عادت ماذا ستفعل بأوراقها النقدية ومطابع عملتها التي حلت محل الذهب؟ كيف تقضي على اسباب تميزها وعلى نظام دولي فصلته كي يتلاءم مع مصالحها؟ لا تستطيع امريكا ان تتخلى عن مقومات تفوقها وما يجري في العالم لدليل صارخ على ذلك. فالواضح بأنّ الولايات المتحدة الامريكية تعيد تسطير قواعد جديدة تضمن الحفاظ على استدامة سطوتها وقيادتها للعالم. واني اعتقد بانّ وصول الرئيس "ترامب" الى الحكم هو لمقاومة خطر الصين، وذلك كي لا تتمكن هذه الدولة من نزع شعلة السلطة ومطابع العملة من الدولة المارد يوما. اني لا اتوقع علاقات دافئة ما بين روسيا وامريكا في عهد الرئيس "ترامب"، وذلك بعكس كل ما يتم التداول به، بل اني اتوقع تباعدا وصراعات وحروبا. انّ عودة وزير الخارجية الامريكي الاسبق هنري كسينجر الى البيت الابيض من باب الحديقة الخلفية كعراب للرئيس ترامب ليس مؤشر صحة للاستقرار والسلم والسلام.
نهاية، ما اعرفه بأنّ لبنان استقبل مساء اليوم جثامين وجرحى جراء الاعتداء على الحضارة بنسختها الحالية المعروفة في اسطنبول. ومما لا شك فيه بانّ دماء كثيرة ستسقط في الايام المقبلة في الشرق وكل مكان. ما اتمناه اليوم هو ان يقصر رب السنين هذه الايام، وان يتقبل نفوس شبابنا ممن رحلوا عشية العام الجديد، وان يبلسم جراح اهلهم ويحفظ لبنان الذي اوقف لله فيبقى وطنا وخيمة ومقلع رجاء. ما جرى مؤلم للغاية لكنه اظهر تضامننا مع بعضنا البعض واظهر بانّ في لبنان دولة ترعى مواطنيها اين ما وجدوا هذا يشكل ومضة في وسط الدياجير.  

  • شارك الخبر