hit counter script

باقلامهم - عبدالله بارودي

مؤتمر "المستقبل": رسائل تنظيمية وتطلعات وطنية

الثلاثاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٦ - 10:21

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تقصدت الانتظار، لمتابعة ما سيكتب عن مؤتمر التيار ونتائجه، قبل أن أترجم مشاهداتي الشخصية، باعتباري كنت واحداً من الحزبيين الذين شاركوا فيه، وأعلم تماماً مدى تعلّق أبناء التيار بهذا المؤتمر وما سيسفر عنه.

نجح "تيار المستقبل" في تحويل مؤتمره العام من مناسبة حزبية وتنظيمية ضيّقة، الى استحقاق وطنيّ شغل جميع اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والمناطقية.

من سمحت له الظروف في مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي قبل وبعد انعقاد المؤتمر، ظنّ وكأن البلاد في طور التحضير لانتخابات نيابية، فصور المرشحين لعضوية المكتب السياسي وبرامجهم الانتخابية ملأت صفحات الأصدقاء على الفايسبوك والمغرّدين عبر التويتر، اضافة الى مجموعات الواتساب وتطبيق الانستغرام وغيرها من المواقع الافتراضية. هذا فضلاً ، عن التحقيقات الاخبارية التي شغلت مساحات واسعة من هواء الشاشات التلفزة، أو المقالات والتحقيقات الصحافية التي انتشرت في مختلف الصحف الوطنية المحلية والعربية.

 تلك الأجواء الديموقارطية والحماسية، أطلق شراراتها الأولى الرئيس سعد الحريري ابان الانتخابات البلدية، وعبّر عنها من خلال المواقف المدوّية التي أشار اليها في خطاباته الرمضانية.

مواقف جديّة أعطت نفساً وروحاً وأملاً حقيقياً الى كل المنظّمين في التيار، استكملت بشكل حاسم مع الاعلان عن موعد انعقاد المؤتمر العام الثاني.

من هنا بدأت الحكاية، فبالرغم من تشكيك البعض في نوايا الرئيس الحريري وقدرته على اجراء مثل هذه النقلة النوعية، واعتبار ما قاله مجرّد ردة فعل طبيعية على تعثّر التيار بلدياً في بعض المناطق، الا أن الجديّة التي تعامل بها أمين عام التيار أحمد الحريري مع قرارات الرئيس واصراره على تنفيذها حرفياً ووفق معايير حزبية وتنظيمية صرفة، أوحى بأن الحريري ملتزم ومصرّ هذه المرة على انهاء شوائب المرحلة الماضية، بغضّ النظر عن الاستحقاق البلدي وتداعياته.

بعدها انعقدت المؤتمرات الفرعية في كافة منسقيات التيار والتي أفضت الى انتخاب مئات المندوبين ليشاركوا مع الأعضاء الحكميين في المؤتمر العام. تلك الانتخابات كانت اشارة واضحة الى من يعنيهم الأمر بأن الحريري لا يلعب، وما كان في فترة ما يعتبر من المستحيلات داخل "القلعة الزرقاء" أصبح واقعاً ملموساً سهل التنفيذ.

في 26 و27 الشهر الماضي حوّل الرئيس الحريري مؤتمره الحزبيّ الى عرس حقيقي، حضره "أفراد العائلة" من قيادات وكوادر وحزبيين، اضافة الى الأصدقاء والشخصيات اللبنانية والعربية والأجنبية كمراقبين وضيوف شرف.

2400 مندوب جلسوا أمام طاولاتهم في مشهد مشرّف تناقلته وسائل الاعلام المحلية والعالمية، باعتباره حدث فريد لحزب فتيّ، ينتمي الى بلد لا يتجاوز عدد سكانه 4 ملايين نسمة، ولا تتعدى مساحته 10452 كلم2 !

هذا من حيث الشكل، فماذا عن المضمون؟

أولاً: نجح المؤتمرون في ابراز موقع تيارهم على الصعيد الوطني، واثبات أنه المكوّن الأبرز على الساحة المحلية، لجهة تنوّعه الطائفيّ والمذهبيّ والمناطقيّ، وصعوبة تجاوز مواقفه و قراراته في مختلف الاستحقاقات الوطنية.

ثانياً: أثبت الرئيس الحريري بأنه الأقوى على الساحتين السنية والوطينة، وبأن التشكيك بزعامته ومرجعيته، نكتة سمجة وسخيفة ارتدت على أصحابها بسرعة قياسية، لأنهم لم يحسبوا أو لم يحسنوا فعليّاً قراءة مواقف وآراء الناس، وما مدى جديّة انكارها أو بعدها عن الخطّ الذي رسمه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ويتابعه نجله الرئيس سعد الحريري.

ثالثاً: أظهر المحازبون في "المستقبل" عن ثقافة حزبيّة مميّزة أدهشت كل من حضر وراقب المؤتمر، برزت بشكل واضح أثناء فتح باب النقاش، و طرح الأسئلة، وعرض الاعتراضات، وتقديم الحلول، وطرق المعالجة، في مختلف المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية.

رابعاً: أعطى الرئيس الحريري نموذجاً رائعا عن صورة رئيس الحزب، بأن شارك في معظم أعمال المؤتمر مستمعاً الى الاقتراحات والاعتراضات والشكاوى، وصولاً الى تعيين احدى عضوات المكتب السياسي وهي الدكتورة شذا الأسعد بناء على مطالعة قدّمتها عن الوضع في عكار. كما لا يمكن أن ننسى انتظار الحريري دوره أمام صندوقة الاقتراع لانتخاب أعضاء المكتب السياسي.

نفس السلوك تجلّى عند الأمين العام أحمد الحريري الذي وقف خلف صفٍ طويل من طالبي الكلام، بانتظار دوره، مثله مثل أي مندوب، ما أكسبه ثقة واحترام كل الرفاق، ظهرت واضحة بعد نيله أكثر من 88% من أصواتهم، وهو مؤشر على مدى تعلّق وتقدير هؤلاء للمهمات والتضحيات التي قام بها الحريري والمسؤولية التنظيمية والشعبية الكبيرة التي تحمّلها أثناء غياب الرئيس عن البلاد.

خامساً: المؤشر الأكبر جاء عن طريق الرئيس الحريري الذي رعى بترؤسه أول اجتماعات المكتب السياسي، انتخاب أحمد الحريري أميناً عاماً للتيار بالاجماع، وهو ان دلّ على شيء، فعلى الانسجام والتعاون الذي كان قائماً بين الرئيس وأمينه العام طوال السنوات الست الماضية، والذي أدى ضمنياً بالرئيس الحريري الى تجديد الثقة ب"ابن عمته" لمتابعة عمله التنظيميّ بالشكل الذي يراه مناسباً. وعلى هذا الأساس، فان القُبلة التي كان يطبعها أحمد الحريري على جبين الرئيس الحريري عند كل مناسبة، ها هو اليوم "الزعيم المستقبلي"، يطبعها هي نفسها على جبهة أمينه العام، شاكراً ومقدّراً ومجدّداً له الثقة ..

ثمة من يقول، بأن الرابح الأكبر من انعقاد المؤتمر العام هم الحزبيون أنفسهم، الذين ما خاب ظنّهم برئيسهم وقراراته. وها هم اليوم يستعدّون مع أمينهم العام للانتقال الى المحطة التنظيمية الأخيرة، مرحلة الانتخابات المناطقية، لينعموا بمنسقيات وقطاعات ومصالح، تكون على قدر طموحات وآمال الرئيس الحريري، تواكب مسيرته في المرحلة المقبلة، وتؤمن له البيئة الحاضنة والداعمة، خصوصاً في ظلّ التحدّيات الجمّة التي تنتظره، وفي طليعتها الاستحقاق الانتخابي المقبل. 

  • شارك الخبر