hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - هتاف دهام

بين حرّاس الهيكل... ودفن الرؤوس في الرمل

الثلاثاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٦ - 11:58

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تتمسّك المكوّنات السياسية بالتوازنات التي أرستها وارتضتها لنفسها بعد الطائف. يدوّي ضجيج داخل تيار المستقبل. حلّت الشيعية السياسية مكان المارونية السياسية على حساب السنية السياسية. يتحمّل الرئيس سعد الحريري، وفق أصحابه الزرق، المسؤولية. قاد المستقبل عكس التيار. نحن كطائفة في أضعف مراحلنا منذ عام 2011 ومغادرة الشيخ سعد لبنان. ندفع ثمن أخطاء ارتكبها على مدى السنوات الخمس الماضية، وصولاً الى حواره الثئائي مع حزب الله، فدعم انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً. ندفع ثمن نهجه السياسي حيال ما يجري حولنا. تخبُّطه دفع المملكة العربية السعودية الى التخلي عنه لفترة وجيزة، وتجنيد الوزير أشرف ريفي رأس حربة. نبرة بيت الوسط ضدّ إيران وحزب الله وسورية لم تجد صدى في الداخل اللبناني. كانت أشبه بجعجعة.

لكن السؤال، هل نعيش فعلاً حقبة الشيعية السياسية حقبة حزب الراية الصفراء ؟ يؤكد قطب سياسي بارز لـ»البناء» أنّ مصطلح الشيعية السياسية هو للدلالة على المكوّن الشيعي ككلّ، بغضّ النظر عن كونه حزب الله أو الرئيس نبيه بري. هناك من يودّ تشبيه الشيعية السياسية بالمارونية السياسية، لكن هذا الوصف غير دقيق. كانت المارونية السياسية عابرة للطائفة المارونية. مجرد التحاق المسلمين، الأرثوذكس، الكاثوليك، بالنظام حينذاك، أصبح هؤلاء جزءاً من المارونية السياسية. عندما حكمت المارونية السياسية لبنان من 1943 الى 1975 كانت ترتكز على الدستور.

لا شيعية سياسية، وفق القطب نفسه. بمعنى لا مكوّنات طائفية أخرى تلتحق بالدور السياسي للشيعة. جلّ ما في الأمر أنها تؤيد المقاومة. حرّر حزب الله الجنوب في العام 2000. خاض حرباً ضدّ العدوان «الإسرائيلي» في 2006. هزم الإرهاب في سورية، ومستمرّ في حربه ضدّه. لكن حجمه في مجلس الوزراء، بالكاد يكون وزارتَيْ دولة أو حقائب غير أساسية. هذا أول نقض، وفق القطب السياسي نفسه، لمنطق الشيعية السياسية. ثبت بعد كلّ هذه الانتصارات الطويلة انّ قوة النص أقوى بكثير من قوة السلاح.

أصبحت هناك سنية سياسية، عندما فصّل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ما يسمّى باتفاق الطائف على قياسه. ذهب إلى تطبيقه بشكل انتقائي من ضمن شراكة سعودية سورية.

السنة لا يقاتلون، يقول «الأزرق». لا نحمل السلاح. نحن الدولة والدولة نحن. ضنينون على الوحدة الوطنية. يتهرّب بعض هؤلاء من ذهاب مجموعات كبيرة منهم إلى أقصى مظاهر التطرف بالتمرّد على الدولة، عبر دعم الإرهاب مثل أحمد الأسير.

نملك قوة النص، يقول المستقبليون. لكنّها قوة لم تطبّق بما سُمّي «مجلس الوزراء مجتمعاً». غاب عن مناصري بيت الوسط، أنّ رئيس الحكومة اختصر منذ الحريري الأب إلى الحريري الابن، مجلس الوزراء الموجود بقوته. هناك 48 مؤسسة مستقلة، هي أذرع حقيقية تجعل السنية السياسية أكثر رسوخاً، أبرزها مجلس الإنماء والإعمار، الهيئة العليا للإغاثة، التفتيش المركزي، المجلس التأديبي، مجلس الخدمة المدنية، الصندوق الوطني للمهجّرين، المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات. بمعنى آخر اختزل هيئات الصرف وهيئات الرقابة. «السوبر» سهيل بوجي بقي في منصبه أميناً عاماً لمجلس الوزراء على مدى 23 عاماً.

اليوم، يضع السنة أنفسهم في خانة حراس الهيكل للدفاع عن الطائف. بات الموارنة أكثر وضوحاً في إبراز عدم اقتناعهم بموقعهم في النظام السياسي. يكمن هاجسهم الوحيد في كيفية تعويم الدور المسيحي فيه أو التفتيش عن بديل للطائف. أما الشيعة فلا يمكنهم تجاوز الطائف، لأنهم سيصطدمون بالسنة من جهة، وليس في استطاعتهم إلغاء الطائفية السياسية من جهة أخرى، لأنهم سيصطدمون بالمسيحيين وبغيرهم. راضون بحالتهم الراهنة ويتعايشون مع وثيقة الوفاق الوطني.

عندما بدأ الحديث عن الرئيس القوي في بداية الشغور الرئاسي. طلب السفير السعودي السابق علي عواض عسيري، موعداً عاجلاً من البطريرك الماروني بشارة الراعي سأله عن معنى الرئيس القوي في تفسير بكركي؟ وأبلغه أنّ الطائف عند المملكة خط أحمر. المسّ به وبصلاحيات رئيس الحكومة ممنوع.

ليس صحيحاً ما يتمّ تداوله بين أوساط المستقبل أنّ الحريري رضخ لإرادة الشيعة فتبنّى ترشيح عون حتى غدا رئيساً كامل الأوصاف بينما هو ما زال بالتكليف وقاب قوسين من التشكيل وأكثر. أعاد الحريري في أقلّ من شهر من تكليفه ترتيب وضعه المسيحي مع حلفائه وخصومه. احتضنته السعودية من جديد. أرسلت له مبعوثاً ملكياً فوق العادة. رمّم تياره في الجمعية العمومية، ولو أنه بدا تياراً متمذهباً بالكامل من خلال طريقة التصويت وأعضاء المجلس السياسي. دخل من باب «الحياء» مسيحيان بالتعيين وشيعي يُدعى حسن درغام من الغبيري. يعمل الحريري اليوم على ترتيب وضعه المالي. لا يضع مآخذ أنه رئيس مكلف ولو طال التكليف. لا يريد تشكيل حكومة سريعاً لكي يأخذ البلد الى انتخابات على أساس الستين. الأمور تسير وفق الهوى الحريري.

في المحصلة، لبنان أمام حالة من عدم الاستقرار في نظامه. هذه الحالة مرشحة أن تستمرّ إلى أن يطرح اللبنانيون على أنفسهم الأسئلة الصعبة. هل نظامهم السياسي لا يزال يعمل؟ أم أنه يحتاج إلى إجراءات؟ كيف يعيدون تفاهمهم على عقدهم الاجتماعي؟ كيف يتفاهمون على موقع لبنان السياسي في البيئة الإقليمية وصلة ذلك بالتحالفات القائمة؟

هذه الأسئلة ستبقى تنتظر أجوبة. لا يواجه الفرقاء الأسئلة الحقيقية. يمارسون سياسة دفن الرؤوس في الرمل. أقصى ما يطمحون إليه إيجاد تسويات موقتة. كلّ المكونات منغمسة في الترويج لها.

  • شارك الخبر