hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - الفضل شلق

مأساة كاسترو وهنيبعل

الجمعة ١٥ كانون الأول ٢٠١٦ - 06:34

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

السفير

مأساة الثورة أنها تتحول إلى نظام لحظة وقوعها وتنتهي. الثورة لا تأكل أبناءها، النظام يأكل أبناءه. تنتهي الثورة حالما تقع. تقوم بها الجماهير. ينزلون إلى الميادين والساحات العامة. بعد سقوط النظام، كلياً أو جزئياً، يعودون إلى بيوتهم. يحتاجون إلى حياتهم اليومية.
يقوم بالثورة الجمهور. تلغي النظام القديم. بعد ذلك تقوم بالإصلاح النخب الثقافية والسياسية والعسكرية وأخواتها. ليست مهمة الثورة الإصلاح، بل إسقاط النظام. مهمة النخب هي ذلك. نفرح للثورة لا نفرح للنظام.
الموقف الأخلاقي قبل السياسي، هو تأييد الجماهير في الميدان. ثورة الجماهير لا تكون مسلحة، لأن النظام القديم سلخها من كل شيء. وإذا تسلحت يكون ذلك من مخلفات حربٍ ما، سابقة، أو مما يزوِّد به النظام لتحويل الثورة إلى حرب أهلية. كل مجتمع متنوع. كل مجتمع معرّض لحرب أهلية دينية أو طبقية أو اثنية.
كل نظام ظالم. كل نظام قمعي. ذلك بالضرورة والتعريف، لا يكون نظاماً إذا لم يكن تراتبياً، بعض ناسه فوق الآخرين. بعض ناسه تحت الآخرين. يتدرج الأوساط منهم في اختلاف درجة الأمر عليهم والخضوع للأمر، درجة السلطة أو فقدانها. الأدنى يتحملون تبعات إرادة الأعلى. إرادة الأعلى هي التي تحكم. السلطة، النظام، الحكم، كلها مترادفات.
لا فرق إذا كان النظام دينياً أو علمانياً. كل مجتمع يحتاج إلى دين. عندما تسود العلمانية، أو أخواتها، تتحول إلى دين. تصير مثل الدين: ديْن على الطبقات الدنيا. كل دين دَيْن، لمن في السماء ولمن في الأرض. المجتمع التراتبي الطبقي يصير هو نظام الجباية، جباية الديْن باسم الدين. تتعاون السماء والأرض على فقراء أهل الأرض. تختلف التسمية فتكون ضريبة في النظام الحديث، كانت خراجاً في النظام القديم. كل شيء يخضع لها حسب الظروف التاريخية: الجزية، ضريبة الرأس، الخ... الفقراء مدانون أو مدينون سلفاً. الأغنياء يهربون من خرم الإبرة. علاقتهم جيدة بالأرض والسماء. هم الذين يعاقِبون باسم السماء والأرض. كل الذين لا يوفون بما عليهم من دين ودَيْن يعاقبون في الأرض والسماء. السلطة في الأرض انعكاس لسلطة السماء. حاجة أهل الأرض لمساعدة السماء ضرورية، أما حاجة السماء لمساعدة أهل الأرض فهي مسألة فلسفية. دع المثقفين، وبينهم الفلاسفة، يتكلمون. كلامهم لا طائل منه، لا يقف في طريق ما يجب استيفاؤه من دين ودَيْن وعقوبة، وكل ذلك يترجم مالياً، ذهباً وفضة أو أوراقاً تطبعها السلطة.
حوصرت كوبا بعد الثورة. اضطرت للاشتراكية في الداخل والاستعانة بالاتحاد السوفياتي في الخارج. حدث تهور بخصوص تركيب صواريخ بالستية تحمل رؤوساً نووية، في كوبا أي على بعد 90 ميلاً من ميامي في أميركا. كاد العالم يتعرض لحرب نووية لو لم يتراجع أصحاب الصواريخ السوفيات. بين بداية أزمة الصواريخ ونهايتها 13 يوماً. كان العالم على أعصابه. كُتِبَ الكثير عنها، وأُخرجت أفلام عدة.
الثورة حدث، فاعله الجماهير عندما تنزل إلى الميادين بأعداد كبيرة. يسقط النظام أو لا يسقط. بعدها يأتي الدستور والقوانين الجديدة. قيود على الناس. المهم أن تكون أفضل مما سبقها. بهذا التحسن يكون الإصلاح. تقوم بالإصلاح النخب الثقافية والسياسية وأخواتها. الإصلاح عمل يومي مستمر دؤوب وممل. مرحلة أعلى من الثورة. الثورة شرط ضروري له، لكنه ليس كافياً. على النخب أن تستجيب لمطالب الناس، خاصة الفقراء. مطالب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية ليست شعارات جوفاء. تصير واقعاً، كلياً أو جزئياً، حسب ما تقوم النخب بمهامها.
مأساة كاسترو أنه بدأ بثورة وانتهى بنظام. كان لا بد من الثورة. قبلها كانت أشبه بمزرعة ترفيهية للرأسمالية الأميركية. الموقف الأخلاقي يفرض الموقف السياسي، وهو تأييد أي ثورة حالما تقع. النظام فيه ما يقال سلباً وإيجاباً. لم تترك الولايات المتحدة لكوبا حرية التصرف في بناء نظامها وصولاً إلى دولة المواطنة. لم تحترم الرأسمالية الأميركية إرادة الشعب الكوبي، وهي لم تفعل ذلك عبر التاريخ. خضعت كوبا للهيمنة الأميركية الكاملة بعد إخراج الاسبان منها في مطلع القرن العشرين. حاول الأميركيون غزو كوبا بعد الثورة. قضية خليج الخنازير في عام 1961 معروفة. خُطِّط لها أيام ايزنهاور والتنفيذ كان أيام كنيدي.
لا نعرف كيف كانت ستكون الأمور في كوبا لو لم تُفرض عليها العقوبات الأميركية منذ أكثر من نصف قرن. هناك إنجازات عديدة حققها النظام الكوبي على الأصعدة الاجتماعية. خاصة الطبية منها، والسياسية وغيرها. حافظت على استقلالها وهي محاصرة. حققت كوبا تقدماً بالرغم من العقوبات. دفعت غالياً ثمن إرادتها الهادفة للحرية.
تعاطفت أميركا اللاتينية مع كوبا ومع كاسترو. تعاطفت شعوب العالم التي تنشد الحرية معهما. الكل يعرف أن مأساة كوبا هي مأساة شعوب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
صمدت كوبا برغم السماء والأرض. لم تنتصر، لكن كاسترو لم يكن مضطراً لتجرع كأس السم مثل هانبيعل. لم ينتصر النظام العالمي عليه. يبقى هو أسطورة القرن العشرين.

  • شارك الخبر