hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - مازن ح. عبّود

عالم يفتقد الامهات

الثلاثاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٦ - 06:10

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

صبيحة الاحد دوى انفجار في كنيسة تابع لمجمع الكاتدرائية المرقصية في القاهرة. فكانّ الانفجار شكل صفارة مفاعيل بداية نهاية الغرب كما اعتبر يوشكا فيشر وزير الخارجية الالماني الاسبق في مقالة عنونها "وداعا يا غرب" بتاريخ 5 ك1 2016، ويعتبر فيشير انّ الغرب ولد بفعل تزاوج القيم الاوروبية بالقدرة الامريكية من رحم حربين كونيتين كبيرتين، فكانت نتائجه نظاما عالميا قام على مبادئ وافكار، تترجمت منظمات وتعاون عبر الاطلسي. وها انّ الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب يطلق رصاصات الرحمة على الغرب، فيميته ويعيد بلاده الى عزلتها والى طغيان الاحادية والجدران. فترتفع جدران فلسطين التي تحرم الشعب ارضه وتتمدد الحوائط كي تفصل الولايات المتحدة عن المكسيك وبريطانيا عن اوروبا.

ترتفع صفارات الاحادية في الشرق معلنة قرب دخول "ترامب" الى البيت الابيض وذلك من بلاد الكنانة التي ترزح تحت احمال الولادات الكثيرة وتقلص الموارد التي اطاحت بمبارك والاستقرار من بعده. صارت مصر محكومة بسلطان الغضب والنقمة والتطرف والجهل، والقلة التي مازالت تربطها بهويتها وحضارتها القديمة وماضيها تتقلص، فكأنهم بذلك يقولون بأنّ مصر اليوم ليس لها علاقة بتلك الحضارة التي اغنت البشرية. وستبقى لعنة القبور المنتهكة في وادي الملوك (اخشى) تلاحقهم، لعنة رمسيس وكل فراعنة حضارة النيل القديمة. لا اعرف أي نسخة من اي دين يحاول اولئك المتطرفون نشرها بالترهيب والدماء والقمع؟؟ والله على حد علمي اله السلم والسلام الذي يريح ويطمئن. أيكونون قد اضاعوا البوصلة؟ كيف لا وقد ضاعت البوصلة في كل مكان وقد دخلنا زمن الخوف والغضب والفقر وال "لا عدالة" وال "لا مساواة"؟ اخشى من ان يكون معدل الولادات الكبير بقرات مصر الثمينات فأدخلها في زمن بقرات الشح وصار المستنيرون فيها قلة. الولادات الكثيرة تغزو الامكنة وتتمخض فقرا وما ورائيات مفزعة وانعداما في فرص العمل. أترى من يستطيع ان يحكم مصر بعد اليوم؟ من يستطيع اطعام كل تلك الافواه الجائعة واكساء كل تلك الاجسام النحيلة العارية التي تلتهم الظلامية؟ أترى من يجرؤ على تجريم التطرف والعنف والقول بأنّ من يؤمن به خارج الدين؟ انه عصر التفلت من الضوابط وسيادة الغريزة، عصر لعبة الضوء الذي يحول المارد الى قزم والقزم الى مارد، عصر ساسة للاستهلاك يصنعون لأسواق الاستهلاك.
اني انظر الى عينيك الصغيرتين وابحر يا طفلتي. أحلم في بحريهما ببشرية تولد من ارحام الامهات، بشرية يكون قادتها من نار ونور، وعدالتها من حق تلتهب لنصرة المحقوقين وكنوزها ملك لكل الناس. نعم، احلم يا صغيرتي بعالم تحكمه مبادئ الامهات التي من محبة وعدال ومساواة. احلم بعالم لا يشبه عالمنا بل يقترب من النجمات. أعرف بانّ عالمي ليس موجودا ولا حتى في القصص، الا من حقي ان احلم انا وامك. من حق من يكتب ان يسمع اذ كان من غير الممكن ان يحكم كي لا يتحول حكمه الى قصة او قصيدة كما قال يوما الرئيس التشيكي الراحل فاتساف هافل.
مشكلة هذا العالم انّ كثيرين يظنون بانّ الارتقاء وصول الى مواقع عبر ارضاء الكبار، لكنهم لا يعلمون بانّ ما يبان كبيرا ليس كذلك بل قد رسم في غالبية الاحيان لنا على هذا الشكل بفعل لعبة الضوء التي ان لامست القزم يصير ماردا والتي تقزم المارد. نعم يا طفلتي عالمنا من افياء وظلال يحكمه من يتقن لعبة الاضواء وتصغير وتكبير الظلال. وما من احد يا صغيرتي يستطيع قياس القامات الحقيقية للبشر الا من صنعهم. قوّدوا الامهات، ونادوا بالتفلت، فصار الناس ارقاما. صاروا يولدون بضاعة للاستهلاك في الغرب قنابل غبن وخواء في ازقة التناسل والجهل في الشرق. ومن التفلت ولد الفزع، ومن الفزع خرج الارهاب الذي استخدم لوضع اليد على الموارد وتعزيز ال"لا مساواة". نعم، سخفوا الامومة في الغرب واقنعنّ الامهات بانهنّ نساء وبأنهنّ رجال ايضا، وحولن اياهنّ بشكل مواز الى جاريات في الشرق لإنتاج كميات متزايدة من قنابل البشر. لقد أدخلونا عصر الاستهلاك في كل شيء، وفي عصر الاستهلاك لا يكفيك معاشك لسد جوعك ويلزمك نفسك ونفوس كثيرة. وها انّ تلك المرحلة واشكت على الانتهاء وبدأت تتولد عن مرحلة اوحش.
احلم بعالم يا ابنتي من امهات. فالأم بلسم البشرية المعذبة، واذا ما فقدت الانثى امومتها تغيب عن الكوكب الحياة، ونصير نهوم على سطح الارض ولا نجد موطنا، ننتهك ونقتل ونتسوق ونتكاثر للذة ولفراغ. نعمّ المشكلة يا بنيتي مشكلة تربية وامهات. الازمة ازمة خوف وفراغ وخواء. انّ العالم يا صغيرتي يحتاج الى الكثير من الامهات. الغرب في اندحار والشرق في تقهقر والحضارة في خطر لانّ البشرية ما عادت تنتج امهات حقيقيات. يحتاج العالم الى الامومة، يحتاج الى روح القناعة والوداعة والفقر والبساطة والرجاء والامنيات. يحتاج الى تضحية وتفان وافراغ للذات. يحتاج العالم اليك والى صلوات. رجائي في الميلاد ان تصيري اما حقيقية يا ابنتي يوما، كأمك وامي ومريم ام البشرية وكل الامهات فتخرج بشرية جديدة ويتكوّن عالم جديد اكثر اشراقا واقل خوفا ودماء وفقرا وجهلا وتطرفا. عالم تحكمه بشرية جديدة لا ترتكز على التناسل والطمع والطغيان بل على المحبة والارتقاء والحنان.
 

  • شارك الخبر