hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - د.ناصر زيدان

الحكومة اللبنانية بين التكليف والتأليف والميثاقية

الأحد ١٥ كانون الأول ٢٠١٦ - 06:00

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

منذ ما يقارب الشهر، تم تكليف الرئيس سعد الحريري بتأليف حكومة العهد الاولى من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد استشارات نيابية ملزمة نال فيها الحريري ثقة وازنة، شملت معظم الكتل النيابية بما فيها كتلة الرئيس نبيه بري، وامتنعت عن تسميته - من دون الاعتراض على تكليفه - كتلة الوفاء للمقاومة.
واجهت حركة الحريري في عملية التأليف بعض الاعتراضات غير المتوقعة، ،لاسيما منها ما يتعلق بـ«فزاعة» الميثاقية التي ينص عليها الدستور، او بتداعيات المسار السياسي الذي سبق انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية، حيث برزت نتائج الاتفاق بين اكبر قوتين مسيحيتين الى العلن (اقصد اتفاق التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية)، ودغدغ اتفاق الرئيس سعد الحريري (لما يمثله من ثقل سني) معهما، مشاعر الاطراف الأخرى، ولاسيما مشاعر (الثنائي الشيعي، اي امل وحزب الله) وهما في اوج نفوذهما، مستذكرين اتفاق العام 1943 بين الرئيس بشارة الخوري والرئيس رياض الصلح، الذي انبثق عنه ما يطلق عليه: ميثاق 43، الذي حمله البعض مسؤولية انتاج طبقة «المحرومين» والمهمشين سياسيا، رغم ان ظروف اليوم تختلف عن ظروف العام 1943، كما ان دستور اليوم يختلف عن دستور الامس.
اما المواضيع الميثاقية التي برزت بمواجهة تشكيل حكومة الرئيس الحريري، فكان اهمها التهديد بالمقاطعة الشيعية، التي تشبه التهديد الذي واجه تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام في العام 2014، حيث اشترط ثنائي امل وحزب الله عدم توزير اي شيعي، الا بموافقتهما.
ونقاط القوة عند هذا الثنائي النافذ، مازالت مؤثرة للغاية، بل انها ازدادت توسعا مع تطورات الاحداث الأخيرة في حلب، والتوزير المذهبي- السياسي الصافي، يعتبر بمنزلة الثلث المعطل الذي يهدد انفراط الحكومة في اي لحظة، نظرا لهشاشة التوليفة الديموقراطية اللبنانية التي تشترط تمثيل كل مكونات الأمة في مجلس الوزراء.
وما حصل مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2007 عندما استقال الوزراء الشيعة، مازال ماثلا للعيان، فكاد الامر يحدث حربا اهلية حينها، وامتنع رئيس المجلس النيابي بعد استقالتهم عن عرض اي من مشاريع القوانين التي اقترحتها تلك الحكومة على الجلسات العامة للمجلس، لأنه كان يعتبرها بتراء وغير ميثاقية، رغم ان نصابها الدستوري كان قائما بوجود رئيسها وثلثي وزرائها.
منذ اللحظات الاولى بعد تكليف الرئيس سعد الحريري في 3/11/2016، اعلن حزب الله عن تفويض الرئيس نبيه بري في التباحث مع الرئيس المكلف بموضوع تشكيل الحكومة، وهذا يعني بطبيعة الحال التسكير على اي منفذ يمكن ان يستخدمه الحريري لتجاوز (الفيتو الشيعي)، ومهارة الرئيس بري التفاوضية، وسعت من مروحة المطالب وتغليفها بغطاء وطني، حيث قال: انه لا يدخل الحكومة من دون رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
جنبلاط خرج فورا من مربع الاشتراطات، لأن همه ان تتألف الحكومة بأي ثمن، لأن عمرها قصير اولا، ولأن ملامح التعطيل الاقليمي بدت واضحة في وجهها.
رغم امتعاضه من اسلوب التهميش الذي يمارس بحق الطوائف الاقل عددا، ويشاطره في ذلك الامتعاض ممثلو الروم الارتوذوكس والروم الكاثوليك والارمن.
الاريحية التي يتعاطى بها الرئيس الحريري لمواجهة عقبات التشكيل مبنية على واقعية سياسية تفرض الابقاء على علاقة جيدة مع الرئيس بري وتبادل المجاملات الكلامية معه، وكذلك استمرار الحوار مع حزب الله، حيث عقدت مساء الثلاثاء جلسة في عين التينة بين ممثلين عن تيار المستقبل وممثلين عن حزب الله بضيافة الرئيس بري.
القوى السنية الفاعلة سبق ان استخدمت الورقة الميثاقية واسقطت حكومة الرئيس امين الحافظ في العام 1973 لعدم رضى هؤلاء عن تشكيلها، ولكن عن طريق عدم منحها الثقة. وحاول التيار الوطني الحر ان يلعب هذه الورقة في حكومة الرئيس تمام سلام، لكنه عطل عملها ولم يتمكن من سحب ميثاقيتها لوجود وزراء مسيحيين من غير المحسوبين على التيار.
تكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة كان بتفاهمات سياسية جرت قبل انتخاب الرئيس عون، والعقبات التي برزت أمام التأليف كانت سياسية بامتياز، ولا يبدو انها تتعلق بتوزيع الحقائب فقط.
فتشدد الرئيس بري وفريقه له خلفياته الواضحة، كما ان تسهيلات النائب جنبلاط على حساب حصته، وتخلي القوات عن الحقيبة السيادية، لهما حسابات سياسية ايضا، على اساس ان استقرار الدولة وانتظامها لهما الاولوية في الوقت الحاضر.

  • شارك الخبر